القصف ألأمريكي للجيش السوري.. موسكو تطالب بتفسير والهدنة على المحك

18.09.2016

تبادل ممثلو روسيا والولايات المتحدة إتهامات حادة خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت على خلفية مقتل جنود نظاميين في قصف أمريكي لمواقع الجيش السوري.

وسارعت ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانتا باور لوصف دعوة روسيا مجلس الأمن للانعقاد بالعمل "المنافق". فيما أكد ممثل روسيا لدى المنظمة الأممية فيتالي تشوركين أن تصرفات الممثلة الأمريكية غريبة، إذ قال للصحفيين "حين اجتمعنا للتشاور ورحت أعبر عن قلقي لأعضاء المجلس، تبين أنها خرجت إلى الصحافة ودون أن تسمعني راحت تنتقد وتشتم روسيا، وانتقدتنا حتى على دعوتنا للاجتماع".

وأضاف تشوركين أن باور دخلت قاعة المشاورات بعد أن أنهى مداخلته وأعلنت أنها غير معنية بالاستماع إليه، وأن هذا مجرد خدعة. وتابع تشوركين "في هذه الظروف لم أعد أنا معنيا بالاستماع لاتهاماتها لنا بكل الخطايا فخرجت، لكن وفدنا بقي".

وأعلن ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عقب انتهاء الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن، أن موسكو تنتظر من واشنطن أن تبرهن لروسيا وشركائها الآخرين على التزامها بحل سياسي في سوريا بعد أحداث دير الزور، وردا على سؤال حول إمكانية التحدث عن نهاية الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الهدنة في سوريا، قال تشوركين: "لا، هنا علامة استفهام كبيرة".

ووفق المندوب الروسي فإن الولايات المتحدة بضربها القوات السورية خرقت نظام وقف إطلاق النار المتبع في سوريا منذ فبراير/شباط، وانتهكت التعهدات التي قدمتها لدمشق حين بدأت حملتها العسكرية في سوريا.

وأشار تشوركين إلى أن توقيت الضربة، وجوانب أخرى تدل على أن هذا العمل ربما كان استفزازا، وحذر من أن هذا السلوك الأمريكي يعرّض للخطر تنفيذ الصفقة بشأن سوريا.

إلى ذلك قالت باور للصحفيين "يجب أن تخجل المتحدثة باسم الخارجية الروسية من تصريحها بأن الولايات المتحدة تدافع عن مقاتلي داعش"، وأضافت "هذه المجموعة قطعت رؤوس مواطنين أمريكيين، ونحن نرأس تحالفا من 67 بلدا للقضاء على هذه المجموعة، وفقد داعش 40% من أراضيه. هذا ليس لعبة، ولذلك يجب أن يخجل المتحدث الذي عبّر عن اعتقاد أننا نتعاون مع داعش".

ومن جانبها، دعت وزارة الخارجية السورية مجلس الأمن لإدانة الضربات الجوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة على القوات السورية وإلزام واشنطن بعدم تكرارها واحترام سيادة سوريا، كما اتهمت القيادة العامة للجيش السوري، في بيانها طيران التحالف الدولي بتعمد قصف مواقع الجيش بجبل ثردة، وهو ما "مهد بشكل واضح لداعش بالهجوم على الموقع والسيطرة عليه"

وعبرت وزارة الدفاع الأمريكية عن أسفها لمقتل الجنود السوريين نتيجة غارات التحالف الدولي، لكنها أصرت على أنها أبلغت العسكريين الروس بالغارات مسبقا ولم تسمع أي اعتراض.

وكانت موسكو قد دعت السبت مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لبحث الغارات الأمريكية الأخيرة على قوات الجيش السوري قرب دير الزور. وأعلنت الخارجية الروسية أن العسكريين الأمريكيين لم يعلموا روسيا بالعملية في دير الزور.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا "نطالب بتفسير كامل وتفصيلي من واشنطن. وهذا التفسير يجب أن يقدم في مجلس الأمن الدولي".

وأشارت زاخاروفا إلى أنه يستنتج من هذه الضربات أن الولايات المتحدة تدافع عن تنظيم "داعش" قائلة: "إذا كانت لدينا في وقت سابق شكوك بأنهم يتسترون على جبهة النصرة .. فالآن وبعد هجمات اليوم على الجيش السوري نصل إلى استنتاج مرعب: البيت الأبيض يدافع عن تنظيم داعش".

وأضافت المسؤولة الروسية : "إذا كان الأمر كذلك، ربما هذا هو السبب لرفض الجانب الأمريكي نشر الاتفاق الروسي الأمريكي حول سورية" وواصلت زاخاروفا "نطالب بتفسير من واشنطن: هل هذه سياسة متعمدة لدعم داعش أو أن هذا كان خطأ".

وقالت الخارجية الروسية إن الغارة الجوية تضع اتفاق وقف اطلاق النار السوري والذي تم التوصل إليه بين موسكو وواشنطن في التاسع من الشهر الجاري على المحك. مشيرة إلى أن الجانب الأمريكي لم يعلن عن خططه بشن عمليات في دير الزور.

