اتفاق أستانا .. انتصار سوري سوري
استند الإعلان الختامي الصادر في ختام اجتماع أستانا، على التوافقات بين روسيا وتركيا وإيران، كما عبر عنها بيان موسكو الذي عقده وزراء دفاع وخارجية الدول الثلاث الشهر الماضي.
واستند هذا الإعلان أيضاً على القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2336، والذي دعم اتفاقات وقف إطلاق النار التي رعتها كل من موسكو وأنقرة وتم التوصل إليها أواخر الشهر الماضي.
ويثبت البيان مرجعية كل من روسيا، إيران، وتركيا كأطراف ضامنة للتسوية السورية ولوقف إطلاق النار. ومثل البيان نجاحاً كبيراً لإيران التي تمكنت من نيل معاملة متساوية مع شريكتيها في عملية أستانا.
وأجمعت روسيا وإيران وتركيا، حسب البيان الذي اتفقت وفود هذه الدول إلى المؤتمر، على «الالتزام بسيادة، واستقلالية، ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، باعتبارها دولة ديمقراطية، متعددة الإثنيات، متعددة الأديان، غير طائفية، كما أكد مجلس الأمن بالأمم المتحدة» في قراره ذي الرقم 2254. وستمثل هذه الصيغة المبادئ التي ستحكم المفاوضات حول مستقبل سورية.
ولفت في إعلان أستانا موافقة تركيا على عدم تضمينه الإشارة إلى بيان جنيف وإصرار الدول الثلاث على عملية سياسية وفقاً للقرار 2254 ما يلقي بظلال حول مستقبل عملية جنيف برمتها.
وأبدت هذه الدول قناعتها بأن ما من «حل عسكري» للأزمة السورية، مشددةً على حصرية الحل من خلال «عملية سياسية، قائمة على أساس تطبيق القرار2254، بشكل كامل»، من دون التطرق إلى بيان جنيف.
اللافت أن الدول الثلاث اتفقت على «خطوات محددة ومتماسكة» لم تعلن عنها، لتدعيم حالة وقف إطلاق النار، بما من شأنه المساهمة في «تقليص العنف والحد من الانتهاكات وبناء الثقة وتأمين وصول سريع وسلس ودون معوقات للمساعدات الإنسانية، تماشياً مع القرار 2165 لعام 2014.
وكما العادة بقي تنظيما داعش وجبهة النصرة خارج وقف إطلاق النار، لكن ولأول مرة يتم الإعلان من قبل روسيا وإيران وتركيا عن رغبتهم في قتال هذين التنظيمين، وعلى فصلهما عن «التنظيمات المسلحة المعارضة».
وغادر وفد الجمهورية العربية العاصمة الكازاخستانية محققاً انتصاراً دبلوماسياً جديداً على حرب الإرهاب التي تشن على سورية منذ ست سنوات، منتزعاً فصلاً كاملاً بين من وقع على اتفاق وقف الأعمال القتالية وانضم إلى «أستانا»، وبين من لم يجرؤ ولم يرغب أساساً في ذلك، وحصل الوفد السوري على التزام تركيا بمحاربة الإرهاب.
ومع طي صفحة «أستانا»، تكون الدبلوماسية السورية دشنت حقبة جديدة من العمل السياسي، ستنعكس إيجاباً على مسار جنيف التفاوضي المتعثر منذ انطلاقته عام ٢٠١٤ نتيجة اعتماد الدولة الداعمة للفصائل الإرهابية الحل العسكري بدلاً من الحل السياسي.
ومما لا شك فيه أن جنيف المقبل لن يكون كما سابقاته من جولات، فالدبلوماسية السورية التي عملت على مدار اليومين الماضيين في أستانا ليلاً ونهاراً، وتحملت الكثير من الاستفزازات، تمكنت في ختام الاجتماع من توفير كل مقومات نجاحه من خلال تثبيت وقف العمليات القتالية مع كل من وقع عليه نهاية العام الماضي، ما يعني حقن دماء ربما المئات من السوريين، ووضع أسس لجولة جنيف المقبلة مبنية على وحدة وسيادة كامل الأراضي السورية، وعلى قرار وإجماع إقليمي ودولي، في حال كان الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب جاداً في كلامه، لمكافحة تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين وكل من يساندهما، وطردهما من الأراضي السورية بشكل نهائي.
إن ما قبل «أستانا» لن يكون كما بعدها، بالنسبة للمسار السياسي على الأقل، وللفصائل الإرهابية التي بات لديها فرصة لن تعوض بالتخلي عن السلاح والشروع في العمل السياسي والمشاركة في بناء سورية بدلاً من تدميرها.
إذا إن توقف الأعمال القتالية بين فصائل "المعارضة" المسلحة والجيش السوري، وتوجه سلاح هذه الفصائل باتجاه داعش والنصرة، سوف يجنب السوريين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم المزيد من ويلات الحرب وآثارها السلبية المباشرة و غير المباشرة، فالدولة السورية والجيش السوري والمحور الأوراسي كاملا صمد حتى اليوم، ويعتبر الاتفاق هو نهاية للهجمة الأطلسية الغربية عليه. وبالنسبة للمعارضة المسلحة، يعتبر هذا الاتفاق مخرجا سلميا لها يوقف نزيفها اليومي وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى دخولها إلى السلطة في سوريا عن طريق حكومة وحدة وطنية وفق دستور يتفق عليه الشعب السوري، بحيث لا يتم إقصاء أي طرف سوري يؤمن بسوريا، بعد القضاء على الإرهاب، والاتفاق السياسي، ثم تبدأ عملية إعادة الإعمار وإشراق شمس سوريا من جديد.