التكامل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي: فكرة عظيمة ورهيبة

23.06.2016

يناقش الخبراء الروس والأوروبيون فكرة دمج الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهي الفكرة التي طرحها رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف، خلال منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي.
في يوم 17 يونيو، أي في اليوم الثاني من المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبورغ، تقدم رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، بفكرة مبادرة جديدة تنطوي على التكامل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. "تكامل التكاملات" هذا، سيجلب روسيا لتصبح أقرب إلى شركائها الأوروبيين والأوراسيين، ولكن ما هو المدى العملي لمثل هذه المبادرة؟
يفغيني فينوكروف، مدير مركز الدراسات التكاملية في بنك التنمية الأوراسي (مجلس التنمية الاقتصادية) يعتقد أن التفاوض على مثل هذا الاتفاق قد يستغرق 5-6 سنوات. وقال في دورة نادي فالداي على هامش المنتدى، أن هناك مالا يقل عن 20 من المناطق التي قد تكون فيها مصالح الكتلتين متطابقة، من تجارة السلع والخدمات إلى نظام التأشيرة الحرة وتحرير الوصول إلى الأسواق المالية.
كيف يمكن أن يكون مثل هذا الاقتراح قابلا للتطبيق في المستقبل؟ وما هي الشروط المسبقة التي  يجب أن تتوافر لبناء أساس لمفاوضات مثمرة؟ تم التواصل مع أربعة خبراء روس وأوروبيين لمعرفة آرائهم.

كريستوفر بيساريدس، أستاذ الاقتصاد والحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2010 يقول:
إنها فكرة ممتازة إذا كان من الممكن القيام بها، ولكني لا أعتقد أنها قابلة للتطبيق في الوقت الحاضر، بسبب المشاكل الكثيرة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا وبسبب الاقتصادات الآسيوية الأخرى، ونظرا للمستويات المختلفة من التنمية الاقتصادية. وأنا لا أعتقد أنها ستنضج سياسيا في المرحلة المقبلة.
الطريق للمضي قدما يتم عن طريق منظمة التجارة العالمية (WTO) ومن خلال تشكيل تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، الشراكة عبر المحيط الهادئ، التجارة والشراكة الاستثمارية عبر الأطلسي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وعندما تنضج تلك الكتل وتعمل بشكل جيد، يتم الجمع بينها، وعندها يتم الانتقال إلى مفاوضات الخطوة التالية.
رئيس كازاخستان يقول أننا يجب أن نتكامل وهو محق في ذلك، ينبغي علينا ذلك، ولكن دعونا أولا نتأكد من أن الاتحاد الأوراسي يعمل مثلما تسير المفاوضات عبر المحيط الأطلسي على ما يرام ومثلما يعمل الاتحاد الأوروبي بشكل جيد ومن ثم ننتقل نحو مزيد من التكامل.

احد الشروط المسبقة لهذا هو أن تلتزم جميع السلطات السياسية والعسكرية بضبط النفس. كان الكثيرون من الناس يعتقدون أنه بمجرد أن تم تفكيك الاتحاد السوفيتي بتلك الطريقة التي حدثت فإن الناتو سيقلص أنشطته ووجوده في دوله الأعضاء ويركز بدلا من ذلك على الاتحادات الاقتصادية وعلى دمج اقتصادات أوروبا الشرقية مع الدول الأوروبية الغربية الأكثر تقدما، بحيث لا تجلب معها تحالفات عسكرية تنطوي على بعض الخطر في المستقبل. كان هناك الكثير من التفاؤل حول السلام على المدى الطويل والتعاون عام 1990 ولكن الأمور تجري الآن إلى حد كبير عكس ذلك.
أوليغ بوكليميشيف أستاذ مشارك في علم الاقتصاد، جامعة موسكو الحكومية يقول:
فكرة دمج الاتحاد الاقتصادي الأوارسي والاتحاد الأوروبي أمر طبيعي تماما. بغض النظر عن المساحة الواسعة التي يغطيها الاتحاد الأوراسي على الخريطة، فهو أصغر بكثير من الاتحاد الأوروبي من حيث الحجم الاقتصادي. على أساس تعادل القوة الشرائية فإن الاتحاد الأوروبي أكبر بثلاث مرات من الاتحاد الأوراسي. من حيث الحجم الاسمي، فإنه أكبر بعشر مرات تقريبا. وبالتالي فإنه من أجل القدرة على المنافسة عالميا، لا يزال الاتحاد الأوراسي بحاجة الى إقامة علاقات المنفعة المتبادلة مع الشركاء الاقتصاديين الأكبر وكتلهم الاقتصادية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الآن في مرحلة متقدمة من التكامل تغطي مجموعة واسعة من المجالات، وهي في نفس الوقت أوسع من مثيلاتها في الاتحاد الأوراسي. من وجهة النظر هذه قد تكون هذه التجربة التراكمية مفيدة لتطوير عمليات التكامل داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ومن المرجح أن الاتحاد الأوروبي قد يجد هذا مثيرا للاهتمام وهو أن الاتفاق أسهل مع عدد من الشركاء في آن واحد على نفس الظروف، من الاتفاق مع كل منهم على حدة.

