توقعات محمد بوداي بشأن فلاديمير بوتين صحت بعد 16 سنة

28.12.2016

عندما ظهر السيد فلاديمير بوتين على ساحة الاحداث السياسية فجأة، انتشرت على الوسائل الاعلامية عدوى سؤال: من هو السيد بوتين؟ وعندما كان الجميع مهتمين بالحصول على جواب لهذا السؤال، كنت الوحيد الذي لم يقدم الجواب فحسب، بل وتنبأت بكل ما سيقوم به هذا الرجل العظيم، وما سيحل بخصومه والمكانة التي ستصل اليها روسيا بفضل سياسته الحكيمة. قلت كل هذا بعد ان رايته مرة واحدة فقط على جهاز التلفاز ولم يكن بوتين قد اصبح رئيسا بعد.

نشرت توقعاتي هذه عام 2000  في العدد الثاني من جريدة "الحوار" التي كنت اصدرها آنذاك. وفيما يلي الترجمة العربية لها مرفقة بصورة العدد الثاني من الجريدة المذكورة.

الرئيس يلتسين رحل، والسيد بوتين ظهر، لاحظوا الجذر اللغوي لاسمه "بوت" الذي يعني "طريق" فهل اختاره القدر ليفتح لروسيا طريقا جديدا ليس رأسماليا وليس شيوعيا ليعيد لروسيا امجادها الغابرة؟

السيد بوتين ظهر بسرعة الضوء، ولم يكتف بانارة مساحة الوطن بل، انار في قلوبنا الامل ببعث روسيا من جديد.

عندما رأيته لأول مرة على جهاز التلفاز فان اكثر ما اثارني به هو تلك النظرة الثاقبة والثقة المفرطة بالنفس والحزم الممزوج بالفخر والكبرياء التي يتمتع بها، وبنفس الوقت، بقيت على وجهه آثار بسمة من عهد الطفولة البريئة تساعد على تلطيف تلك الصفات القاسية امام الاخرين.

خلال فترة قصيرة استطاع ان يوزع اهتمامه بين الشباب والعجائز والاولاد، وبين المثقفين والجنود وحتى المساجين.

وعندما لاحظت ذلك،  تيقنت بان هذا الرجل مستعد بشكل جيد لتولي الزعامة في روسيا وانه سينجح بذلك بشكل منقطع النظير.

اذا كان المراقبون قد شبهوا يلتسين بالبلدوزر الذي يحطم بطريقه كل شيء، فانا اشبه بوتين بشعاع النور الذي ينساب بلطف ليملأ كل الزوايا المظلمة في البلد الطيب.
بوتين ليس طريا لدرجة تغري خصومه بعصره كليمونة ناضجة، وليس قاسيا
لدرجة تجعله ينكسر في حال الضغط عليه. هو من معدن اخر يجعله ينحني بدهاء وينتصب بكبرياء.

بوتين لا يستعمل السوط في المواقف التي تنفع فيها الكلمة، ولا يستخدم الكلمة في المواقف التي تستطيع نظراته الحازمة ان تقوم بالمهمة، ولا يستخدم نظراته الحازمة عندما ينفذ المسؤول عمله بضمير وشرف.

بفضل سوطه القوي اوقف تفتت الاتحاد الروسي الذي كان قد وصل الى حافة الانهيار. بكلمة منه ارتفعت شعبية حزب "الدب" لتخفق في الاعالي، وتحت نظرته الغاضبة انفرط حزب "الوطن" وخرج من الساحة. اما سيرغي كيرينكا الذي أبدى استعداده لخدمة الوطن تحت قيادة بوتين، فقد حصل على اكثر مما كان ينتظر.

حسب وجهة نظري، فان بوتين قنديل ترقص حوله فراشات كثيرة. الفراشة التي تعرف حدودها ولا تتجاوزه تستمتع بالدفئ وتستمر بالحياة، اما الفراشات التي تتخطى حدودها فانها تحترق بوهج القنديل.

اليوم، بريماكوف تخلى عن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة في روسيا، لوشكوف يشكر الله لانه استطاع ان يحتفظ بمنصب محافظ موسكو، جرينوفسكي متأكد من خسارته ولكن لابد له من اتمام لعبته السياسية، صوت الجنرال الكسندر ليبد غير مسموع، اما رئيس حزب "التفاحة" فينتظره مصير ابونا آدم الذي اخرجته التفاحة من الجنة.

اليوم، بوتين يقبض على السلطة في روسيا بقضة حديدية ترتدي قفازا من الحرير، ولا يشعر بقوة تلك القبضة الا من يقع فيها. اظن ان العناية الالهية هي التي ارسلت مثل هذا الشخص لينقذ ليس فقط روسيا بل، العالم ايضا من عنجهية وغطرسة امريكا التي استأسدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونصبت نفسها رباً على العالم من حقها ان توزع حق الموت والحياة على الاخرين.

ملاحظة:
هذا ما كتبته عام 2000 عندما كان بوتين رئيسا للوزراء ولم يصبح بعد رئيسا لروسيا. وفيما بعد، فان الجنرال الكسندر ليبد قتل بحادث طائرة، محافظ موسكو السيد لوشكوف هرب بليلة ما فيها ضوء القمر الى خارج روسيا واختفت اثاره، باريس بريزوفسكي اغتيل في لندن، والمعارضة "خاكامادا" لم يعد يسمع لها صوت، وباريس نيمتسوف اغتيل قبل سنة، وحزب "التفاحة" خسر الانتخابات وخرج من مجلس الشعب، وبوتين مازال بوتين ومازالت شعبيته بازدياد، وبفضل هذه الشعبية نال حزب "روسيا الموحدة" ثلثي مقاعد البرلمان الروسي في الانتخابات الأخيرة، فالف مبروك.