تشابه الحرب بالوكالة بين سوريا وكمبوديا
في البداية، يبدو أن لدى سوريا وكمبوديا القليل من القواسم المشتركة، فهما في مناطق مختلفة ولهما ثقافات مختلفة جدا. ولكن الملفت للنظر أن الحرب بالوكالة في كمبوديا استمرت من 1979حتى عام 1993 (بعد حكم الخمير الحمر) ويبدو انها تتكرر كحرب بالوكالة حاليا في سوريا.
في أعقاب الحرب في فيتنام، حيث هزمت الولايات المتحدة بشكل حاسم، غيرت واشنطن من استراتيجيتها العسكرية واعتمدت نشر الحروب بالوكالة ضد خصومها وأعدائها، مع كمبوديا وأفغانستان ونيكاراغوا تصبح المعركة أكثر وضوحا. عند التمعن في ما يجري في سوريا، سوف يتذكر الناس بسرعة الحرب الأمريكية بالوكالة في أفغانستان عام 1980 حيث تم اعتماد "المجاهدين" الأفغان في تلك الحرب، وهذا ما يشبه اعتماد "المتمردين المعتدلين" في سوريا. كما كان هناك أيضا حرب بالوكالة اعتمدت من الولايات المتحدة في نفس الوقت في كمبوديا ضد فيتنام والاتحاد السوفياتي السابق تشبه بشكل لافت للنظر الحرب الحالية في سوريا .
بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبها الخمير الحمر والفوضى اللاحقة في البلاد، اضطرت فيتنام للتدخل عسكريا في كمبوديا بدعم من الاتحاد السوفياتي عام 1978. فيتنام أطاحت بسرعة بالنظام الوحشي للخمير الحمر، واستعاضت عنه بنظام شيوعي صديق. رأت الولايات المتحدة في ذلك فرصة ل"سداد" الدين لفيتنام وإحباط طموحات هانوي الإقليمية بعد انتصار هانوي غير المتوقع ضد القوة العظمى الرائدة في العالم، الولايات المتحدة. دعمت واشنطن وحلفاؤها في المنطقة عودة الملكية إلى كمبوديا ودعمتها كما دعمت بقية المتمردين المناهضين للشيوعية وشنت حربا بالوكالة في هذا البلد. كما أنها سلحت ومولت سرا الخمير أحمر، فقد استمرت بتفعيل الحرب بالوكالة، التي تلت ذلك، لأكثر من عقد من الزمان وكانت القوات النظامية الكمبودية والجيش الفيتنامي (مع الدعم العسكري السوفياتي) يقاتلون ضد المتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة، بما في ذلك الخمير الحمر. بعد أكثر من عقد من الحرب بالوكالة، وجدت الولايات المتحدة نفسها غير قادرة على تحقيق هدفها المتمثل في تغيير النظام فوافقت على صفقة السلام التي كانت تحاول من خلالها استخدام الأمم المتحدة كطليعة ناعمة ل "تغيير النظام". المشروع فشل في نهاية المطاف واستطاع النظام الاحتفاظ بالسلطة حتى هذا اليوم. وفقط بعد نهاية الصراع دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها محاكمة قادة الخمير الحمر.
أوجه التشابه بين الحرب بالوكالة على سوريا والحرب بالوكالة على كمبوديا لافتة للنظر. إقليميا، لعبت فيتنام الدور الذي تلعبه ايران الآن في سوريا مع اختلاف بسيط وهو أن التدخل العسكري المباشر الحقيقي يتم بدون وجود حدود مباشرة مع سوريا كما هي الحال في فيتنام.
حزب الله وغيرها من القوات المدعومة من إيران يمكن أن تمثل الجيش الايراني. فيتنام كانت تدافع عن نظام هون سين، الذي لا يزال يحكم البلاد، وإيران الآن تدافع عن الحكومة السورية التي تحكم بقيادة الأسد. على الجانب الآخر، كل دول الآسيان تقريبا مع الصين، خصوصا تايلند، لعبت الدور الذي تلعبه تركيا اليوم في سوريا (معبرا للمقاتلين والأسلحة)، في حين أن دول الاسيان الاخرى (والتي تشمل اندونيسيا وماليزيا وتايلاند وسنغافورة و الفلبين) لعبت دور دول مجلس التعاون الخليجي والدور الذي تلعبه اليوم الأردن وإسرائيل في سوريا. الصين ربما لعبت دور كل من المملكة العربية السعودية وتركيا. بكين دعمت علنا وسرا الخمير الحمر وكانت مصدرهم الأيديولوجي كما يدعم السعوديون جبهة النصرة وداعش، كما أنها قامت بغزو محدود لفيتنام مماثل للغزو التركي لسوريا. اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا لعبت الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي اليوم في سوريا. وعلى الصعيد العالمي، لعبت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق الأدوار الحالية للولايات المتحدة وروسيا في سوريا.
