سببان رئيسيان للصراعات الطارئة في الشرق الاوسط
الشرق الأوسط مصطلح سياسي جغرافي يطلق على المنطقة التي تتوسّط العالم القديم، مشكّلة بذلك عقدة مواصلات برية وبحرية وجوية بين الجنوب الآسيوي وقارة أوروبا وإفريقيا. يتكون الشرق الأوسط من كيانات سياسية مختلفة تقريبا عن بعضها البعض، وذلك ناتج عن اختلاف الأنظمة السياسية المتبعة من كل دولة، فدولة إيران مثلا تتبنى نظام ولاية الفقيه والسعودية السيادة للشرع الإسلامي من مصدريه الأساسيين وهما القرآن والسنة، وتركيا تتبنى النظام الديمقراطي العلماني.....الخ.
يعتبر الشرق الأوسط المنطقة الأكثر اشتعالا في العالم، حيث لا تنتهي فيه النزاعات السياسية والعسكرية، وفي بعض الحالات وصل الأمر إلى اندلاع حروب أتت على الأخضر واليابس ،كحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وحرب الخليج الثانية بعد احتلال العراق للكويت، وحرب غزو العراق عام 2003 والحرب القائمة الآن في سوريا والعراق، وترجع أسباب هذه الحروب إلى أمرين أسياسيين وهما:
أولا- النفط:
يعتبر الشرق الأوسط خزانا هائلا للذّهب الأسود، فبناء على إحصائيات مؤسسة باركليز التي أجريت العام الماضي ونشرت في صحيفة بيزنيس إن سايدر الاقتصادية الأسترالية، فإن خمس دول من الشرق الأوسط مصنّفة بين أعلى عشر دول من حيث احتياطي النّفط، وجاءت السعودية في المرتبة الثانية بعد فنزويلا باحتياطي يبلغ 268.4 مليار برميل، وجاءت إيران في المرتبة الرابعة باحتياطي يبلغ 157.3 مليار برميل، وتأتي العراق في المرتبة الخامسة باحتياطي بلغ 140.3 مليار برميل، وتليها الكويت في المركز السادس باحتياطي يبلغ 104 مليار برميل، ثم الإمارات العربية في المركز السابع باحتياطي 97.8 مليار برميل، وهذا النفط الذي يعتبر ثروة كبيرة جدا يمكن من خلالها بناء اقتصاد قوي ومتين إذا ما استغل كما يتطلب الأمر، دفع ببعض الدول إلى الاعتداء على دول أخرى لاستغلال نفطها بطريقة أو بأخرى، فأثار هذا النفط الحروب وأججها، وهذا ما أشار إليه محمد حسين هيكل فقال: لقد كان البترول عنصرا دائما في كل أزمة كبرى وقعت في العالم العربي، منذ بدأت رياح الاستقلال تهب عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وبما أن الشرق الأوسط يحتوي على احتياطي رهيب فلا شك أن الحروب ستكثر فيه وهذا ما حصل بالفعل، فقد حدثت حروب سواء بين الدول التابعة للشرق الأوسط أم من دول خارجية على أخرى من الشرق الأوسط.
بين دول الشرق الأوسط: مثال حرب الخليج الأولى.
هي أطول حروب القرن العشرين ودامت ثمانية أعوام، حيث اندلعت عام 1980 وانتهت عام 1988 قتل خلالها أكثر من مليون شخص ودُمّر اقتصاد البلدين، وأصل الحرب يعود إلى نزاع البلدين حول الحدود في شط العرب الغني بالنفط والمهم لنقل النفط إلى خليج العرب ومنه إلى أوروبا وآسيا، وكان هذه المشكلة موجوةا منذ قيام الدولة العثمانية، وتواصل بعد قيام دولة العراق عام 1921، وبعد سنوات من التنازع حول الحدود وفي ظل حكم رئيس العراق السابق صدام حسين ألغى هذا الأخير اتفاقية الجزائر التي وقع عليها عام 1975، والتي نصت على ضمان استخدام الممرات المائية بين البلدين وتحديد حدود البلدين حسب الاتفاقيات السابقة.
