هل تصبح الانتخابات الأمريكية نقطة تحول للجغرافيا السياسية العالمية؟

31.10.2016

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يناقش الناس في جميع أنحاء العالم كيفية تأثير نتيجة هذه الانتخابات على السياسة العالمية في الوقت الذي يظهر فيه النظام الجيوسياسي العالمي وكأنه في حالة تغير مستمر. عن مدى أهمية الحملة الانتخابية هذه وتداعياتها المحتملة بالنسبة للعالم؟ يتحدث المحلل السياسي فيودور لوكيانوف.
بالضبط قبل 12 عاما، في خضم الحملة الانتخابية الأمريكية، انعقد مؤتمر حول العلاقات الدولية في نيويورك. كان جورج بوش الابن وجون كيري يتنافسان على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي. الحملة التي حدثت بعد عام ونصف من غزو الولايات المتحدة للعراق ومعظم المشاركين في الحدث كانوا يتوسلون السلطات والناخبين لتحرير أمريكا مما اعتبروه بوش الشرير.
في خضم النقاش وقف ممثل إحدى الدول الأفريقية وقال: "باعتبار أن الإنسانية كلها تعتمد على من سيكون الرئيس الأمريكي القادم، فلماذا لا يشارك العالم كله في انتخابه؟"
في ذلك الوقت كان بوش لا يحظى بشعبية كبيرة على الساحة الدولية وفي حال تصويت "عالمي" لم يكن لديه أية فرصة للفوز. خلافا لما حدث في بلده، حيث أنه في وقت لاحق من الشهر نفسه الذي صوت فيه الناخب الأمريكي أصبح بوش رئيسا لأربع سنوات أخرى.
حملة انتخابات تاريخية
السؤال في حد ذاته يعكس بشكل تام تصور الوضع السائد نتيجة لما بعد الحرب الباردة. بغض النظر عن المرشح الذي سيفوز في ذلك الوقت، وحتى لو لم يكن ذو قيمة كبرى، فإنه من الواضح أن هذا الرئيس سيصبح السياسي الأكثر أهمية في العالم. واليوم تتابع كل بلدان العالم  مرة أخرى حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهم يحبسون أنفاسهم بانتظار النتائج. ولكن لأول مرة ومنذ ربع قرن يوجد فارق ملحوظ بين المنافسين في فهمهم للدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في الساحة العالمية.
عندما تتناقش الجهات الفاعلة الخارجية حول بديهية القيادة الأمريكية للعالم، تأخذ في عين الاعتبار تكلفة عملية نشر الديمقراطية، والتي بدأت منذ ربع قرن من الزمان. ولكن ظهور طبقات اجتماعية عديدة في الغرب لا تفهم السبب الضروري لهذه الجهود المبذولة في الخارج والتي جلبت الكثير من المشاكل، هزت بعض المؤسسات.
هذا هو السبب في أن الحملة الانتخابية الحالية هي فريدة من نوعها. من الواضح أنها موجهة للناخب، ولكنها موجهة أيضا إلى الجمهور الأجنبي، الذي يجب أن يكون مقتنعا بأن أميركا لا تنوي التخلي عن ريادتها العالمية. ولنكن صادقين، فإن السعي إلى فهم واضح لكيفية تصرف القيادة الأمريكية في المستقبل غير متوفر.
دعوة راسموسن للعمل
هذا الأسبوع  دار نقاش بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمين السابق العام لحلف الناتو أندرس راسموسن، والذي نشر مقالة في صحيفة وول ستريت جورنال.
كعادته يتحدث أوباما في الأمم المتحدة، ويؤكد دائما الدور الخاص لبلاده، ويعدد جميع المساهمات العظيمة التي قدمتها بلاده للبشرية. ولكن لديه تحفظات دائما. ويقول أن أمريكا ليست قادرة على كل شيء، العالم أحادي القطبية ليس القاعدة ولكنه الاستثناء وفعلا ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء. ازدواجية أوباما وبحثه عن نهج متوازن جعله أكثر واقعية من أي من الدعاة لعالم متعدد الأقطاب.
