حان وقت الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط
دفعت حادثتا إطلاق النار في أورلاندو وسان بيرناردينو شخصيات مهمة أمريكية لتقديم عدة اقتراحات، سواء كانت تلك الاقتراحات قابلة للتطبيق أو غير قابلة للتطبيق. وتتراوح تلك الاقتراحات من منع دخول المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة إلى تشديد السيطرة على السلاح.
ومع ذلك، لا يبدو أن هناك شخصًا قد طرح السؤال الأساسي: لماذا تراكمت الكراهية لدى بعض السكان المتطرفين من أصل شرق أوسطي للأمريكيين، حتى أنهم باتوا على استعداد ليس فقط لإلحاق المعاناة الهائلة بالمدنيين الأبرياء، ولكن أيضًا لتقديهم حياتهم قربانًا لهذه الكراهية؟
إن الجواب على ذلك التساؤل يكمن في تاريخ ومدى التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير، من تركيا إلى باكستان، ما كان يطلق عليه "قوس الأزمة".
كانت الولايات المتحدة غالبًا ما تقف على الجانب الخطأ من الصراعات الداخلية والإقليمية في هذه المنطقة، وتدعم الأنظمة الاستبدادية للحفاظ على السيطرة على اضطراب السكان. والأهم من ذلك فقد تجاوزت مشاركتها وخاصة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة.
كانت هناك أسباب متعددة لهذه الدرجة العالية من التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير، ولكن معظمها قد عفا عليها الزمن الآن.
عادة مستمرة
أولًا، أصبح التدخل عادة مستمرة من أيام الحرب الباردة عندما قادت المنافسة مع الاتحاد السوفياتي كثيرًا من السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، أيًّا كان مبرر ذلك ربما حتى عام 1990، فقد فقدت الكثير من المنطق عندما اختفى الاتحاد السوفياتي من مناطق الصراع واضطرت روسيا إلى تخفيض نفقات وجودها في المنطقة بشكل كبير.
النفط
السبب الثاني الذي استخدم لتبرير التدخل الأمريكي خصوصًا في الخليج العربي كان الاعتماد على النفط المستورد من المنطقة. ومهما كانت قوة هذه الحجة ربما حتى عقد أو عقدين من قبل، فقد باتت غير مهمة اليوم. فوفقًا للأرقام التي قدمتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، في عام 2015 استوردت الولايات المتحدة ما يقرب من 9.4 مليون برميل يوميًا من النفط من 82 دولة. وشكلت دول الخليج العربي 16% فقط من هذا المجموع، فيما لم تمثل المملكة العربية السعودية سوى 11٪ فقط.
وعليه، أصبحت الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط، غير ذات صلة على نحو متزايد بالقلق حيال متطلبات الطاقة الأمريكية.
تحركات السياسة الخارجية أصبحت متهورة على نحو متزايد في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، فالرياض تسببت في انخراط واشنطن في صراعات غير ضرورية كما هو الحال في اليمن.
وعلاوة على ذلك، أدى انتشار النفوذ السعودي في الشرق الأوسط إلى ظهور الشكل الأكثر خبثًا من الإسلام المتطرف الذي يهدد ليس فقط المنطقة، ولكن المصالح الأمريكية أيضًا.
إن دعم المملكة العربية السعودية للجماعات الإسلامية المتطرفة يجب ألا يكون مقبولًا من جانب الولايات المتحدة.
في ذات السياق، أمن السعودية وموازين القوى في الخليج لم تعد مخاوف أمريكية حيوية، خصوصًا وأن العلاقات بين واشنطن وطهران تمضي على قدم وساق في أعقاب الاتفاق النووي.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك إدراك مكتشف حديثًا في واشنطن أن طهران لا تشكل خطرًا كبيرًا على المصالح الأمريكية في المنطقة، وينبغي أن تدرك المملكة العربية السعودية أنه حان الوقت لعدم الاعتماد على الدعم الأمريكي في التنافس مع إيران وبقبول توازن جديد للقوى في المنطقة.
أمن إسرائيل
السبب الثالث لتبرير الانخراط الأمريكي الكبير يرتبط بالقلق على الأمن الإسرائيلي. هذه الحجة عفا عليها الزمن بالنظر إلى التفوق العسكري الهائل لإسرائيل على جميع جيرانها العرب، وانشغال العرب بقتل بعضهم البعض بدلًا من تسوية قضية فلسطين أو مواجهة إسرائيل.
