بين جنيف وأستانة
يتساءل كثيرون عن العلاقة بين جنيف وأستانة، أيّ من المنبرين سوف ينجز الحلّ السياسي، إذا ما كانت هناك فرصة لهذا الحلّ.
لا شكّ أنّ فكرة أستانة هي اقتراح روسي بالدرجة الأولى وافقت عليه كلّ من تركيا وإيران. ودعت موسكو جميع الجبهات الدولية المعنية بالأزمة للدعم والمشاركة في اقتراحات الحلول التي تمّ التوصل إليها، «إعلان موسكو» أو اتفاق وقف الأعمال القتالية بين روسيا وتركيا. لكن المسؤولين الروس حرصوا على التأكيد دائماً أنّ أستانة ليست بديلاً لجنيف، بل إنّ أستانة هي مسار تمهيدي هدفه الرئيسي توفير أكبر فرص ممكنة لإنجاز جنيف.
إذاً أستانة ليست بديلاً لجنيف، بل هي مسار داعم لجنيف بوصفه الإطار الدولي والإقليمي الذي يجمع كلّ أطراف الحرب في سورية، وتشرف عليه الأمم المتحدة بدعم رئيسي من موسكو وواشنطن.
المسارات الموازية التمهيدية كانت دائماً موجودة، ولهذا ولدت منصات موسكو والقاهرة وحميميم ودمشق، إضافةً إلى «وفد الرياض». توقيت أستانة يعود إلى وضع الأمم المتحدة والولايات المتحدة. فالأمم المتحدة تشهد ذهاب أمين عام وتسلّم أمين عام جديد، وعملية التسليم والتسلّم بدأت في رأس السنة، أيّ في مطلع عام 2017 . وبديهي أنه من حق الأمين العام الجديد أن يطلع على ملفات الأزمة بشكل مباشر ليحدّد توجيهاته للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وهذه العملية تتطلب بعض الوقت، لكن الأزمة في سورية لا تقبل الانتظار ولا يمكن تجميدها لحين تصبح الأمم المتحدة جاهزة للتعامل معها. أيضاً في الولايات المتحدة يشهد الشهر الحالي عملية تسليم وتسلّم بين إدارة أوباما وإدارة ترامب، وإدارة ترامب كي تكون جاهزة للتعامل مع الأزمة في سورية وفق الرؤية الخاصة التي عبّر عنها الرئيس ترامب في حملته الانتخابية تحتاج لبعض الوقت، وتحديداً إلى حين استكمال تشكيل الإدارة الجديدة واطلاعها على تفاصيل ملفات الأزمة السورية. وهذا يتطلب وقتاً قد يمتدّ لأسابيع وربما أشهر، وأزمة مثل الأزمة السورية لا يمكن تجميد تفاعلاتها إلى حين تصبح الإدارة الأميركية جاهزة للتعامل مع هذه الأزمة.
أستانة إضافةً إلى دورها الرديف التمهيدي، على غرار منصات موسكو والقاهرة وحميميم، تسعى لملء الفراغ الناجم عن عملية الانتقال في الأمم المتحدة وفي الولايات المتحدة، وحتى لو تأخر انعقاد أستانة، فإنه مسار لا بدّ منه لأنه يعكس تفاهماً روسياً إيرانياً مع تركيا.
وبديهي أنّ هذا التفاهم يحتاج إلى إطار لإخراجه، وأستانة هي هذا الإطار وسوف تشكل رافداً لدعم جنيف عندما تصبح الولايات المتحدة والأمم المتحدة جاهزتين لإيجاد الحلّ والإشراف عليه.