بعد انتصارات حلب وريف دمشق .. روسيا تعيد هيكلة قواتها البحرية في سوريا
تتصف الاستراتيجية الروسية في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بثبات موقفها ومرونتها في التعامل مع المعطيات الإقليمية والدولية بما يتوافق مع تحالفاتها الاستراتيجية، وبما يخدم مصالح المحور الأوراسي الذي تعتبر روسيا أساسه، وتقوم هذه الاستراتيجية على الاحترام المتبادل والتنسيق الكبير في الملفات المشتركة بين روسيا والحلفاء، وبالنسبة لسوريا تهدف الاستراتيجية الروسية إلى القضاء على الإرهاب الدولي المدعوم أطلسيا، ودعم الدولة والقانون و الجيش السوري، ومنع تغلغل النفوذ الأطلسي والسيطرة على سوريا، وضمن هذه الاستراتيجية، تأتي بعض التكتيكات التي تتعلق بظروف مرحلية تقنية أو مالية أو إعلامية، وهنا لا يجوز الربط بين الإجراءات التكتيكية وبين الاستراتيجية الروسية الثابتة و الراسخة في سوريا.
اليوم أعلنت الأركان العامة الروسية عن سحب حاملة "الأميرال كوزنيتسوف" وطراد "بطرس الأكبر" ومجموعة السفن المرافقة لهما من منطقة تمركزهما قبالة الساحل السوري.
وأفادت وكالة "إنترفاكس" نقلا عن فاليري غيراسيموف رئيس الأركان العامة في الجيش الروسي الجمعة 6 يناير/كانون الثاني بأن وزارة الدفاع الروسية بدأت بسحب مجموعة السفن المذكورة، وأن تقليص القوات الروسية العاملة في سوريا يأتي تنفيذا لأوامر صدرت عن فلاديمير بوتين القائد العام الأعلى للقوات المسلحة الروسية.
وذكّر غيراسيموف بأن سحب السفن الروسية هذا يأتي تزامنا مع استمرار وقف إطلاق النار المعلن في سوريا منذ الـ30 من ديسمبر/كانون الأول الماضي والذي لا ينسحب على عناصر التنظيمات الإرهابية الدولية في سوريا.
وفي إجمال لما أنجزه الطيران الحربي البحري الروسي خلال مهمته التي استمرت شهرين في سوريا، أشار غيراسيموف إلى "أن الطيارين الروس نفذوا 420 طلعة قتالية منها 117 طلعة ليلية ودمروا 1252 موقعا للإرهابيين هناك".
وأضاف: "لقد شملت الضربات التي نفذها طيراننا البحري مواقع البنى التحتية للمسلحين وتجمعاتهم وأسلحتهم ومعداتهم، إضافة إلى نقاطهم النارية ومصادر إمدادهم".
وذكر غيراسيموف كذلك أن فرقاطة "الأميرال غريغوروفيتش" وجهت في الـ15 من نوفمبر/تشرين الثاني سلسلة من الضربات لمواقع تنظيم "داعش" في سوريا وأصابت جميع أهدافها بصواريخ "كاليبر" المجنحة، مشيرا إلى أن الطائرات البحرية عكفت وللمرة الأولى في تاريخ الأسطول الروسي على تحديد الأهداف البرية قبل ضربها من السفن.
هذا، وانطلقت حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" في الـ15 أكتوبر/تشرين الأول قاصدة الساحل السوري وترافقها مجموعة سفن حربية تابعة لأسطول الشمال الروسي وهي تحمل مقاتلات "ميغ-29 KR"، و"ميغ 29- KUBR"، ومقاتلات "سو-33" البحرية، إضافة إلى مروحيات "KA-52" الملقبة بـ"التمساح".
عندما أعلنت روسيا في آذار عام 2016 عن تخفيض عديد قواتها الجوية في سوريا، بدأ بعض المحللون السياسيون بالتحليل عن "تخلي روسيا عن سوريا" أو عن "ضغوط معينة" على روسيا، لنكتشف جميعا أن العمليات العسكرية الجوية زادت بعد هذا الإعلان وكثفت روسيا غاراتها الجوية على قواعد الإرهاب في سوريا، وهذا يؤكد، أن التحركات التكتيكية للقوات العسكرية الروسية قد لا ترتبط بالاستراتيجية الروسية في سوريا بشكل مباشر، إنما تتعلق بأسباب تكتيكية تقنية أو إعلامية أو غير ذلك.
وبعد تحرير مدينة حلب من يد المجموعات المسلحة وجبهة النصرة في الشهر الماضي، والمصالحات المتتالية التي حدثت في ريف دمشق الغربي والشمالي، والاتفاق الروسي التركي الإيراني حول وقف إطلاق النار في سوريا الذي لا يشمل جبهة النصرة وتنظيم "داعش"، يزداد هامش المرونة أمام القيادة العسكرية الروسية فيما يتعلق ببعض الإجراءات التكتيكية، لتأتي إعادة هيكلة القوات التي أعلنتها روسيا اليوم ضمن هذا الهامش، وتبقى الاستراتيجية الروسية في سوريا ثابتة وقوية لصالح المحور الأوراسي في مواجهة الاستكبار الغربي الأطلسي.