الواقع الاقتصادي بعد عامين على حرب العقوبات الروسية الأوروبية

08.08.2016

مر عامان على العقوبات الغربية ضد روسيا. فكيف تعلمت الشركات الأوروبية العيش مع الواقع الاقتصادي الجديد في روسيا؟
مر عامان منذ أن فرضت العقوبات الاقتصادية ضد روسيا والتي ردت عليها موسكو بعقوبات مضادة. في حين فرض القادة السياسيون في الولايات المتحدة وأوروبا العقوبات لكن الشركات الأوروبية لم تظهر الدعم لهم. نرصد الواقع عبر مقابلات مع ممثلي الشركات الألمانية والفرنسية في روسيا من أجل معرفة كيفية تعامل روسيا والاتحاد الأوروبي مع العقوبات المفروضة  في العامين الماضيين منذ اعتمادها. ماذا كان تأثير هذين العامين على العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا؟ وما هو الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة لدفع أوروبا نحو تبني عقوبات ضد الكرملين؟
ايمانويل كيديت، رئيس غرفة التجارة الفرنسية-الروسية 

كان من المفترض أن تؤذي العقوبات روسيا - وخاصة العقوبات المالية التي لا تسمح لروسيا  بالحصول على تمويل طويل الأجل، وبالتالي  يصعب جدا الاستثمار في أي من المشاريع طويلة الأجل. وبطبيعة الحال، كان رد فعل الحكومة الروسية بإنشاء وتطوير نموذج استبدال الواردات، لتطوير الاقتصاد المحلي. تلك الإجراءات تعتبر فعالة في بعض المجالات، ولكن ليس في مجال التقنيات، لأنه من الصعب جدا إيجاد بديل يحل محلها. ولكن بالنسبة للعمل الزراعي فهذه الإجراءات تعمل بشكل جيد جدا.
ونحن نرى حتى الآن، على سبيل المثال، بعض الشركات الفرنسية تصنع الجبن في روسيا. لقد قامت بإنشاء مشاريع مشتركة مع الروس وهم يصنعون الجبن الفرنسي في روسيا. نرى أيضا أن الأعمال التجارية التي تتعلق بلحم الخنزير، على سبيل المثال، حيث قررت روسيا زيادة دعمها لصناعة لحم الخنزير المحلي لتصبح  هذه الصناعة مستقلة بشكل أسرع. وقد نجح هذا أيضا بشكل جيد. هذا العام روسيا ستكون مستقلة تماما بما يتعلق بلحم الخنزير.
لذلك، وهذا يعني أن الأعمال الفرنسية والأوروبية لن تتعافى تماما، فهي لن تكون قادرة على العودة إلى حصتها السابقة  في السوق. وبالتالي، فإن هذه العقوبات لا تضر روسيا فحسب، بل هي تضر أيضا أوروبا. لذلك فكل الأعمال التجارية والعديد من الشركات الأوروبية تتضرر الآن وعندما يتم رفع العقوبات لن تشفى أبدا أو تعود إلى حالتها الأولى.
وجدت روسيا طريقة جديدة لممارسة الأعمال التجارية. على سبيل المثال، ما يخص صناعة لحم الخنزير لن تستورد روسيا مستقبلا أي كمية منها من أوروبا. حتى إذا كنا نتحدث عن التكنولوجيا، بدلا من أن تأتي من شركائها من أوروبا، فهي تأتي من الصين، وهي سوف تستمر، لذا فإن الأمور لن تكون نفسها مرة أخرى.

