روسيا والغرب.. ديناميكية المواجهة الجديدة
قدم الخبراء الروس في أكتوبر/تشرين الأول تقييمهم للنتائج المحتملة لانتخابات الرئاسة الأميركية وألقوا نظرة فاحصة على ما إذا كان مستوى المواجهة بين روسيا والغرب آخذ في الازدياد. قبل أيام معدودة من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قيم الخبراء الروس الوضع السياسي المتكشف. ومن خلال إلقاء نظرة موسعة على الحملة ككل وتقييم فرص المرشحين، فإنهم سعوا إلى فهم آفاق العلاقات الروسية-الأمريكية بعد الانتخابات.
كما ناقش الخبراء الروس أيضا الاتجاه المستقبلي للعلاقات بين روسيا والغرب على خلفية فشل الجهود المشتركة في إحلال السلام في سوريا، والعملية العسكرية في حلب، واجتماع برلين "رباعية النورماندي". وحلل الخبراء فيما إذا حدث فعلا تصعيد جذري في المواجهة، وفيما إذا بقي مستوى التوتر على حاله.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية يتوقع رئيس مركز كارنيغي في موسكو ديمتري ترينين، انتصارا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في حين يقدر أن حظوظ الجمهوري دونالد ترامب ستكون منخفضة إلى حد ما لقد سبب ترامب خسارة الحزب الجمهوري، فقسم وملأ جدول أعماله بالراديكالية، وتخلص من العديد من مؤيدي الحزب الجمهوري. ومع ذلك، قال إنه لا يزال لديه بعض الفرص للفوز، حيث الـ"مفاجأة" في النظام السياسي الأمريكي حالة ممكنة دوما.
يعتقد ترينين أنه بالنسبة للكرملين، يمكن لترامب أن يكون شريكا في الحوار أكثر راحة من كلينتون لأنه على الأقل يحتمل تبادل الآراء حول قضايا تهم موسكو .ويشير الخبير إلى أن فوز كلينتون لا يعني أي كارثة للكرملين: حيث أن القادة الروس يعرفونها جيدا ولديهم فكرة عن فريقها وأسلوب عملهم.
يميل اندريه كوترونوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي أيضا إلى الاعتقاد بأن الفوز سيذهب الى كلينتون على الرغم من انه لا يستبعد ميزة المفاجئة فيما يتعلق بترامب. وقد يحدث هذا بسبب بعض الناخبين، الذين يجاهرون بمواقفهم المعارضة للحزب الجمهوري على الملأ، ويصوتون لصالحه سرا. ومن هؤلاء "أنصار ترامب الهادئين" الذين قد يقررون نتيجة الانتخابات.
كوترونوف متأكد أنه عند هذه النقطة، من المستحيل التكهن بمن سيكون شريك حوار أفضل للكرملين، حيث أن الكثير سيعتمد على فريق السياسة الخارجية الذي سيشكله الفائز. ويمكن أن يشمل هذا الفريق كلا من "الصقور" والمعتدلين، اعتمادا على من سيفوز في الانتخابات
الرئاسية. ويؤكد الخبراء أن كلينتون هي شخصية ذات الخبرة ومعروفة من موسكو، وهي بالتأكيد إضافة في الوضع الحالي للعلاقات الروسية الأمريكية غير المستقرة. وعلى النقيض من ذلك، ينظر لترامب على أنه أكثر المرشحين تسرعا، مما يزيد بشكل كبير من مخاطر أي تفاعل ثنائي.
تشير ايلينا بونوماريفا من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (جامعة MGIMO) إلى أن الحملة الحالية قد كشفت بشكل كبير الصراعات الداخلية الموجودة داخل المجتمع الأمريكي. وتوصف هذه الظاهرة بأنها "حرب باردة بين النخب"، حيث جماعات النخبة المجزأة للغاية تكافح من أجل النفوذ على مجتمع مجزأ.