بعد إلغاء صدام حسين لهذه الاتفاقية ومطالبته بالسيادة العراقية الكاملة لشط العرب، أدانت إيران هذا الفعل واعتبرته إعلانا للحرب، وبالفعل بعد أيام فقط من إلغاء الاتفاقية المذكورة اندلعت الحرب بين الطرفين، ولا شك أن عامل الحصول على نفط شط العرب واستغلاله كممر لنقله بصفة شخصية ساعد على قيام الحرب، ولكن الأبرز أن البلدين فكرا أبعد من ذلك، ويمكننا فهم هذا التفكير إذا علمنا أن الجيوش كانت تستهدف المنشآت النفطية والبواخر الناقلة للبترول، وذلك لتدمير القوة الإنتاجية للعدو ومن ثم تغطية النقص الذي سيحصل في السوق العالمية والحصول على فوائد كبيرة مع ارتفاع أسعار النفط.
من دول خارجية: مثال غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق.
لا شك أن الحروب بين الدول لا يمكن أن تكون لعامل واحد، بل لتراكم عدة عوامل، ولعل العامل الحقيقي والأبرز لغزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق هو النفط، وذلك لسرقة النفط العراقي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن المعلوم أن الرّئيس السابق صدام حسين كان يريد إبدال عملة التعامل في بيع النفط من الدولار الأمريكي إلى اليورو، وهذا كان سيؤثر كثيرا في الدولار الأمريكي ولهذا بدأت الولايات المتحدة تفكر في استبدال الحكم في العراق، وهذا ما أكده الكاتب الصحفي الانجليزي روبرت فيسك فقال: يمكن القول أن قرار صدام تبديل عملة التعامل في بيع النفط من الدولار إلى عملة اليورو الأوربية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2000 كان له تأثير كبير على الولايات المتحدة في التخطيط لتغيير نظام الحكم في العراق، وعندما هددت إيران أن تفعل الشيء نفسه، أضيفت إيران إلى قائمة الأعداء، إن الدفاع عن الدولار بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مثل الدفاع عن النفط. وقد حدث بالفعل ذلك ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق أمرين مهمين وهما: استبدال نظام صدام حسين المعادي لأمريكا بنظام آخر موال لها مما يسمح لها بالحصول على عقود لاستخراج النفط ومن ثم الحصول على كميات كبيرة من الأموال حسب تلك العقود، ومن جهة أخرى استغلال الفوضى الناتجة عن الحرب لسرقة النفط بشكل مباشر وتحويله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقال روبرت فيسك بهذا الخصوص: إن احتياطي النفط في الولايات المتحدة يتناقص تدريجيا بحيث انه في عام 2025 سيكون 70 بالمائة من النفط المستورد مخصصا للاستهلاك المحلي. ولهذا ستكون الولايات المتحدة بحاجة إلى السيطرة على منابع النفط العالمية ولا تحاول أن تقنعني أن الولايات المتحدة كانت ستغزو العراق لو كان العراق يصدر نبات الشمندر ولا يسيطر على 25 بالمائة من احتياطي النفط في العالم.
ثانيا: صراع الأقليات الدينية والعرقية مع الأنظمة الحاكمة:
تتمتع معظم دول الشرق الأوسط بالتنوع الديني والعرقي كما هو الحال في العراق التي تمتلك عدة عرقيات وديانات من عرب وكرد وتركمان وسنة وشيعة ومسيحيين، وكما هو الحال في لبنان من سنة وشيعة ومسيحيين، وكما هو الحال أيضا في السعودية وفي إيران وفي سوريا من سنة وعلويين ومسيحيين وعرب وأكراد والدروز.....الخ، ويعود تشكل هذه الأقليات إلى عدة أسباب منها:
- قيام دولة ما بالانسحاب من أراض أو أقاليم كانت خاضعة لها لفترات طويلة لتترك السكان فيها أقليات تختلف عن السكان الأصليين للدولة الجديدة التي تسيطر عليها.
- اعتناق مجموعة من أهل البلاد الأصليين دينا آخر يختلف عن دين الأكثرية مما يحولهم إلى أقلية دينية.
- هجرة مجموعات بشرية معينة من الوطن الأم إلى بلد آخر لأي سبب كان يجعل منها أقلية في البلد الجديد.
إن استغلال هذه الأقليات لأغراض سياسية معينة يدفع المنطقة إلى صراعات طويلة شرسة، ويتم استغلال هذه الأقليات لزعزعة الدول ومن ثم الحصول على زعامة المنطقة، كما تفعل إيران مع الأقليات الشيعية في المنطقة فهي تحرض ومن ثم تتدخل في شؤون الدول باستخدام هذا السلاح كما يحدث الأمر في العراق وسوريا والسعودية والبحرين واليمن حاليا مع قصة الحوثيين، ولا يعتبر هذا السبب الوحيد لمشكلة الأقليات ولكن يمكن أن يوجد سبب تاريخي يدفع الأقليات للتصادم مع الأنظمة كما هو الحال للأكراد الذين يريدون توحيد شعبهم في دولة جامعة.