وأكدت مصادر عسكرية روسية وسورية أن مقاتلات أمريكية قصفت مواقع للجيش السوري في دير الزور ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى في صفوفه ومكن "داعش" من السيطرة على جبل ثردة بمحيط مطار المدينة.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية السبت، أن 62 جنديا من القوات السورية قتلوا وأصيب أكثر من 100 استنادا إلى معلومات تلقتها الوزارة من الجيش السوري.

وذكرت الوزارة أن 4 مقاتلات أمريكية شاركت في الهجوم اثنتان من طراز - "F16"وأخريان من طراز "A-10"، وأكدت أن المقاتلات المهاجمة اخترقت الأجواء السورية من جهة الحدود العراقية وأن الهجوم مكن مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي من السيطرة على جبل ثردة في محيط مطار دير الزور.

وأشارت الوزارة إلى أن المقاتلات الأمريكية استهدفت الجنود السوريين وهم محاصرون من قبل "داعش". وذكرت الوزارة الدفاع أنه في حال كانت هذه الضربات قد نفذت بطريق الخطأ، فإن ذلك يؤكد موقف واشنطن المتصلب من تنسيق العمليات مع الجانب الروسي.

وأكدت الدفاع الروسية أن الضربات الأمريكية توقفت فقط بعد تواصل قيادة القوات السورية مع مركز العمليات المشتركة في قطر.

ومن جانبه قال التحالف الدولي في وقت لاحق إن مقاتلاته شنت غارات على خطوط إمداد تنظيم "داعش" قرب دير الزور. ونفى التحالف أن يكون قد تعمد استهداف مواقع الجيش السوري، قائلا إن "القصف قد يكون عن طريق الخطأ"، وأعلن أنه علق ضرباته الجوية قرب دير الزور.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الغارات الأمريكية التي استهدفت قوات الجيش السوري ليست الأولى من نوعها. وكانت هيئة الأركان العامة في الجيش السوري أكدت يوم الـ6 ديسمبر/كانون الأول 2015، أن طائرات تابعة للتحالف الدولي وجهت ضربة إلى المعسكر الميداني للواء 168 في الفرقة 7 بالجيش السوري، والذي يبعد كيلومترين غرب مدينة دير الزور.
وأسفرت هذه الغارة عن مقتل 4 جنود سوريين وإصابة 12 آخرين، بالإضافة إلى تدمير 3 عربات قتالية لنقل المشاة و4 سيارات مزودة بالرشاشات الثقيلة.

وفي وقت سابق السبت، صرحت موسكو بأن الوضع في سوريا "يسوء"، متهمة واشنطن بالسعي لانهيار الهدنة، بعدما حذّر الرئيس الروسي من أن الفصائل المُسلّحة تستغلّ الهدنة لتعزيز صفوفها.

وأشار الجنرال فلاديمير سافتشنكو إلى أن "الوضع في سوريا يسوء"، مؤكداً أن الفصائل المقاتلة نفّذت أكثر من 50 هجوماً على القوات السورية والمدنيين في الساعات الـ24 الماضية، ما أدى إلى مقتل 12 مدنياً بينهم طفلان ومتطوّع في الهلال الأحمر السوري.

وأوضح أن الفصائل المقاتلة تستغل وقف إطلاق النار لإعادة تجميع صفوفها "وتُخطّط لشنّ هجوم" و "من المحتمل أن تشهد مناطق حسّاسة مثل حلب ودمشق وطرطوس واللاذقية أعمالاً إرهابية".

بدوره، أكد الجنرال فيكتور بوزنيخير أن "روسيا تبذل كل جهد ممكن لتمنع القوات السورية من الردّ على النار (..) وإذا لم يتّخذ الجانب الأميركي الإجراءات اللازمة لتنفيذ التزاماته (..) فان الولايات المتحدة ستتحمّل مسؤولية انهيار وقف اطلاق النار".

وأشار إلى أن "عدم التزام الجماعات المُسلّحة غير الشرعية بوقف إطلاق النار وعدم وجود حواجز في الجزء الشرقي من طريق الكاستيلو الذي يُسيطر عليه المُسلّحون لا يسمح لنا بضمان توزيع آمن للمساعدات الانسانية في حلب".

ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره الأميركي جون كيري، خلال اتصال هاتفي السبت، إلى إشراك عسكريين أميركيين في آلية مُراقبة الهدنة المعلنة في سوريا.

وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن لافروف حثّ، في الحديث الذي جاء بمبادرة من الجانب الأميركي، واشنطن على الضغط على المُسلّحين لإيصال المساعدات الانسانية للمناطق المتضرّرة. كما دعاها إلى ضمان مشاركة الجيش الأميركي الكاملة في تطبيق آلية مراقبة الالتزام بوقف النار في سوريا والردّ على الانتهاكات.

ولفت لافروف نظر الجانب الأميركي إلى ضرورة فصل المعارضة المعتدلة عن الجماعات الإرهابية المستمرة في القتال وإجبارها على وقف إطلاق النار، مجدّداً الدعوة إلى الإفصاح عن فحوى الاتفاق الروسي-الأميركي حول سوريا بما يخدم تفادي اللبس، وإطلاع المجتمع الدولي على الوضع الحقيقي وسير تطبيق الاتفاق.

