أي نوع من التكافؤ تريده روسيا في علاقاتها مع الغرب؟

07.12.2016

تمتد جذور الأزمة الحالية للعلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي إلى عمق مفهوم التفوق الغربي. السبيل الوحيد للخروج من المأزق يكمن في إعادة هيكلة العلاقة على أساس التكافؤ والمساواة.

على خلفية الأزمة في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، تزداد المطالبة بالتكافؤ من قبل موسكو أكثر وأكثر. فمن أين ينبع هذا وماذا يعني؟ أليس من الطبيعي أن يقوم نصفا القارة الأوروبية ببناء علاقات جيدة على أساس المساواة والاحترام المتبادل ورفض أية مطالب بالتفوق؟

ومع ذلك، في بعض الأحيان توجد فجوة بين الأقوال والأفعال، وهذا يصبح حقيقيا عندما يتعلق الأمر بالمساواة بين الدول. هناك حاجة لدى القادة الغربيين لأن يتذكروا بعض الحقائق البسيطة التالية: وهو عدم وجود ثقافات أعلى وأدنى. فكل الدول متساوية وتساهم في تشكيل الحضارة الإنسانية، وأن عملية التطور التاريخي ليست عملية خطية.

لم يكن العالم أحادي القطبية موجود أبدا. إنه تفكير نظري من بعض الساسة وعلماء السياسة الغربيين، الذين أرادوا لفترة وجيزة من كل الآخرين الاعتقاد بذلك،والايمان بأنهم الوريث الطبيعي للعالم ثنائي القطبية. ومع ذلك، فإن الطابع المتعدد الأطراف للنظام العالمي، والذي تم تشكيله من قبل الدول المتحالفة بعد فوزهم على المانيا النازية واليابان، لم يختف أبدا.

الآن كما كان من قبل، ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي هما أساس العلاقات الدولية. .ووفقا لوثائق هذا القانون، فإن التعاون على قدم المساواة، وتقرير المصير، وعدم التدخل في شؤون الغير وعدم استخدام القوة هي معايير القيم الأخلاقية والسياسية العليا. مجلس الأمن للأمم المتحدة (مجلس الأمن الدولي) هو الضامن لهذا النظام العالمي. دون موسكو أو بكين، لا يمكن لأعضاء آخرين في مجلس الأمن تمرير أي قرار.

تحول التوازن

في العقدين الماضيين منذ أوائل التسعينات، تحول توازن القوى في العالم. كان المطلوب حصول روسيا الضعيفة على مقعد في الساحة الدولية والاقتصاد العالمي كلاعب مستقل. فضلت

الصين الابتعاد عن الاضواء وعدم التدخل في أي شيء لكي لا تعيق النمو الاقتصادي وتحولها إلى قوة عالمية من الدرجة الأولى.

تركزت الموارد والسلطة في يد القوة العظمى الباقية وهي الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع حلفائها الأوروبيين. ولبعض الوقت، ظهر عدم توازن لم يسبق له مثيل، والذي صوره البعض بأنه أبدي.

بدلا من استخدام هذه الحالة الفريدة من نوعها لصالح الجميع لتسوية الصراعات، وزيادة الاستقرار الدولي وإدارة العمليات العالمية، حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال ذلك تأكيد هيمنتهما. حاول الغرب، للحفاظ على موقف الشركة الرائدة عالميا، تصوير نفسه بأن له الحق في إعطاء الدروس للجميع والتدخل في الشؤون الداخلية ووضع القواعد.

لكن ذلك لم ينجح. وقد تسبب هذ بزيادة المقاومة. فقد سعت روسيا والصين إلى نظام عالمي على أساس مقتضيات القانون الدولي ودور خاص لمجلس الأمن للأمم المتحدة وثابرتا على ذلك. اليوم التعاون المتكافئ للدول هو الشرط الأساسي مرة أخرى. وهكذا، فإن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا لا يمكن أن تستند على أي شيء آخر إلا على المساواة.

ادعاءات غير مثبتة

كل قصص الاتحاد الأوروبي بتعليم روسيا، وإعلائها كأمة إلى مستواها الحالي، الأمر الذي ساعد روسيا على دخول الاقتصاد العالمي، وتقديم فرصة لروسيا لاستعارة الإنجازات القانونية لعمليات التكامل في الاتحاد الأوروبي إلى داخل روسيا، ربما كان لها بعض الأساس في بداية عام 1990. في ذلك الوقت، كانت روسيا تبني نظاما سياسيا جديدا وتحاول التكيف مع اقتصاد السوق، والذي كان واقعا جديدا بالنسبة لها.

ولكن ليس الآن. فالولايات المتحدة انتهت للتو من حملة الانتخابات الرئاسية الأكثر إثارة للجدل في التاريخ، والاتحاد الأوروبي يحاول على عجل مكافحة مجموعة كاملة من الأزمات. روسيا لديها فرصة لتولي قيادة حقيقية في مكافحة الإرهاب الدولي، كما تبدأ الصين في التفوق على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في بعض جوانب التنمية الاقتصادية. خلقت روسيا والصين تلك المؤسسات الدولية المؤثرة الخاصة بهما، ودعتا إلى تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي والنظام الدولي.

خارطة طريق نحو مستقبل مشترك

أي نوع من خارطة الطريق يمكن تقديمها من أجل تنفيذ المساواة في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي؟

أولا، النظام الأمني بأكمله في المنطقة الأوروبية الأطلسية يحتاج إلى تغيير. النظام يجب أن يكون شاملا، ومستندا إلى مبادئ الأمن لمنظمة "الأمن والتعاون في أوروبا". إن وجود نظام متبلور وغير معرف اليوم على أساس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) يجب أن يحل محله نظام فعال للأمن الجماعي على أساس معاهدة صلبة، مع هياكل جديدة فوق وطنية شاملة.

