مصالح روسيا في ظل التحولات في الشرق الأوسط

11.10.2016

يولي الشرق الأوسط دائما أهمية خاصة لروسيا بسبب جغرافيتها، الأهمية السياسية والاقتصادية المحتملة، بما في ذلك الطاقة. كما أنها الوريث القانوني للاتحاد السوفيتي، وقد ورثت روسيا أولويات السياسة التي اتبعها الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط لعقود. ومع ذلك، اضطرت روسيا في نهاية المطاف إلى تغيير فعلي في سياستها. من ناحية، روسيا لم يكن لديها القدرات السابقة ولا يمكنها المطالبة بوضع القوة العظمى، والتي تعتبر السياسات الإقليمية كوسيلة لطموحات أكبر. من ناحية أخرى، بسبب التغيرات في نموذج العلاقات الدولية وانهيار النظام العالمي ثنائي القطبية. لم يعد هناك أية مواجهة إيديولوجية حيث يتقاتل الجانبان لتوسيع مناطق نفوذهما. أعطت الثنائية القطبية وسيلة لعدم التكافؤ الاقتصادي والعسكري بين روسيا والولايات المتحدة، في حين نمت التجمعات الدولية لتكون أقوى وتثبت أنها قادرة على توفير التوازن ومنع صعود الأحادية القطبية  لكي لا تهيمن على نظام العلاقات الدولية.
مصالح تقليدية وطارئة 
مصالح روسيا الحالية في الشرق الأوسط يمكن تقسيمها إلى مجموعتين. الأولى تضم المصالح التقليدية القائمة على القضايا الأمنية. هذه المصالح يمكن تحديدها برغبة روسيا بمنع وصول الارهاب إلى الحدود الروسية. أي أن خطر الحرب وتمركز الجيوش الأجنبية، والحروب الأهلية في المنطقة والهجمات الإرهابية يمكن أن تكون مصدر قلق لروسيا، لأن حدود الجمهوريات السوفيتية السابقة ليست محمية بشكل جيد، وانتشار الأفكار المتطرفة وخاصة في آسيا الوسطى والقوقاز يجعل روسيا عرضة للخطر. وتضم المجموعة الثانية المصالح المتعلقة برغبة روسيا في تأكيد مكانتها كقوة عظمى فيما يتعلق بشأن القضايا العالمية والإقليمية والسياسة المستقلة. والهدف النهائي هو حماية مصالح رجال الأعمال الروس (في المقام الأول في مجال موارد الطاقة)، ومجموعة الصناعات الدفاعية، التي تصدر الأسلحة إلى الشرق الأوسط.
محددات التدخل في سوريا
وقد حفزت العمليات العسكرية على الأرض في سوريا وإنشاء تحالف ضد الإرهاب المصالح الروسية في الشرق الأوسط. كانت التصرفات الروسية في سوريا جديدة من وجهة النظر العسكرية والسياسية، كما أنها مجتمعة شكلت  من خلال العمليات البحرية وعمليات الطيران عامل مفاجأة من الناحية الإستراتيجية، فضلا عن مستوى عال من التنسيق. وهناك مجموعة من الاعتبارات تؤثر بسياسة روسيا تجاه سوريا. أولا، سمح الوضع في سورية لروسيا بإثبات خروجها من نظام ما بعد الحرب الباردة، الذي يقوم حسب وجهة النظر الغربية أن انهيار الاتحاد السوفيتي أوصله إلى الهزيمة. روسيا فسرت نية الجهات الغربية بإضفاء الطابع الرسمي على هزيمتها عن طريق توسيع حلف شمال الأطلسي في مناطق نفوذها، دون أي اعتبار للمصالح الوطنية الروسية، وعدم الاحترام للشريك الأضعف اقتصاديا. جزء من المجتمع الروسي، والجماعات السياسية والمجتمع في روسيا وجد في الشرق الأوسط المكان الذي يمكن فيه الوقوف ضد تصرفات الغرب الذي يهدف إلى تقويض نفوذ روسيا على الساحة الدولية. 