على المستوى المحلي، كان هناك ثلاث جهات فاعلة رئيسية في كمبوديا: نظام هون سين، والمتمردون حلفاء الولايات المتحدة بقيادة الأمير الكمبودي المنفي نورودوم سيهانوك (تضم فصائل مختلفة)، والخمير الحمر الذين كانوا منبوذين مثل داعش وجبهة النصرة. استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا، والصين أيضا، الخمير الحمر لتغيير نظام هون سين وضد الجيش الفيتنامي في كمبوديا بشكل مشابه لاستخدام الولايات المتحدة وحلفاؤها لجبهة النصرة وداعش ضد الحكومة السورية. في سوريا، لدينا ثلاثة أو أربعة ممثلين رئيسيين: الحكومة السورية والمتمردون الاسلاميون المدعومون من الغرب والأكراد وجبهة النصرة وداعش. على الرغم من أن هناك بعض الاختلافات، فإن التشابه المحلي والإقليمي والدولي في كل الحروب بالوكالة موجود بشكل جوهري .
الوضع الاستراتيجي والعسكري متشابه أيضا. فلم تستطع الولايات المتحدة التدخل مباشرة في الصراع الكمبودي لأنها هزمت في فيتنام المجاورة. واليوم الولايات المتحدة غير مستعدة للتدخل المباشر في سوريا بعد الهزيمة في بلد مجاور هو العراق.
في كل من كمبوديا وفي سوريا الآن، فإن الاستراتيجية المفضلة لواشنطن هي استخدام الوكلاء المحليين ضد خصومها وأعدائها حتى ولو كان هذا يعني استخدام الجماعات الإرهابية مثل الخمير الحمر وداعش وجبهة النصرة. هدف أمريكا الرئيسي في كمبوديا كان إضعاف الدور الإقليمي لفيتنام المنتصرة والنفوذ العالمي للاتحاد السوفياتي السابق. في سوريا، هدفها هو إضعاف أو "تقليل" (كما يتمنى صقور البنتاغون) النفوذ الاقليمي والدور العالمي المتنامي لإيران وروسيا. خلال الحرب بالوكالة لمدة عشر سنوات في كمبوديا دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون، بمكر، شرعية جماعة إجرامية هي الخمير الحمر، للاستفادة من قدراتها القتالية ضد الحكومة الكمبودية وفيتنام، كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستخدمون الآن جبهة النصرة ومجموعات إرهابية أخرى في سوريا.
الحرب الكمبودية لم تنتهي بشكل جيد بالنسبة للولايات المتحدة. فبعد أكثر من عقد من شن حرب وحشية بالوكالة ، اضطرت واشنطن إلى تغيير التكتيكات. لقد كان هناك عدة محاولات لإنهاء الصراع، ولكن الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون، أصروا مرارا وتكرارا بأن "نظام هون سين يجب أن يرحل"، وهو بالضبط ما تصر عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم بأن "نظام الأسد يجب أن يرحل ". مع قدرة حكومة هون سين والجيش الفيتنامي بالحفاظ على الأرض ، اضطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقبول بعملية السلام، وأخيرا، تم التوصل إلى حل سياسي في عام 1991، والذي دعا إلى انتخابات حرة تحت رعاية الامم المتحدة مع بعثة لحفظ السلام من الأمم المتحدة لتأمين سلامة الانتخابات. تم إجراء بعض التغييرات في الصلاحيات وأعطيت كل الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء. لم تكن منظمة الخمير الحمر مدرجة رسميا في اتفاق السلام، تماما مثل داعش والنصرة، والتي لن تكون جزءا من أي اتفاق سلام في سوريا إذا تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.
استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعثة الأمم المتحدة لتحقيق "التغيير في النظام". كانت البعثة نفسها مشكلة من قبل اليابانيين والاستراليين ومسؤولين غربيين آخرين استخدموا نفوذهم ل"تزوير" الانتخابات.
ولكن هون سين رفض النتائج "المزورة" وهدد بالعودة الى الحرب. بعد مواجهة متوترة، رضخت الأوساط الغربية والأمم المتحدة لطلب هون سين وتوصلت إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين هون سين والملكيين المدعومين من الغرب. ومن المثير للاهتمام، أنه قد تم اختيار رئيسين للكاتدرائيات، ولكن هون سين تمكن من الحفاظ على قواته الأمنية والجيش موحدا. وأخيرا، قام بطرد الملكيين الذين تدعمهم الولايات المتحدة من السلطة في عام 1997.
على الرغم من أن هناك بعض الاختلافات بين سوريا وكمبوديا، فإن الحروب بالوكالة في كلا البلدين لديها العديد من أوجه التشابه الهامة، بما في ذلك أبعادها الطائفية والإرهاب الدولي، وتكتيكات الحرب الهجينة. من ناحية أخرى، كانت الجيوش الكمبودية والفيتنامية في وضع أقوى مقارنة مع الجيش السوري وحلفائه. ومع ذلك، فإنه على سوريا وحلفائها استكشاف ودراسة كيف استطاع هون سين بذكاء إنهاء الحرب الكمبودية ونجح في الاحتفاظ بالسلطة لفترة طويلة. يبدو أن نجاح هون سين يرجع أساسا إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة، وخاصة قوات الأمن والجيش، سليمة في حين كان أيضا يمد يده إلى المعارضة للتوصل الى اتفاق السلام. في عام 1993، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كان لدى هون سين أوراق محدودة، لكنه لعبها بشكل جيد.