مجلس أوروبا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون يمكن دمجها جميعا في النظام الجديد.

بالتوازي مع ذلك، يمكن أن تذوب العلاقات الاقتصادية الثنائية بين روسيا والاتحاد الأوروبي في الشراكة الأوراسية الشاملة الكبرى. يجب إزالة التمييز ومسح الحواجز الإدارية، وبالتالي يتم الاتفاق على قواعد ملائمة للأعمال التجارية المشتركة بين جميع الأطراف.

لذلك، على الاتحاد الأوروبي التخلي عن المبادئ الحالية للشراكة مع دول شرق أوروبا وسياسته العامة الحالية. يجب أن تتغير المشاورات والمفاوضات في الشكل الثلاثي من "الاتحاد الأوروبي - بلد ثالث - روسيا" إلى الشكل الثلاثي "الاتحاد الأوروبي - بلد ثالث – الاتحاد الاقتصادي الأوراسي".

على الاتحاد الأوروبي أن يوافق بأن يتم النشاط المعياري من خلال التعاون من قبل جميع دول المنطقة، ويأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف. يجب النظر لهيمنة بروكسل كشيء من الماضي. يمكن استبدال ذلك بالمسعى المشترك استنادا إلى أفضل الممارسات وأقصى قدر من الفعالية.

وعلاوة على ذلك، لا بد من تشكيل لجان ثنائية أو متعددة الأطراف بشأن القضايا التاريخية الصعبة وحول العلاقات الثنائية. وبناء على عمل اللجان، يحتاج الأمر إلى مقاربات مشتركة يتم الاتفاق عليها فيما يتعلق بالأسئلة الشائكة: مثل بداية ونهاية الحرب الباردة. طبيعة الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي ومساهمتهم في الثقافة الأوروبية والعالمية والتنمية الاجتماعية؛ ما

حدث في كييف وأوديسا ودونباس ومناطق أخرى من أوكرانيا، فضلا عن القضايا الأخرى التي أدت إلى المواجهة. وعندما يتم العثور على نهج مشترك، فستغلق جميع القضايا مرة واحدة وإلى الأبد.

يبدو أن حرب المعلومات كانت مقررة ضد الكرملين قبل فترة طويلة من أزمة أوكرانيا، وهي ببساطة يجب أن توقف أو تخفف على الأقل. وموسكو يجب أن تعود إلى التقليد الموضوعي والنزيه حول ما يحدث في الاتحاد الأوروبي، وحول سياساته الداخلية والخارجية. الشيطنة المتبادلة يجب أن تبقى في الماضي.

الجميع يجب أن يتصرف بروح المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تنص على حرية التعبير وحق نشر الأخبار والرأي الآخر، ولكن ليس لأخبار وهمية وغيرها من التشويه للواقع. على الصحفيين إعلام المجتمع، وليس تعليمه وإلقاء المحاضرات عليه. وضع نظام قواعد لسلوك الصحفيين في وسائل الإعلام المطبوعة ووسائل الإعلام الإلكترونية، فضلا عن مشغلي الشبكات الاجتماعية يجب أن يعتمد والمهم أكثر هو أن ينفذ.

فيما يتعلق بمفهوم "القيم الأوروبية"، روسيا والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه توافق على حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية التعددية والتنوع الثقافي وحماية الأسرة ومصالح الأطفال واحترام الأديان الرئيسية في العالم لأن هذا تراث مشترك.

الجميع يقدم مساهمته الفريدة من نوعها لأنه يحصد ثمرة الشمولية والتضامن والتسامح. لا أحد لديه احتكار للحكم على الآخرين، أو أن يعلمهم الكيفية التي ينبغي عليهم فهم القيم المشتركة من خلالها. قد يكون لديهم تفسيراتهم المختلفة، ومع ذلك فهي ستتغير مع الزمن لتصبح حتما مشتركة وجماعية.

عند إحراز التقدم على تنفيذ النقاط أعلاه، فإن الحل سيوجد بالتأكيد لأزمة أوكرانيا، فضلا عن النزاعات الأخرى - سواء في أوروبا الوسطى والشرقية، أو في منطقة البلقان وجنوب القوقاز أو في أي مكان آخر في الجوار.

ويجب، بالطبع أن توقف العقوبات من الجانبين وأن ترفع القيود في المجالات المالية والاقتصادية والاتصالات وحرية الحركة. يتفق الجميع أن الحفاظ على العقوبات لا يتوافق مع الحفاظ على علاقات حسن الجوار.

يفضل أن تكون المفاوضات داخل مجلس أوروبا، يجب أن تبدأ بهدف جعل القيود من جانب واحد مستحيلة في المستقبل. ونتيجة لذلك، يتم التوقيع على معاهدة دولية متعددة الأطراف تعتمد إشراك القوانين والأنظمة المعمول بها في الدول المشاركة الداخلية.

وغني عن القول أن كل الاتصالات ومنصات التواصل بين اللاعبين في أوروبا يجب ألا تتوقف. النظام المؤسسي لإدارة التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي يجب أن تتم استعادته، وإصلاحه بطريقة تأخذ بعين الاعتبار الأخطاء والعيوب في الماضي وضمان التعاون الفعال في المستقبل.