في نفس الوقت، لا يمكن للمؤامرات الغربية أن تفسر كل ما يحدث في المنطقة. التوترات الداخلية، ونشاط القوى الإقليمية المختلفة والخلافات بينها يمكن أن يثير الصراعات بسهولة بسبب سياسات اللاعبين الخارجيين. ولذلك، فإنه من الخطأ، أو على الأقل من السذاجة، تصوير عمل القوات الروسية في سورية بأنه محاولة للفت انتباه المجتمع الدولي بعيدا عن أزمة أوكرانيا. مصلحة روسيا في خلق تحالف واسع لمكافحة الإرهاب الدولي، الذي يهدد أسس الدولة السورية وينشر التوتر خارج منطقة الشرق الأوسط، يعتمد على الرغبة الروسية في تحسين العلاقات مع الغرب في مجالات يعتبر الإرهاب فيها عدوا مشتركا ولا يشكل نقطة خلافية. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن نجاح روسيا في الشرق الأوسط سوف يمتد تلقائيا إلى مجالات أخرى في العلاقات الدولية. لا ينبغي المبالغة بدعم روسيا للرئيس بشار الأسد. روسيا لا يمكن أن تقبل بإسقاط الأسد في انقلاب عسكري لتحل محله حكومة ذات جذور إسلامية بدعم مباشر من القوى الخارجية. أولا رفضت روسيا تكرار السيناريو الليبي في سوريا وقد أظهر الكرملين قلقا بالغا، حتى لو كان مبالغا فيه، في الميل المتزايد لتغيير الأنظمة بالانقلابات العسكرية أو الثورات الملونة. هذا الاتجاه لا يهدد مباشرة روسيا، ولكن هذه هي الطريقة التي اعترضت من خلالها روسيا على الأحداث في أوكرانيا وعلى الضغوط التي مورست على الحكومة الشرعية في سوريا. ثانيا، إن المعارضة التي تريد الإطاحة بالحكومة السورية بمساعدة من الخارج قد يكون له تأثير مدمر على المنطقة بالكامل. والنتيجة الأكثر احتمالا أن تحل الفوضى في سوريا مع عواقب سلبية للغاية، بما في ذلك استيلاء داعش على دمشق. ومن الناحية العملية، تفضل روسيا التعامل مع الحكومة السورية العلمانية في  سوريا التي تطلق الإصلاحات وتمنع انتشار التطرف الإسلامي إلى دول أخرى في الشرق الأوسط وخارجه. ويمكن تفسير نشر القوات الروسية في سوريا على أنها محاولة ناجحة لتغيير ميزان القوى في الحرب، وهو ما ينظر إليه على نحو متزايد من خلال المواجهة بين الأسد وداعش. العمليات الهجومية من قبل الجيش السوري والميليشيات الكردية ووحدات حزب الله، بدعم من القوات الجوية والفضائية الروسية، تمنع انتصار الجهاديين، وتجعل المعارضة "المعتدلة" أكثر مطواعية، وتخلق الظروف الملائمة لتنسيق اتفاق إعادة وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة. تنظر روسيا إلى بدء العملية السياسية في سوريا بأنها سوف تساعد على استقرار الوضع، وبالتالي تهيئ الظروف لتحسين العلاقات مع الجهات الفاعلة العالمية. 
نحو علاقات منفتحة مع الجميع
الاهتمام المتزايد للسياسة الروسية فيما يتعلق بسورية لا يعني أن مصالح روسيا تقتصر على سوريا. العلاقات مع المملكة العربية السعودية وإيران هي  مهمة  لروسيا، وعلاقاتها مع مصر والأردن والعراق وإسرائيل والعديد من الجهات الفاعلة غير الحكومية مهمة. العمليات العسكرية في سوريا عززت مواقف روسيا في الشرق الأوسط، ولكنها أدت إلى بعض الخسائر. التهديد الإرهابي لروسيا لم يتم القضاء عليه، كما يتضح من تحطم طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، والعلاقات مع تركيا قد توترت بشكل كبير. وربما فإن السمة المميزة لمنطقة الشرق الأوسط أنه لا يمكن الفوز بانتصار واضح هناك، إلا إذا تم العمل للتحول من العنف نحو إعادة وقف إطلاق النار والبدء بالمحادثات واعتبار ذلك بأنه الانتصار..