هذه الانتخاباتت تعتبر لكل من كلينتون وترامب، مسألة حياة أو "موت سياسي"، لذلك يستخدمان كل أداة ممكنة. من هنا، كانت الإشارات المستمرة لروسيا في السباق الانتخابي. بالطبع، كلينتون لديها في جانبها الموارد المالية، والاتصالات السياسية والنفوذ، ولكن الولايات المتحدة هي في الحقيقة بلد الفرص ولا يمكن استبعاد حدث المفاجأة.
سيرجي ماركوف من مجلس السياسة والدفاع الخارجية، يتفق مع زملائه ويتوقع انتصارا للمرشح الديمقراطي . وتحظى كلينتون بدعم من المؤسسة الأمريكية، مضافا إليها عامل الجندر والنفوذ والعلاقات في وسائل الإعلام، والصدى العام الإيجابي لرئاسة زوجها بيل كلينتون، مع نقص تام في التجربة السياسية لمنافسها ترامب.
ويوجز ماركوف "لهذه الأسباب، فإن فوز كلينتون أمر محتمل جدا. إذ أن الملايين من الناخبين الأمريكيين العاديين يرغبون في تغيير تاريخ بلدهم من خلال انتخاب امرأة رئيسة لأول مرة".
إلغاء زيارة فلاديمير بوتين الى باريس
كانت زيارة فلاديمير بوتين مقررة الى باريس في التاسع عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول وخلال تلك الزيارة، كان سيحضر افتتاح المركز الثقافي الروسي. غير أنه تم إلغاء الزيارة قبل الرحلة لسبب رسمي وشطبت من جدول أعمال الزعيم الروسي.
ربطت وسائل الإعلام والخبراء إلغاء الزيارة بتعليقات بعيدة عن المجاملة تناولت روسيا قبل فترة وجيزة من الحدث من قبل الرئيس فرانسوا هولاند، والذي أوضح أنه لا يرى أي فائدة من لقاء شخصي مع بوتين. وألمح هولاند أيضا أنه قد لا يستقبل بوتين، وإذا فعل، فسيعرب، بأشد العبارات الممكنة، عن إدانته لعملية القوات الجوية الروسية في حلب.
ويرى الأستاذ المشارك كيريل كوكتيش من جامعة MGIMO ، أن فشل الزيارة منطقي تماما في ضوء موقف فرنسا. ويؤكد المحلل أنه فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا، أظهرت فرنسا أنها غير مستقلة في سياستها الخارجية: "إن الوضع واضح تماما. رضخ هولاند للضغوط الأميركية وكان أرعنا. وقال إنه ليس لديه ما يناقشه مع بوتين، وبالتالي أظهر افتقاره للاستقلالية ووضع نفسه في تصنيف أقل . ووصلت الرسالة إلى موسكو ".
يصف غيورغي بوفت من مجلس الشؤون الدولية الروسي الوضع بأنه "سلوك فرنسي" ويشير إلى أن معايير سلوك الغرب تجاه روسيا تجاوزت حدود كل تصور. من الواضح أن فرنسا مستاءة من الفيتو الذي فرضته روسيا في مجلس الامن بسبب قرارها حول سورية، والذي رأت موسكو أنه "جرى تنقيحه" من قبل واشنطن.
إن متابعة مسار السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والقيادة الفرنسية حيث يفاقم الجانبان الوضع بتوجيه اتهام لروسيا بارتكاب جرائم حرب في سوريا وتهدد روسيا باللجوء لمحكمة لاهاي. وفي الوقت نفسه، تفضل كل من فرنسا ودول غربية أخرى تجاهل أي عمليات أقل "سخونة" أومثيرة للجدل، ولا سيما في الموصل وصنعاء، حيث المملكة العربية السعودية حليف الولايات المتحدة تجري عملية عسكرية ضد اليمن منذ فترة طويلة دون أي قرارات دولية بذلك.
