مجلس الأمن يفشل في تثبيت الهدنة السورية.. وكيري في "عالم مواز"
لم تتمخض الجلسة السورية لمجلس الأمن الدولي، التي عقدت أمس، على هامش أعمال الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عن تثبيت الهدنة التي أقرّها اتفاق الوزيرين الأميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف في التاسع من سبتمبر/ايلول الحالي، وبدلا من ذلك، تبادل الجانبان الاتهامات حول فشل الاتفاق، ما أظهر أن التباعد في الرؤى حول الحلّ السوري لا يزال مهيمنا بل ويتصاعد، وأن الولايات المتحدة مصممة على الاحتفاظ بهامش المناورة، والاحتفاظ بالورقة السورية وترحيلها إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
عاد وزير الخارجية الاميركية إلى مطلب تعليق طلعات الطيران السوري في مناطق وجود "المعارضة المعتدلة"، متحدثاً عن شعوره بأنه "في عالم موازٍ" حين يستمع إلى نظيره الروسي. مشددا على أن الشروط الأميركية هي التي "تمنع انزلاق سوريا" في المجهول، فيما اعاد لافروف التذكير بفشل الأميركيين بفصل المعارضة عن الجماعات الإرهابية، متطرقاً إلى امكانية الإعلان عن "فترة صمت" قتالي لمدة ثلاثة ايام.
وعلى هامش الجلسة السورية لمجلس الأمن، برزت كلمة ولي العهد السعودي محمد بن نايف في الجمعية الاممية، التي ركزت على دور المملكة في "محاربة الإرهاب"، مكتفية بتطرق سريع إلى الأزمة السورية، وتميزت بانخفاض مستوى الهجوم على إيران، ما يعكس خلافاً في الأولويات بين وريثي العرش السعودي، وتأتي وسط تشوّه في صورة المملكة بدأ يعلو في عواصم القرار الدولية، رغم استمرار تماسك تحالفها مع دول الخليج.
لافروف
خلال جلسة مجلس الأمن حول سوريا، دعت موسكو إلى استئناف المفاوضات بشكل عاجل بين السوريين من دون شروط مسبقة، متهمة الأميركيين بوضع هذه الشروط، متمسكة بموقفها بأن "لا بديل عن العملية السياسية التي تقوم على الاحترام المتبادل والشمولية مع عدم طرح شروط مسبقة والضمان بشكل مواز لوقف القتال، وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية، ورفع فعالية الكفاح ضد الإرهابيين".
وأكد لافروف أن الجيش السوري "التزم بالهدنة وسحب وحداته من المناطق المتفق عليها". معتبرا قصف طائرات "التحالف" لوحدات الجيش السوري قرب دير الزور شكّل "انتهاكاً فظاً للهدنة"، مشدداً على أن "الأولوية الأساسية في التسوية السورية تبقى عملية فك الارتباط بين المعارضة من جهة وتنظيمي داعش وجبهة النصرة من جهة أخرى، وذلك من أجل ضمان فعالية أكبر لنظام وقف القتال وحلّ المهمات الإنسانية وقطع محاولات الإرهابيين في التملص والتهرب من القصاص".
وكشف أن موسكو أبلغت واشنطن بوقوع 300 انتهاك لنظام وقف القتال في سوريا، داعياً إلى العودة إلى موضوع تدقيق قائمة التنظيمات الإرهابية، لافتاً إلى أن القائمة التي تسلمتها موسكو من واشنطن تتضمن حوالي 150 منظمة تمّت الإشارة لها كمشاركة في نظام وقف القتال، ولكن أكثر من 20 منها أعلنت فوراً بشكل رسمي أنها لن تنفّذ هذه الاتفاقات".
وتابع أن "القائمة التي اقترحناها تتضمن إدراج أحرار الشام إلى قائمة المنظمات الإرهابية إلى جانب هيكل إرهابي آخر "ألا وهو جيش الإسلام"، لافتا إلى أن "شركاءنا في الولايات المتحدة قالوا إنهم لن يسمحوا لهم بالعمل بشكل فعّال، وكبادرة حسن نية، لم نصر على موقفنا وضيقنا لائحة الإرهاب إلى جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين"، مضيفاً انه "عقب إعلان دخول الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول سوريا حيّز التنفيذ، أعلنت أحرار الشام رفضها الالتزام ببنود الاتفاق، مبررة موقفها بأن الاتفاق يعتبر جبهة النصرة منظمة إرهابية، وهو محط خلاف دفع أحرار الشام إلى رفض الاتفاق نظراً لتعاونها الوثيق مع جبهة النصرة".