مثال: أكراد تركيا كأقلية عرقية.
مشكلة الأقلية الكردية هي من أعقد المشاكل في الشرق الأوسط، ويعود تاريخ هذه المشكلة إلى عام 1514 حين تنازعت الدولة الصفوية مع الدولة العثمانية في معركة جالديران، وأدى هذا إلى تقسيم الإقليم بين الدولتين المذكورتين وكان الجزء الأكبر من نصيب الدولة العثمانية، واعترفت الدولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات التي ضُمّت إليها مقابل دفع رسومات سنوية لتبعيتها للدولة العثمانية، وبعد معاهدة سايكس بيكو وسقوط نفوذ الدولة العثمانية على إقليم كردستان زادت مشكلة هذا الإقليم إذ انقسم إلى أربعة أقسام، ووجد أن كانت هناك أقلية كردية في تركيا، وقد تعرضت بعدها هذه الأقلية للتهميش في عهد مصطفى كمال أتاتورك حتى أنه لم يعترف بها رسميا كأقلية، وفي عام 1984 وبعد أعوام من ظهور حزب العمال الكردستاني القومي الذي دعا إلى إعادة توحيد إقليم كردستان من جديد تحت اسم دولة كردستان الكبرى المستقلة، اندلع العمل المسلح بين الحزب والنظام التركي وقد لقي 40 ألف شخصا حتفهم منذ اندلاع هذا الصراع، وحتى الآن لا زالت الأعمال العسكرية تطال كلا الجانبين.
مثال: شيعة السعودية كأقلية دينية.
تعتبر المنطقة الشرقية معقل الشيعة في السعودية ويتمركزون في القطيف والأحساء والدمام، وفي ظل غياب إحصائيات رسمية عن عدد الشيعة في السعودية يعتقد بعض المختصين أنهم قد يصلون إلى خمسة ملايين شخص، أي بنسبة 15 بالمائة من إجمالي السكان، وقيل أنهم أقل من ذلك بكثير إذ أنهم يبلغون فقط 5 بالمائة لا أكثر، وفي ظل غياب أي إحصائيات رسمية لا يمكننا الجزم بشيء.
شيعة السعودية من العرب الأقحاح وكانوا يعيشون في المنطقة منذ مئات السينين، عكس شيعة البحرين والكويت فمعظمهم من أصل فارسي، وبعد بداية الدولة السعودية الثالثة قام ابن سعود بضم بعض المناطق الشيعية إلى دولته عام 1913 وبعدها عام 1923 وكان ذلك بطريقة سلمية، واتسمت العلاقات بعدها بين الدولة السعودية السنية السلفية والشيعة بالتوتر، خاصة بعد انخراط الشيعة في المجال السياسي ومحاولتهم زعزعة الاستقرار السعودي، وفي عام 1979 أي أثناء الثورة الإيرانية شعر شيعة السعودية بقوة تبرز وهي إيران الداعمة لهم فأصبحوا يبدون رغبتهم في تغيير الحكم القائم في السعودية وحدثت صدامات بينهم وبين الشرطة مما أدى إلى مقتل العشرات واعتقال المئات وملاحقة السياسيين الشيعة، وبعد ذلك بأعوام وفي عام 2009 حدثت اشتباكات البقيع، واستمر التوتر بين الجهتين حتى أعدمت المملكة العربية السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر والذي أثار سخط إيران بما أنه كان يدافع عن إيران وعن نظامها السياسي وينتقد آل سعود وسياستهم.
إن هذه الصراعات المذكورة لا تزال تخيم على منطقة الشرق الأوسط، وكلما انطفأت حرب اشتعلت أخرى، وكل أغلب هذه النزاعات ما هي إلا نتائج وخيمة لأطماع دول في شؤون أخرى، ولا شك أن مشكلة الشرق الأوسط من أكبر المشاكل وأكثر تعقيدا في العالم، وهذا ما يتطلب توحيد الجهود وبذل طاقات أكبر من الباحثين لفهم حقيقة هذه الصراعات وإيجاد الحلول الأنسب.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها