بعد 25 عاما على الإنهيار.. هل يسعى بوتين حقا لإحياء الاتحاد السوفياتي؟

09.12.2016

قبل 25 عاما في مثل هذا اليوم، الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1991، تم الإعلان عن زوال الاتحاد السوفيتي الذي نشأ سنة 1922 على أنقاض الإمبراطورية الروسية، في أعقاب ثورة أكتوبر الاشتراكية سنة 1917.

على الرغم من تدهور العلاقات بين روسيا والغرب، لا يزال الخبراء والسياسيون يبحثون عن سبل للخروج من الأزمة. و يتسائل البعض هل ترغب روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استعادة الاتحاد السوفييتي. لكن، وكما يقول خبراء آخرين، مثل هذه التصورات تنبع من سوء فهم مصالح وأهداف روسيا.

لتوضيح أهداف السياسة الخارجية لروسيا، وعن المؤسسات الإقليمية والدولية البديلة مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وعن مساعي إحياء الإتحاد السوفيتي.يحدثنا البرفيسور ريتشارد سكوا، أستاذ السياسة الروسية الأوروبية في جامعة كينت. البريطانية

ما رأيك في مقولة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينتهج سياسة تهدف إلى استعادة الاتحاد السوفييتي؟
لا، هذا ليس صحيحا على الإطلاق. وهذا شيء من الماضي.

ولكن لماذا نسمع الكثير من الانتقادات في الغرب فيما يتعلق بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي؟
لأن هذا هو تحديدا التفكير الغربي عن الفضاء العالمي، والذي ظهر في نهاية الحرب الباردة. اسلوب النظام الأطلسي -"الغرب" - هو هيكلية الحرب الباردة.  وباستخدام الغرب، لمفهوم الغرب، فأنت في الواقع تستنسخ ديناميكية سياسة الحرب الباردة، وهي معركة القطبين.

لقد بدأ الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا بالفعل بإنشاء منطقة، لا تحكمها الهيمنة الأميركية والأطلسية.

بعد عام 1991، حل نظام القطب الواحد، وهذا النظام يقوم على الغرب الذي يحاول تولي القيادة في المجال الاقتصادي لتجنب الحواجز، وهو أمر جيد للتجارة الدولية.  ومع ذلك، من الناحية السياسية، الغرب يحاول أيضا الهيمنة على الفضاء السياسي في جميع أنحاء العالم. من الواضح، أنه إذا كان الغرب يعرّف نفسه على أنه المجتمع الدولي (النظام العالمي الليبرالي، كما يطلق عليه)، فستكون التطورات مثل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وبدائل أخرى جزءا من حجة القول بأن هناك الآن قوة بديلة حيث هذه الشمولية الأحادية القطبية لم تعد مطبقة. في ضوء ذلك، بدأ بناء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بزعامة روسيا لإنشاء منطقة لا تحكمها الهيمنة الأميركية والأطلسية.

وما يحدث الآن هو أن هذا "العالم الثاني" يقاوم الهيمنة. والأمر ليس مناهضة الهيمنة بل انه محاولة لتحقيق التوازن في العالم الحالي.  وبطبيعة الحال، فإن الغرب سيقلق إذا بنت روسيا أي مؤسسة خارج سيطرة الغرب. وذلك ليس لأن الغرب جيد أو سيئ.  بل لمجرد واحدة من تلك العناصر: إذا كنت قوة مهيمنة فإنك لا تريد مصادر بديلة تكسر قدرتك على التشكيل والسيطرة.

في هذه الحالة، يبرز سؤال منطقي جدا يطرح نفسه: هل لدى روسيا ما يكفي من القوة للحفاظ على هذا؟ لتكون قادرة على خلق والحفاظ على تلك المؤسسات الموازية؟
لا، وهذا هو السبب في أنه من المهم أن تكون الصين جزءا من الاتحاد الأوراسي. روسيا لوحدها لا تستطيع كسر الهيمنة الغربية. ولهذا السبب أساء الغرب التقدير وهذا ما دفع روسيا إلى هذه القوة المناهضة للهيمنة، والتي هي الآن الصين وروسيا.

وكما أقول دائما، لا ينبغي أن تكون معادية للغرب، بل ينبغي أن تكون ببساطة غير غربية، وهذا يعني أنها لا تحمل عداءا أو تناقضا. وإلا فإن ذلك سيكون كارثيا على روسيا، والصين وأي جهة أخرى. ولكن، وبعبارة أخرى، يجب أن تكون مضادة للشمولية والهيمنة، ولكن في الوقت نفسه، ينبغي أن تبحث عن شراكات جديدة في النظام العالمي المتعدد الأقطاب.

هل تعتقد أن هذا النوع من الشراكة الجديدة بين روسيا والصين أمر ممكن؟ وبالنظر إلى التاريخ المتأزم بين الاتحاد السوفييتي والصين، هل هو سيناريو ممكن الحديث عنه؟
انه ليس ممكن فقط – بل إنه يحدث الآن.  إذ لم تكن العلاقة بين روسيا والصين على مدى السنوات القليلة الماضية أفضل منها الآن. نحن لسنا سجناء التاريخ. نحن نصنع تاريخنا. وقد اجتمع الرئيس بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ أكثر من 15 مرة في السنوات القليلة الماضية. وهذا لا يحدث فقط على مستوى القادة، ولكن أيضا على المستوى الوزاري. وقد لا نرى الكثير من الاستثمارات الصينية في روسيا حتى الان بسبب مناخ [الاستثمار] وبعض الحواجز، ولكنه على وشك أن يبدأ.