ومع ذلك فإن تنفيذ برنامج فعال من التكامل المتبادل سيكون أكثر تحديا. أولا وجود عائق خطير أمام التوصل إلى اتفاق هو الفرق في مستوى التكامل الحالي. ثانيا، سيكون من الضروري اتخاذ قرارات إستراتيجية بشأن الاتجاهات الرئيسية للتنمية المستقبلية في كل من الكتل التي تنوي التكامل. الوقت ليس مناسبا الآن لهذا ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب التي تخص  كلا الجانبين. ثالثا، أي جدول أعمال يتطلب من الجانبين تقديم تنازلات متبادلة، والاتفاق عليها قد يتحول إلى عملية غير سهلة ومؤلمة. وأخيرا من الصعب جدا أن نتخيل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي بينما لا تزال العقوبات على حالها، هذا السؤال يكمن خارج جدول الأعمال الاقتصادي في كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا، وهي العضو البارز في الاتحاد الأوراسي.
ولذلك، يمكن القول أن منطقية  فكرة التكامل سابقة لأوانها بعض الشيء. وسيكون من العقلاني أن نعود إلى تحقيقها بعد بعض الوقت في المستقبل.
كريستوفر هارتويل، رئيس مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية في وارسو (كيس) يقول:

هذه الفكرة هي في نفس الوقت كبيرة ورهيبة على حد سواء. على الجانب الإيجابي إنه أمر رائع ألا يكون هناك حواجز بين الاتحاد الأوراسي والاتحاد الأوروبي وبالتالي يمكن للاتحاد الأوراسي أن يستفيد من زيادة التجارة مع الاتحاد الأوروبي. حتى مجرد فهم معايير الجودة وعمل السوق في الاتحاد الأوروبي سيساعد الأعمال كثيرا في الاتحاد الأوراسي. بطبيعة الحال سيتم أيضا تزويد المستهلكين بمزيد من الخيارات ربما تساعدهم على إجبار بعض الصناعات المحمية في الاتحاد الأوراسي على المنافسة (الذي تبين لي في مقال نشر مؤخرا، أنه في أمس الحاجة إليها). يمكن لزيادة التجارة أن تسمح أيضا بتحسين البنية التحتية المؤسسية في الاتحاد الأوراسي، وربما تخفض قليلا من كابوس البيروقراطية وتخلق تأثيرا مضاعفا للإصلاح. الجانب الجيوسياسي والتجاري هو دائما وسيلة جيدة لنزع فتيل التوترات السياسية لأنه يخلق لوبي مهتما في العلاقات الجيدة.