ولكن، ما هو مهم بالنسبة لأكاديمي، نادرا ما يقدم نفعا سياسيا عاما.
أوباما، الذي بدأ يجسد عهدا جديدا، يحاول باستمرار خفض توقعات الناس، وفي الوقت نفسه يحاول أن يقدم موقفا دقيقا ونتائج واضحة. في النهاية يبدو الجميع منزعجين- ليس فقط الخصوم الذين يتهمونه بحالة الضعف والمراوغة، ولكن حتى أنصاره الذين يعتقدون أنه لم يفعل شيئا يذكر.
راسموسن، من ناحية أخرى، يفهم كل شيء، مثل كل المحافظين الجدد. التهديدات في تزايد، والإرهابيون يزدادون قوة، وروسيا أصبحت أكثر جرأة، الصين تتنافس للحصول على القوة العالمية - شخص ما يجب أن يضع حدا لكل هذا.
"العالم بحاجة إلى شرطي إذا أردنا أن نحافظ على الحرية والرخاء ضد قوى الظلم، والمرشح الوحيد القادر والموثوق به والمرغوب فيه لهذا المنصب هو الولايات المتحدة". ليس هناك حاجة لتحليل مادة راسموسن على محمل الجد - انها مجرد نشرة دعائية موجهة إلى الناخب.
لعله من الصعب الامتناع عن الإدلاء بتعليق. المشاكل التي تتطلب تدخل أمريكا باسم الحفاظ على النظام وإخماد الحرائق "رجل الاطفاء الذي يخمد نيران الصراع"، يذكر راسموسن "في شمال أفريقيا، انهارت ليبيا وأصبحت أرضا خصبة للإرهابيين"، أنا لا أعرف من الذي نصح الأمين العام السابق لحلف الناتو باستخدام هذا المثال، ولكن إذا نظرنا إلى التاريخ الحقيقي لـ"النار" في ليبيا، فستظهر السخرية واضحة.
عصر التغيير
بالنسبة لأوباما وراسموسن الشيء المهم هو ألا تتبنى الولايات المتحدة نهجا انعزاليا. ونتيجة لذلك، فهما يدعمان هيلاري كلينتون. وفي الوقت نفسه، يتحدث أوباما عن الناس الذين فقدوا الثقة بالمستقبل، يحاول استمالة الناخبين المحتملين لترامب، ويحاول تكوين رؤية لديهم بأن الادارة متفهمة لقلقهم.
المقال الافتتاحي لراسموسن، موجه إلى أولئك الذين لا يحتاجون للاقتناع بل يحتاجون لمجرد تعزيز قناعتهم. ومع ذلك، فمن الممكن أن تكون الأمور أكثر خطورة بكثير: هناك تحول في النموذج الاجتماعي السياسي يتشكل في أمريكا وفي العالم كله، وهذا يعني أن الطبقة الحاكمة سوف تنقسم أيضا.
وعلى الأرجح فإن التشاؤم حول الانتخابات المقبلة مبالغ فيه. وأيا كان الفائز فلن يتم كسر النظام. فلا هيلاري قادرة على العودة إلى سنوات التسعينات من القرن الماضي ولا ترامب قادر على العودة إلى سنوات الخمسينات المحبوبة لديه من القرن الماضي. 
القصور الذاتي للجهاز الحكومي كبير جدا، فحيرته أمام ردة فعل الجماهير التي لا يمكن التنبؤ بها كبيرة. وبالتالي فإن الانتقال التدريجي إلى مرحلة مختلفة أمر لا مفر منه. هذه المرحلة بدأت مع أوباما، الذي حاول الجمع بين الشعارات التقليدية والسياسات المختلفة. وسوف يستمر الأمر مع الرئيس المقبل، ومن المرجح الحصول على شكل جديد عام 2020. ولكن فقط إذا لم يغير خلف أوباما طريقه ليثبت لراسموسن أن أمريكا لم تعد نائمة.