أعتقد فعلا أن هذا ليس ممكن فقط بل إنه ضروري. ومع ذلك، هناك إحساس عميق بالشك. هناك نقطة التوترات والتناقضات، لأن دور روسيا يجب أن يتم تعزيزه أكثر. روسيا لديها تاريخ أعمق وأعرق في الدبلوماسية، وإدارة السياسة الدولية.  وأيضا، لا ننسى أن روسيا هي أكبر قوة نووية في العالم، ولديها الآن جيش حديث. إضافة إلى مزاياها في الفضاء الإقليمي. يرى بعض الروس في مثل هذا الفضاء الهائل عبئا ولكنه في الواقع ميزة: حيث لديها موارد ضخمة، وشعب موهوب متعلم، وغير ذلك من الأمور.

من الواضح، أن روسيا لم تستغل أصولها بشكل فعال خلال السنوات القليلة الماضية ويرجع ذلك في جزء منه إلى حداثة سن الدولة الروسية، التي تأسست قبل 25 عاما. ولذلك، فإن المسألة ستستغرق وقتا طويلا.  لذلك، فإن لدى روسيا إمكانات هائلة، ستظهر عاجلا أو آجلا.

ماذا عن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا؟ يعتقد كثيرون أن الاتحاد الأوروبي يعاني من أزمة مفاهيمية؟
انه في أزمة مفاهيمية - ليس هناك شك في ذلك. فقد أضاع الاتحاد الأوروبي طريقه. في 23 يونيو/حزيران 2016 واجهت معضلة: بأي طريقة أصوت على "البريكست". وهناك نوعان من الحجج يمكنني ذكرها، فالاتحاد الأوروبي مشروع سياسي فاشل بسبب فشله في الالتزام بقيمه الخاصة به.

والقيمة الأساسية للاتحاد الأوروبي هي السلام والمصالحة والتغلب على الصراع التاريخي. منذ عام 2004، الكثير من تلك البلدان (ليتوانيا وبولندا ورومانيا وغيرها) استخدمت الاتحاد الأوروبي لتضخيم المظالم التاريخية، التي هي حقيقية. لكنهم ضخموها بدلا من حلها وتخطيها. وبهذا المعنى، فإن الشراكة الشرقية فكرة غير مدروسة لأنها كانت بداية للخوض بطريق جيوسياسي، بينما يدعي الاتحاد الاوروبي انه ليس مشروعا جيوسياسيا. ومع ذلك لا يزال يحاول السيطرة على الفضاء، بالمعنى المعياري، لذلك لدينا إمبريالية معيارية.  لذا، كان ذلك سبب وجيه للتصويت لصالح البريكسيت.
ومع ذلك، وكمواطن بريطاني، وطني، صوتّ للبقاء فيه.

إذا نظرتم الى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والذي بدأ الى حد كبير بنفس الطريقة كما الاتحاد الأوروبي، هل ترون أي خطر من تكرار نفس الأخطاء؟
لا، أنا لا أعتقد ذلك. أنا فعلا أحبذ الاتحاد الأوراسي كفضاء مشترك للتنمية الاقتصادية.  لقد تحدثت مع كثير من الناس من كازاخستان، وقيرغيزستان، وهم سعداء للغاية لأنه يمكنهم أن يعيشوا ويعملوا في موسكو مع التنقل بحرية على أساس قانوني متين.  ومن هنا، يعتبر هذا الأمر جيد جدا.

بالطبع، هناك مشاكل وتوترات تنطوي على السيادة. ولكن ما زلت اعتقد أن الاتحاد في هذا المعنى شيء عظيم. عندما يستطيع الناس التحرك بحرية جيئة وذهابا فإن هذا يخلق مجتمعا واحدا. لذلك، أنا أحبذ كثيرا الاتحاد طالما أنه لم يصبح جيوسياسيا.

وأنا أختلف بشدة مع هؤلاء الناس الذين يدينون الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لمحاولة استعادة الاتحاد السوفييتي. وذلك لأن الاتحاد الأوراسي جيد لأسباب كثيرة، بما فيها كونه شيء مفيد للشعب، وبيئة للازدهار، ولكنه ليس محاولة لاحياء الاتحاد السوفييتي. طالما أن الاتحاد الأوراسي غير قسري، إذا أرادت الدول الانضمام - فاسمحوا لهم.

هل هذه هي النقطة التي حدث فيها خطأ في أوكرانيا؟
حسنا، هذا كان تماما الخطأ لأنه في جزء منه كانت روسيا قسرية - وكذلك كان الغرب. وكانت حقيقة الأمر معركة من أجل أوكرانيا. لذلك أعتقد أنه يجب على كل من الاتحاد الأوروبي والأوراسي أن يأتيا معا تحت هذه المظلة الكبيرة من أوروبا الكبرى.