إن الانسحاب من الشرق الأوسط يعني قبل كل شيء إخراج الولايات المتحدة من مستنقع الصراع بين إسرائيل وفلسطين، الذي يتحدى التسوية بفضل العوامل التي لا يمكن معالجتها في هذه المقالة القصيرة. وهناك تحليل عنيد يثبت أنه لا توجد حصص أمريكية حيوية في هذه القضية، وأنه من الأفضل أن يترك للإسرائيليين والعرب معالجة القضية بأنفسهم.
العراق وسوريا
غزو العراق في عام 2003 كان فكرة سيئة للغاية، ولا تزال أمريكا تدفع ثمن ذلك حتى اليوم. وكذلك المشاركة، من دون الكثير من التدبر، في الحرب الأهلية في سوريا. تحولت كل من العراق وسوريا إلى دول فاشلة، واستمرار التدخل الأمريكي في الهلال الخصيب لا يفعل شيئًا ولكن يفاقم العداء تجاه الولايات المتحدة بين الفصائل الراديكالية، وفي مقدمتها تنظيم "داعش" في المنطقة.
يجب على الولايات المتحدة الحد من خسائرها والانسحاب من كل من العراق وسوريا، وخصوصًا أنه لا توجد أي مصلحة حيوية أمريكية في أي من هذه البلدان.
أفغانستان وباكستان
الأمر نفسه ينطبق على تورط الولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان. غزو أفغانستان في عام 2001 ربما يكون له ما يبرره في ضوء هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011 الإرهابية. ولكن ليس هناك من سبب لأمريكا لتشارك في استمرار الحرب الأهلية في ذلك البلد، التي من المرجح أن تستمر لعقود.
وللتأكيد على وجهة النظر تلك، تتجه باكستان نحو أن تصبح دولة فاشلة، على الرغم من أنها أحد الدول التي تمتلك أسلحة نووية. ضخت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في هذا البلد من دون إظهار الكثير باستثناء زيادة العداء تجاه نفسها من جانب قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني.
لا يوجد سبب إستراتيجي لواشنطن للمشاركة في شؤون باكستان أو في العلاقات مع جيرانها، وخاصة الهند وأفغانستان.
تركيا
تركيا هي الدولة الوحيدة في هذا القوس من الأزمة، حيث يمكن القول بشكل معقول أن المصالح الإستراتيجية الأمريكية على المحك. وذلك بسبب عضوية أنقرة في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولكن هذا لا ينبغي أن يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تشغلها مغامرات تركيا الإقليمية، كما هو الحال في سوريا أو المشاجرات الداخلية مع سكانها الأكراد. وقد وضعت سياسات أردوغان قصيرة النظرعلى الجبهتين تركيا في موقف لا تحسد عليه.
يجب توجيه أنقرة إلى تخفيض نفقات مشاركتها في سوريا والتوصل الى تفاهم مع سكانها الأكراد على شروط مقبولة لهم لمنع وقوع كارثة كبرى لنفسها وللمنطقة. يجب على الولايات المتحدة أن توضح للحكومة التركية أنها لا تعتبر الدفاع عن تركيا مسألة تتعلق بالناتو إذا كانت غير مستعدة لاتباع نصائح واشنطن بشأن هاتين المسألتين.
لقد حان الوقت للولايات المتحدة لبدء الانسحاب من الشرق الأوسط الكبير. بعد الهجمات الإرهابية في أورلاندو وسان بيرناردينو، أصبح هذا الانفصال مسألة أمن وطني. وقد أوضحت هاتين الحادثتين حتى أكثر من أحداث 11 سبتمبر/أيلول أن التدخل الأمريكي الزائد في شؤون الشرق الأوسط الكبير، يمكن أن يلحق ضررًا كبيرًا على أمن الأمريكيين في الداخل. ورغم أن هذا الانفصال قد لا يضع حدًا للهجمات الإرهابية داخل الأراضي الأمريكية في الحال، إلا أنه سوف يحد بصورة كبيرة من فرص تكرار هذه الهجمات في المستقبل.
مجلة "ذا ناشيونال إنترست"