على الرغم من كل هذه النكسات فالشركات الفرنسية تتكيف بطبيعة الحال مع الحالة الجديدة. ولكن هذا لا ينطبق على كل قطاعات الاقتصاد التي لم تستطع التصرف  بنفس الطريقة. مجال التشييد والبناء وتجارة السيارات تأثر كثيرا. شركات الأدوية تأثرت بشكل أقل من ذلك بكثير، فهي لا تزال تعمل بشكل جيد.
لذلك، هناك بالطبع استثمارات أقل في روسيا في الوقت الراهن، ولكن إذا كنا نتحدث عن الأعمال الفرنسية على وجه الخصوص، فقد كانت أول وأكبر مستثمر أجنبي في روسيا في العامين    2014 و 2015. فرنسا استثمرت في روسيا من خلال شركات  أوشان ورينو وسوسيتيه جنرال. ولم تغادر أية شركة فرنسية من أصل 1200 روسيا، لذلك فإنها تتكيف وتواصل الاستثمار.
ولماذا نواصل الاستثمار؟ لأننا نؤمن بمستقبل روسيا، وذلك لأن الأعمال ليست منظمة غير ربحية فنحن نؤمن بالمستقبل، وروسيا لديها هذا المستقبل.
روسيا ليست كوريا الشمالية، التي تعتبر مثالا صارخا للدولة المنعزلة. كان يجب استخدام الدبلوماسية في التعامل مع الأزمة الروسية. هذا هو الهدف الذي أنشئت الدبلوماسية من أجله - لحل المشكلات وتجنب المواجهة في الحرب. ولكن استخدام العقوبات الاقتصادية في الأزمة السياسية هو فشل للدبلوماسية. مع دول مثل روسيا، لا يعمل هذا المنطق. فرضت روسيا العقوبات المضادة ولها كل الحق في أن تفعل ذلك.
أولف شنايدر، المؤسس والمدير الشريك في مجموعة شنايدر
من المؤكد أن تأثير العقوبات هو تأثير سلبي، وهذا يتعلق على حد سواء بالعقوبات الغربية والعقوبات الروسية المضادة. تأثيرها على التجارة الخارجية هو تأثير سلبي. ربما هو أقل سلبية من العديد من العوامل الأخرى مثل انخفاض أسعار النفط، الذي كان له تأثير أكبر بكثير على انخفاض التجارة الخارجية. على سبيل المثال، انخفضت التجارة بين روسيا وألمانيا بنحو 50 في المائة.
هناك تأثير للعقوبات ولكن التأثير المباشر على التجارة ربما يكون أقل حدة من تأثير المناخ النفسي على مناخ الأعمال بشكل عام.
وهناك تأثير ثالث هنا وهو العامل المالي. لذا فإن تأثير العقوبات المالية من الصعب جدا قياسها ولكن يقول العديد من البنوك أنها كانت تؤثر إلى حد بعيد على عملياتها.
ثم، هناك تأثير رابع: العديد من الشركات الغربية في أوروبا تهتم بعقوبات الاتحاد الأوروبي لكنها تهتم أيضا بالعقوبات الأميركية. إما أن يكون لديهم أعمال في الولايات المتحدة ويخافون من  خسارتها، أو أن لديهم قانونيا مكتبا تمثيليا في الولايات المتحدة، ومن خلال هذا المكتب التمثيلي، هناك تأثير مباشر. لذلك، فإن الوضع  في الحقيقة معقد.
الحديث عن الأعمال الألمانية يمكن قياسه من خلال الأرقام. قبل عامين في عام 2014 كان لدينا حوالي 6400 شركة ألمانية مسجلة في روسيا. الآن في نهاية العام الماضي انخفض هذا العدد إلى حوالي 5800 شركة. لذلك، انسحبت حوالي 600 شركة من روسيا. ويمكن أن يشمل هذا العدد بعض الشركات التي كانت أعمالها قريبة من الصفر وقررت في النهاية الانسحاب من روسيا. والواقع هناك عدد قليل جدا من الأمثلة من الشركات الألمانية في روسيا التي قررت إغلاق أبوابها بسبب الأزمة.
وعادة ما يكون ذلك بسبب العديد من الأسباب الأخرى. وأنا لا أعرف شركة ألمانية واحدة كانت العقوبات سبب إغلاقها. الشركات الألمانية معروفة جيدا باستدامتها وإصرارها على سوق مثل  سوق روسيا على المدى البعيد. وهذا أيضا لأن الشركات الألمانية إلى حد كبير الصغيرة والمتوسطة لا تولي اهتماما للبورصة، لكنها تولي اهتماما أكبر بالعلاقة الجيدة مع الشريك التجاري في الخارج.