كيري يستسلم لـ"صقور" البنتاغون.. والهدنة لا معنى لها
انقلبت الهدنة التي كان يفترض أن تجلب بعض الأمن والأمان للسوريين، الى فرصة لتبادل الاتهامات واقتناص الإدانات. إذ شهدت أيام التهدئة السبعة مئات الخروقات من جانب المسلحين. كما جاءت غارات "التحالف" على دير الزور السبت الماضي، لتزيد الطين بلة، ليبتلع وحل الأزمة "التفاهم" الأميركي ـ الروسي الهش.
وعلى ما يبدو، أذعن جون كيري لوجهة نظر "صقور" الإدارة الأميركية، بأن التعاون مع موسكو ودمشق غير ممكن. وسار على دربهم، محملا الجيش السوري مسؤولية الغارات على مواقع الجيش في دير الزور!
وبهذا، أعلن الجيش السوري امس الاثنين، انتهاء التهدئة التي قالت موسكو إنها أصبحت بلا معنى، في تطور سيثير الكثير من التجاذب السياسي في أروقة الجمعية العامة للامم المتحدة التي تفتتح أعمالها في نيويورك اليوم.
وفي الوقت الذي تبادل فيه الروس والأميركيون الاتهامات بالمسؤولية عن الفشل، واصل الغزو التركي تمدده الهادئ شمالا. وقال رجب طيب اردوغان قبل توجهه الى نيويورك، إن "المنطقة الآمنة" التي يقيمها على الحدود يُمكن أن تمتدّ، على مساحة تصل إلى خمسة آلاف كيلومتر مربع، مشيراً إلى تطهير حوالي 900 كيلومتر مربّع في إطار عملية "درع الفرات".
وعلى الصعيد الميداني، أحبط الجيش السوري محاولات تسلل لمسلحي "داعش" في محيط الكلية الجوية في ريف حلب الشرقي وأوقع عشرات القتلى والجرحى في صفوفهم، فيما شنت "جبهة النصرة" هجوما على محاور جنوب غرب حلب. وردا على ذلك، نفذ الطيران السوري والروسي نحو 35 غارة في منطقة حلب مساء امس. كما أن التسوية التي لاحت في الأفق في حي الوعر في حمص، تلاشت فجأة بعدما رفضت الأمم المتحدة الانخراط في تنفيذها لإخراج المسلحين، وإعادة بسط سلطة الدولة.
ومن جانيها، عززت السعودية وقطر، الجهد التحريضي السياسي من نيويورك على دمشق. واستبقت الرياض اجتماعا لـ"المجموعة الدولية لدعم سوريا" اليوم لتقييم الوضع السوري، وجمعت ما توفر من مدعوّين، بينهم المنسق العام لـ"الهيئة العليا للمفاوضات" السورية رياض حجاب، لتعيد الإعلان انه لا يمكن أن يكون الأسد جزءاً من مستقبل سوريا لأنه "فقد شرعيته".
وكالعادة، حملت واشنطن موسكومسؤولية فشل الهدنة، وقال كيري ردا على الاتهامات الروسية للأميركيين بعدم الالتزام بالشق المتعلق بهم في ترتيبات التهدئة، بالقول إن الروس "أخفقوا"، ما يعني أن الانتقال الى المرحلة الثانية من تطبيق ترتيبات "التفاهم"، أي تشكيل غرفة العمليات المشتركة، ليس ممكناً.
وأوضح الوزير الأميركي "لم نحصل على سبعة أيام من الهدوء وتوزيع المساعدات الإنسانية".
وعند سؤال الصحافيين لكيري في نيويورك عن بيان الجيش السوري بإنهاء وقف إطلاق النار، قال إنه لا يزال هناك وقت لإنقاذ الهدنة، مضيفاً "كان من الأفضل أن لا يتحدثوا اولا الى الصحافة، وأن يتحدثوا الى الأشخاص الذين يتفاوضون فعلا على الأمر". وتابع "حان وقت إنهاء المزايدات، وحان وقت العمل الجاد لتوصيل المساعدات الإنسانية الضرورية، ولذلك فقد بدأتُ أمس فقط في رؤية حركة حقيقية للمواد الإنسانية، ولنرَ أين سنصل. سيسرنا أن نجري حديثا معهم" في إشارة الى الجانب الروسي.
وحمَّل كيري الجيش السوري مسؤولية الغارة التي نفذها "التحالف الدولي" ضد القوات الحكومية في دير الزور، معتبراً أن "انتهاك القوات السورية لوقف إطلاق النار ومنعها دخول القوافل الإنسانية أعاق بدء التنسيق الكامل بين روسيا والولايات المتحدة"، ما أدى لـ"الحادث المريع" يوم السبت.
ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي "سنستشير نظراءنا الروس لحثهم على الاستمرار في استخدام نفوذهم على الاسد حتى ينتهي ذلك. لقد رأينا تعليقات منسوبة للجيش السوري، ترتيباتنا مع روسيا، المسؤولة عن التزام النظام السوري، لهذا نتوقع من روسيا تفسير موقفهم (إعلان وقف الهدنة)".
وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة السورية قد أعلنت "انتهاء مفعول سريان نظام التهدئة الذي أعلن اعتباراً من الساعة السابعة من يوم 12-9-2016 (الاثنين الماضي) بموجب الاتفاق الروسي الأميركي"، الذي تم التوصل إليه في التاسع من الشهر الحالي.
وأوضحت في بيان أن "المجموعات الإرهابية المسلحة ضربت عرض الحائط بهذا الاتفاق ولم تلتزم بتطبيق أي بند من بنوده حيث تجاوز عدد الخروقات التي ارتكبتها أكثر من 300 في مختلف المناطق"، مضيفة أن تلك المجموعات "استغلت نظام التهدئة المعلن وقامت بحشد المجاميع الإرهابية ومختلف أنواع الأسلحة وإعادة تجميعها لمواصلة اعتداءاتها على المناطق السكنية والمواقع العسكرية والتحضير للقيام بعمليات إرهابية واسعة، خاصة في حلب وحماه والقنيطرة".
وفيما يتعلق بروسيا، فقد انتقد قائد الجيش الروسي الجنرال سيرغي رودسكوي بالولايات المتحدة التي لا تملك "وسيلة فعالة للضغط على المعارضة في سوريا"، معتبرا أنه "على ضوء عدم احترام المتمردين وقف إطلاق النار، فإن التزام قوات الحكومة السورية به من طرف واحد لا معنى له". واتهم "الولايات المتحدة والمتمردين الذين تسيطر عليهم والذين تصفهم بالمعارضة المعتدلة، بعدم احترام أي من التعهدات التي نص عليها اتفاق جنيف".
وقال رودسكوي "إن الطرف الروسي لا يلاحظ على الأرض انفصالا بين المعارضة وجبهة النصرة، بل على العكس تحالفا وتحضيرات تجري لهجوم مشترك"، معتبراً أن واشنطن لا تملك أي أدوات للضغط على "المعارضة المعتدلة" المسلحة، و"ليست على أدنى دراية بالوضع في سوريا، وأن الضربة الجوية التي نفذها التحالف الدولي مؤخرا لمواقع الجيش السوري (في دير الزور) خير شاهد على ذلك".