هبوط الغرب وفقدانه عوامل الهيمنة على العالم
تشير التغيرات الدولية التي يمر بها النظام العالمي إلى أن القرن الواحد والعشرين هو قرن سقوط "إمبراطورية الغرب العظمى" وصعود قوى دولية جديدة في عالم يسير نحو تعددية قطبية لن تكون فيه "الإمبراطورية البحرية الأطلسية" القوة المحددة لمصير الشعوب والدول، وخاصة بعد عودة القوة الروسية إلى الميدان الدولي بقوة، بالإضافة إلى الصعود المتميز لكل من الصين والهند وإيران، وتشكل مجموعة "بريكس" التي تضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا، كتلة حديثة تساهم في خلق نظام عالمي جديد أكثر توازنا ويكسر هيمنة القوى الصناعية الغربية.
لا يذكر الإعلام الغربي أي شيء عن تزايد مشاكل المجتمعات الغربية واحتياجاتها الداخلية، حيث تواجه نموا اقتصاديا بطيئا وتراجعا في عدد السكان (تحاول كسر حدته حاليا من خلال استقبالها اللاجئين من مختلف دول العالم الثالث)، وتفاقمات كبيرة في العجز الحكومي، واضمحلال في أخلاقيات العمل ومعدلات ادخار بطيئة وتفكك اجتماعي ومعدلات جريمة في عدد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فيما بدأ النفوذ السياسي الدولي والقوة العسكرية تميل باتجاه روسيا والشرق، والعالم الإسلامي صار بشكل متزايد عدوانيا نحو الغرب، ورغبة المجتمعات الأخرى في قبول ما يمليه الغرب آخذة في التبخر بشكل سريع، وكذلك ثقة الغرب في نفسه وإرادته في الهيمنة.
إن هبوط الغرب هو عملية بطيئة، فنهوض القوة الغربية استغرق 400 سنة، وعملية التراجع ربما تأخذ وقتا ليس بالقليل. النمو الاقتصادي وزيادات أخرى في مقدرات الدولة غالبا ما تمر عبر منحني على شكل حرف (s)، بداية بطيئة ثم ارتفاع سريع تتبعه معدلات منخفضة من التوسع والانكماش، وهبوط الدول والإمبراطوريات أيضا يحدث عبر منحني (S) معكوسة، معتدلة في البداية ثم ارتفاع سريع قبل الاتجاه نحو القاع، اضمحلال الغرب لا يزال في أولى مظاهره البطيئة لكن عند نقطة ما من الممكن أن تزداد بسرعة مذهلة.
الانهيار الغربي لا يتبع خطا مستقيما، فهو غير منتظم بدرجة عالية مع انقطاعات، وتراجعات، وإعادة توكيد للقوة الغربية إثر مظاهر من الضعف الغربي. حصة الغرب من معظم موارد القوة الهامة الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والعسكرية في العالم وصلت إلى ذروتها في نهاية القرن العشرين، والآن بدأت بالهبوط وانخفضت قدرة الغرب الأطلسي على التأثير في سلوك وقرارات ومصير الدول والشعوب مقارنة بتلك الفترة.
انخفضت حصة الدول الغربية في امتلاك عوامل القوة والتأثير:
- فلم تعد المزود الرئيسي لأغلب دول العالم بالسلع المصنعة.
- انخفضت نسبة سيطرتها على أسواق رأس المال العالمية.
- فقدت قدرتها بشكل على التدخل العسكري الواسع والهيمنة على الملاحة البحرية.
- خسرت تفردها في التحكم في التعليم التقني الراقي والسيطرة على الوصول إلى الفضاء.
خسر الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل نسبي جزءا كبيرا من نفوذه في العراق ومصر ولبنان في السنوات الأخيرة، وبدأت تركيا بالخروج من ارتباطها الاستراتيجي بالغرب وخاصة بعد محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا في شهر تموز الماضي، في حين لم يبق للقوى الغربية في سوريا سوى بعض المناطق التي يسيطر عليها المتشددون الإسلاميون والأكراد وهي مناطق ستعود تدريجيا وبالكامل إلى نفوذ الدولة السورية التي تتموضع إلى جانب محور التعددية القطبية الجديد (المحور الأوراسي)، كل هذه الخسائر السياسية والاقتصادية سوف تتحول إلى كرة ثلج تعصف بنظام القطب الواحد، الذي يحاول خلق الفوضى والدمار في كل منطقة يخسرها ليغطي الهزيمة التي لحقت به.