من ناحية أخرى، الطريقة التي تعرض بها المبادرة من قبل القائد الاستبدادي لكتلة تعاني من عجز ديمقراطي يجعل الفكرة رهيبة. مرة أخرى، لا يزال هذا النهج ينظر إلى التجارة على أنها لعبة جيوسياسية وليس وسيلة لتوفير الخيارات للمستهلكين والأسواق للشركات، وإثراء البلد. اتفاقيات التجارة ليست حقا تجارة حرة، ولكنها تجارة حرة أكثر عندما تقارن مع البدائل. النظرية الاقتصادية والتجربة تبين لنا أنه لا يجوز معاملة التجارة على أنها لعبة ولا يجوز اعتبارها سلاحا، وروسيا مولعة جدا بالقيام بذلك. في الواقع، ليست هناك أية ضمانة بأن روسيا سوف تلتزم بأي نظام تجاري قائم على القواعد بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي، لم تفعل ذلك حتى هذه اللحظة في منظمة التجارة العالمية، فلماذا يعملون للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة (FTA) مع الاتحاد الأوروبي؟ وخصوصا بعد أن ثبت أن لديهم آليات عقوبات أكثر اعتدالا بكثير من منظمة التجارة العالمية؟
حتى أن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، إذا انضمت أوكرانيا في نهاية المطاف إلى الاتحاد الأوروبي أو حتى مجرد زيادة تكاملها مع الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاقية الشراكة. فهل سيكون هناك حافز لروسيا أكبر أم أقل لمنع التوصل إلى اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي؟ مع اتفاقية التجارة الحرة، أعتقد أن هناك في الواقع حافزا أكثر لروسيا للسماح لأوكرانيا بالذهاب إلى شراكة لأن التجارة ستظل قادرة على التدفق بحرية بين البلدين، وهذا لا يحدث مع أوكرانيا من خلال الجدار من جانب الاتحاد الأوروبي ومن جانب روسيا على الجهة الأخرى. بطبيعة الحال فإن إستراتيجية روسيا في شرق أوكرانيا بخلق صراع مجمد قد يمنع المزيد من التكامل مما يعني أن أوكرانيا سوف تصبح ثقبا أسودا في أوروبا، وهو الأمر الذي يمكن أن ترغب فيه روسيا.
إيفان كابيتونوف، كبير الباحثين في قطاع سياسة الطاقة في معهد الاقتصاد في الأكاديمية الروسية للعلوم يقول:

المبادرة المقترحة من قبل رئيس كازاخستان لدمج الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتحاد الأوروبي لديها إمكانات، ولكنها سابقة لأوانها. عموما، هي ذات معنى لأسباب موضوعية، فالتعاون مع الاتحاد الأوراسي هو أكثر فائدة لأوروبا من الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي. ويرجع ذلك أولا وقبل كل شيء إلى القرب الجغرافي وعدد من الروابط التعاونية. أما بالنسبة لروسيا، وعلى الرغم من نظام العقوبات، فهذا يمثل فرصة ومصلحة عملية هامة عندما ترتبط روسيا مع الاتحاد الأوروبي من خلال شبكة من المصالح الاقتصادية والسياسية، وكان وما يزال تطوير التعاون الإقليمي في أوروبا هدفا للسياسة الخارجية الروسية.
ولكن، وبصرف النظر عن الدوافع الجذابة التي تحدد اتجاه التقارب التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة، هل هناك أي معنى عملي لذلك؟ ماذا وكيف يمكن أن نتكامل؟
من الضروري أن نفهم أن الاتحاد الأوروبي يقف على أعلى مراحل التكامل بينما يعتبر الاتحاد الأوراسي متخلفا في عدد من الخصائص. منذ بعض الوقت، كان هناك مصطلح مستحدث لبلدان رابطة الدول المستقلة (CIS): "متعدد السرعات والتكامل متعدد المستويات". ومن المعروف على نطاق واسع كيف انتهى هذا التكامل حيث صفوف رابطة الدول المستقلة ضعفت في حين انضمت الدول الأقوى إلى تكتل جديد. هنا القصة مشابهة - تحقيق التكامل بين الاتحاد الأوراسي والاتحاد الأوروبي قد يحدث، لكن ذلك لن يدوم طويلا. لذلك، فإن الممكن ليس مثل هذا "التكامل"، ولكن تعزيز التفاعل والمفاوضات الجادة حول مجالات النقل والبنية التحتية للطاقة، والتي من شأنها أن تسمح لحل أكثر المسائل المثيرة للقلق التي توجد بين الكتلتين الكبيرتين.