ولفت لافروف إلى أن "حدثا حقيقيا وقع خلال الأيام القليلة الماضية عندما تصدت القوات السورية لهجـمات شرسة شنتها منظمة تدعى جند الأقصى في شمال منطقة حماه"، مذكّراً بأن واشنطن أدرجت جماعة جند الأقصى (الثلاثاء) إلى قائمة المنظمات الإرهابية"، آملاً "ألا يطالب أحد بإبرام هدنة مع هذه المنظمة الإرهابية".
وفي ما يتعلق بالهجوم على قافلة المساعدات الإنسانية بالقرب من حلب، طالب لافروف بـ"تحقيق غير منحاز"، لافتاً إلى ان "الكثير من الدلائل تشير إلى أن الهجوم على القافلة كان بالصواريخ أو بالمدفعية"، وأنه "في البداية جرى الإعلان عن ذلك، ولكن لاحقا ذكروا المروحيات ومن ثم الطائرات"، مطالباً بأن "تقدم الفصائل المسلحة المعارضة ضمانات بعدم الاعتداء على قوافل المساعدات الإنسانية".
واعتبر لافروف أن اتفاق وقف إطلاق النار "لن يكون ممكناً تنفيذه إلا بنهج شامل يتضمن خطوات متزامنة من جانب جميع الأطراف الضالعة في الحرب. وإلا فإن شيئا لن يحدث. لن يكون هناك أي وقف (للقتال) من جانب واحد".
كيري
من جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي أن واشنطن على استعداد للتعاون مع موسكو، في مواجهة "داعش" و"النصرة"، معرباً عن اعتقاده بانه "لا يزال هناك سبيل للخروج من المجزرة" في سوريا، مطالباً بمنع فوري لتحليق الطائرات كافة من أجل "إنقاذ" اتفاق وقف إطلاق النار، وجميع الدول بوقف تقديم الدعم لأي طرف يحاول تخريب اتفاق وقف إطلاق النار".
وقال كيري بغضب "نفترض اننا كلنا متفقون على الهدف ذاته.. اسمع ذلك مراراً وتكراراً. لكننا عاجزون بشكل يرثى له في الوصول إلى ذلك".
واعتبر الوزير الأميركي ان "نظام الأسد وداعش والنصرة لا يؤمنون بوقف إطلاق النار"، محذراً من أن الأزمة السورية يمكن ان تتدهور أكثر إذا لم يتم ايجاد حل ديبلوماسي.
وقال كيري إن "التحالف الاميركي أخطأ في قصف اهداف يوم السبت في دير الزور واعترفنا بذلك والبنتاغون يجري تحقيقاً"، معتبراً في الوقت ذاته أن "تصريحات المسؤولين الروس حول حقيقة استهداف قافلة المساعدات قرب حلب متعارضة ومنافية للحقائق".
وفي هذا الإطار، قال إن الجهود للتوصل الى حل لا يمكن انقاذها الا إذا تحملت روسيا مسؤولية الغارات الجوية الاخيرة، مضيفاً أن "الطائرات الروسية والسورية فقط كانت تعمل في مناطق شمال سوريا" حيث تعرضت قوافل اغاثة لغارة جوية الاثنين.
وأعرب عن اعتقاده أنه "لإعادة المصداقية الى العملية، علينا ان نحاول منع تحليق جميع الطائرات في هذه المناطق الرئيسية فورا من اجل نزع فتيل التصعيد ومنح الفرصة لدخول المساعدات الانسانية من دون عائق".
وأضاف أن "هناك اطرافاً لا تريد نجاح وقف النار في سوريا"، ورد على نظيره الروسي بأن واشنطن "ليس لديها شروطٌ مسبقة للهدنة".
بان كي مون
من جانبه، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن تطبيق الهدنة في سوريا "سيمهد لحل سياسي للأزمة"، مجدداً دعوته مجلس الأمن إلى إحالة الوضع في سوريا للمحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف أن المحادثات السورية يجب أن تركز على المرحلة الانتقالية أولاً، داعيا إلى تقديم الدعم للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من دون شروط مسبقة. ودعا إلى فرض حظر على تحليق سلاح الجو السوري فوق مناطق "المعارضة".