التوترات بين روسيا والغرب ويقول اندريه سوشينتسوف من جامعة MGIMO ونادي فالداي أنه حتى في ظل الأحداث في سوريا، فإن المستوى الفعلي للمواجهة بين روسيا والغرب لم يتغير. على الرغم من أن وسائل الإعلام الان تولي المزيد من الاهتمام للخلافات بين روسيا والولايات المتحدة، وبالتالي خلق انطباع بقدوم الحرب الباردة الثانية، وهو أمر لا يتعدى كونه مجرد وهم في الواقع.
وفقا لسوشينتسوف، يمكن للمرء أن يتحدث بثقة عن جولة أخرى من التعارض بشأن الأزمة السورية، ولكن لا يوجد شيء جديد في الجوهر من حيث الحجم والأهمية . إن الشكل الحالي للحوار الروسي-الأمريكي هو "الوضع الطبيعي الجديد" الذي بدأ الجانبان يتكيفان معه. وفي الوقت نفسه، فإن كلا من الولايات المتحدة وروسيا تعتقدان أن الوقت يعمل لصالحهما وتفضلان الانتظار دون اتخاذ أي خطوات حقيقية لتغيير الوضع.
يعتقد فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة والدفاع الخارجي، أن الوضع يزداد توترا، مع أكبر تهديد يأتي من الاستفزازات المفاجئة المحتملة، والتي في غياب عمل القنوات الدبلوماسية الطبيعي بين الولايات المتحدة وروسيا، تحمل أقصى حد من المجازفة بالتصعيد.
تساهم أوروبا، التي لا تتقبل تراجع تأثيرها على الساحة الدولية، في هذا الوضع. فقد توقفت الدول الأوروبية منذ زمن عن كونها مراكز قوى مستقلة، ولكنها ليست على استعداد للاعتراف بذلك، وهي مستعدة لاستعراض عضلاتها أمام روسيا في محاولة لإثبات أهميتها. وهذا بالطبع، يفاقم الوضع، ليس إلا.
في هذا الصدد، يشير لوكيانوف إلى أن أهداف موسكو هي "السيطرة على المواجهة مع الغرب، ومنعها من تجاوز حدود المعقول، وفي الوقت نفسه، مواصلة تعزيز قوة مواقف روسيا علاقاتها وسمعتها في بقية العالم بكل الوسائل.
ينظر إيفان تيموفيف من مجلس الشؤون الدولية الروسي إلى العلاقات بين روسيا والغرب من خلال منظور التفاعل بين روسيا وحلف شمال الاطلسي. هذه العلاقات "خطيرة لكنها مستقرة"،
رغم إمكانية التصعيد. فقد تتجه روسيا ودول حلف شمال الاطلسي نحو أزمة عميقة استغرقت سنين لتصل الآن للحظة حاسمة حيث يتمثل الخطر الأكبر بغياب القنوات الطبيعية للحوار.
يشير تيموفيف إلى بعض التدابير التي يمكن أن تسوي، أو على الأقل تحقق الاستقرار، والعلاقة - بما في ذلك مواصلة تشاور روسيا والناتو، والحوار على الأسلحة التقليدية في أوروبا، ووقف توسع حلف شمال الأطلسي، وتعزيز تنفيذ اتفاقيات مينسك -2.
ويرى الكسندر بونوف، المحلل في مركز كارنيغي في موسكو، أن الحديث اليوم عن التصعيد والأزمة في العلاقات الروسية-الأمريكية يعود في جزء كبير منه إلى السباق الرئاسي في الولايات المتحدة. وأنه ينبغي النظر إلى تفجر التصعيد الأخير من خلال منظور المنافسة بين المرشحين على مقعد في البيت الأبيض.
وعن ذلك، يعتقد الخبير أنه في أي حال، فإن الأزمة عميقة وطويلة الأجل، وأن روسيا تدفع نفسها بنفسها نحو العزلة. بل ويعتقد الخبير أيضا أن خطأ روسيا هو الذي أدى بالتفاعل إلى طريق مسدود حيث لا يمكن رؤية أي مخرج منه حتى الان. " ويوجز بونوف بالقول: ان الأمر ليس عزلة بل صراع".