من جانبه، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السبت، التزام بلاده بتعهّداتها حول الهدنة في سوريا، داعياً واشنطن إلى الالتزام بدورها وإلى مزيد من الشفافية في الإفصاح عن مضمون الاتفاق المُشترك حول الهدنة في سوريا، بعدما رفضت الإدارة الأميركية الإفصاح عن مضمون الاتفاق خلال جلسة مُغلقة لمجلس الأمن الدولي، الجمعة، ما أدى إلى إلغائها في اللحظة الأخيرة.

وقال بوتين، في مؤتمر صحافي على هامش قمة رابطة الدول المستقلة في بيشكيك السبت: "شعورنا إيجابي أكثر منه سلبي بشأن وقف إطلاق النار، وأرغب في أن نكون صريحين مع بعضنا، لا افهم صراحة لماذا علينا أن نُخفي أي اتفاقات"، معتبراً أن الولايات المتحدة ترفض الإفصاح عن فحوى الاتفاق لأنه سيتّضح للمجتمع الدولي "ما يُنفذّه هذا الطرف أو ذاك، وما يعجز هذا الطرف أو ذاك عن تنفيذه".

واعتبر بوتين أن الولايات المتحدة تُواجه صعوبات في سوريا تتمثّل في عجزها عن الفصل بين المُعارضة "السليمة" والزُمر "الشبه إجرامية"، لأنها (واشنطن) "ترغب في الحفاظ على القُدرات القتالية للمُسلّحين ضدّ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد الشرعية".

وأكد أن الجيش السوري "ملتزم تماماً" بالهدنة، لكن الفصائل المُسلّحة "تستغلّ الهدنة لإعادة تجميع صفوفها".

وألغى مجلس الأمن الدولي، الجمعة، اجتماعاً طارئاً كان دُعي إليه لبحث الاتفاق الروسي-الأميركي في سوريا، بطلب من واشنطن وموسكو. وكان من المقرّر أن يُقدّم المبعوثان الأميركي والروسي، خلال الاجتماع، تفاصيل حول الاتفاق المشترك، لكنّ واشنطن رفضت نشر تفاصيل الهدنة.

واتهم مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، الجمعة، واشنطن برفض تقاسم وثائق مُتعلّقة بالاتفاق مع مجلس الأمن الدولي. واستبعد توصّل مجلس الأمن لقرار يدعم الاتفاق لإحجام واشنطن عن نشره. وقال: "لا نستطيع أن نطلب من أعضاء مجلس الأمن دعماً لموضوع، لا يعلمون ما هو مضمونه"، مضيفاً أن الولايات المتحدة ترفض ليس فقط توفير الوثائق، ولكن "حتى مجرد قراءة هذه الوثائق لأعضاء مجلس الأمن".

وتتحفّظ الولايات المتحدة على إطلاع الأمم المتحدة على تفاصيل الاتفاق، مُشدّدة على حرصها على سلامة بعض الفصائل المُسلّحة التي يدعمها الأميركيون في سوريا.

وبرّر المتحدث باسم البعثة الأميركية في الأمم المتحدة سبب إلغاء الاجتماع بقوله إن من شأن ذلك أن يُؤثر على إيصال المُساعدات الانسانية.

وقال ممثل البعثة: "نحن نُركّز الآن على تنفيذ الاتفاق، خاصة فيما يتعلّق بالحاجة الماسّة لإيصال المساعدات الإنسانية، وبما أننا لم نتمكّن من الاتفاق على نهج لإعلام مجلس الأمن، الأمر الذي من شأنه أن ينتهك الإجراءات الأمنية للتحضيرات، فقد تمّ إلغاء الاجتماع، ونتوقّع مشاركة كبيرة في قمة بخصوص سوريا الأسبوع المقبل، عندما يجتمع قادة العالم في نيويورك".

بدوره، أعرب الرئيس الأميركي باراك اوباما، الجمعة، عن قلقه من عدم تطبيق العناصر الرئيسية في الاتفاق الأميركي-الروسي حول سوريا حتى الآن.

وقال البيت الأبيض إن أوباما بحث مع مجلس الأمن القومي الأميركي الثغرات في تطبيق الاتفاق، مضيفاً أن "الرئيس عبّر عن قلقه العميق من أنه على الرغم من تراجع العنف في البلاد، يُواصل النظام السوري عرقلة إيصال مساعدة انسانية ضرورية".

وأعلن المركز الروسي للهدنة في سوريا "حميميم"، السبت، التوصّل لاتفاق على مرور قافلة مساعدات إنسانية، الأحد، إلى مدينة المعضمية في ريف دمشق.

وقال رئيس المركز الروسي للهدنة في سوريا فلاديمير سافتشينكو إن "الحكومة السورية تضمن مرور قافلة المساعدات بالأراضي الواقعة تحت سيطرتها، لكن مسألة أمن القافلة أثناء مرورها بالأراضي التي تُسيطر عليها المُعارضة المُعتدلة، التي يُمكن التأثير عليها فقط من قبل الولايات المتحدة" غير مضمونة بعد.