وقال بان إن "هذه هي الفرصة لحظر سلاح الجو السوري، ورؤية عمل عسكري مشترك ضد الجماعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وتسهيل المساعدات الإنسانية إلى حلب وجميع أنحاء البلاد. إذا استطعنا لذلك سبيلاً فسنفتح الطريق لمحادثات سياسية".
وتطرق إلى المقترحات التي سيجري تقديمها لأطراف الصراع في سوريا بهدف استئناف مفاوضات السلام، قائلاً: "لا يجب أن يعتمد مصير أي بلد على مصير فرد واحد، إذا استمر جانب واحد في الإصرار على أن صلاحيات الرئيس لا تخضع للتفاوض، فلن تكون هناك تسوية عن طريق التفاوض، وإذا أصر جانب آخر على أن الرئيس ببساطة يجب أن يغادر في بداية المرحلة الانتقالية، فمن الصعب أن نرى مفاوضات حقيقية".
دي ميستورا
من جهته، قال المبعوث الاممي إن جميع الأطراف تدرك أهمية المرحلة الانتقالية في سوريا، معلنا أنه سيطرح مشروع إطار عمل لاستئناف المفاوضات التي ستشمل الجميع، لكنه اعترف بأنه "قد يكون مثل الحلم".
وقال دي ميستورا إن "كل شيء يعتمد على تجديد وقف القتال.. هناك فرصة. سوف تعرفونها خلال يومين، في إشارة إلى اجتماع ثان للمجموعة الدولية لدعم سوريا يوم الجمعة.
فرنسا
واقترحت فرنسا عبر وزير خارجيتها جان مارك ايرولت في مجلس الأمن، فرض عقوبات على منفذي الهجمات الكيميائية في سوريا، وآلية مراقبة لوقف إطلاق النار. ووزع الوزير الفرنسي وثيقة غير رسمية تتضمن اقتراحا لإقامة نظام مراقبة مشترك للهدنة يتضمن جمع خبراء من جميع الدول المشاركة في المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم دولا تدعم طرفي النزاع بشكل مباشر او غير مباشر، سيكلفون بجمع المعلومات حول خرق الهدنة على ان يعملوا تحت سلطة الامم المتحدة.
محمد بن نايف
وقال ولي العهد السعودي محمد بن نايف أن المملكة "أحبطت 268 عملية إرهابية بعضها كان موجها لدول صديقة" مشيراً إلى أن السعودية "كانت من أوائل الدول التي أدانت هجمات 11 ايلول وأكدت أن محاربة الإرهاب مسؤولية دولية مشتركة"، معتبراً ان "محاربة الإرهاب تكون فكرياً وأمنياً ومالياً وعسكرياً"، مذكراً بأن الرياض "تستضيف مركز التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب".
وشدد ولي العهد السعودي على أن بلاده تدين انتهاكات إسرائيل المتكررة للمسجد الأقصى وساحاته، مجدداً اعتبار مبادرة السلام العربية هي أساس الحل الشامل.
وفي ما يتعلق بالحرب السعودية على اليمن، قال بن نايف إن المملكة تؤيد مساعي حل أزمة اليمن وفق القرار الأممي 2216، مشيراً إلى أن التحالف العربي دعم الشعب اليمني ضد الميليشيات المسلحة وأن الانقلابيين رفضوا الحل السلمي ويهاجمون حدود المملكة بالصواريخ البالستية.
وفي الشأن السوري، اعتبر أن التاريخ الحديث لم يشهد مثيلا للمأساة في سوريا وحان الوقت لإيجاد حل سياسي في سوريا وفق مقررات جنيف1.
وحول ايران، قال إن "السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد تعرضتا للاقتحام والاعتداء تحت مرأى السلطات الإيرانية التي لم تقم بواجبها في توفير الحماية الكافية وفق الاتفاقيات الدولية الملزمة.. وندعو السلطات الإيرانية للقيام بواجباتها في هذا الشأن.. وأن تكون علاقة إيران مع دول المنطقة قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإنهاء احتلال الجزر الإماراتية الثلاث".