هل تحدث معركة كبرى في الجنوب السوري خلال الفترة القادمة؟
كان العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 قد انتهى بانتصار كبير ذي أهمية قصوى لمحور المقاومة في تحديد مسارات المنطقة وهويتها المستقبلية، بل لعل هذا الانتصار كان منعطفا حاسما على المستوى الدولي، حيث ظهر جليا لمحور القطبية الأحادية أن إسرائيل لم تعد صالحة لرسم الأهداف في منطقة الشرق الأوسط وأصبحت عاجزة عن دخول الحروب والانتصار فيها، وأن القوة العسكرية الجبارة التي تملكها والتكنولوجيا المتطورة جدا لديها لم يعودا قادرين على حسم المعركة لأن الطرف المقابل يملك العقيدة وهو مستعد لدفع ضريبة الدم دفاعا عن قيمه وأرضه ومقدساته، وانتهت مرحلة أخرى من مراحل الصراع مع محور القطبية الأحادية بنتيجة مفادها أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي للنصر في المعركة ولا بد من بذل الدماء للانتصار في المعارك القادمة.
ولأن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لا يملكون إرادة بذل الدماء وفشلوا نتيجة لذلك في حروبهم السابقة في العراق وأفغانستان، لذلك فإن الانتصار في عام 2006 قد أوصل المحور الأمريكي إلى قناعة مفادها ضرورة الاعتماد على الأدوات في الإقليم، التي تقدم الدماء لإرواء أحقادها، واستثمار الاختلاف الطائفي والمذهبي لإنهاء الدول التي تعارض محور القطبية الأحادية، ورسم خريطة جديدة في الشرق الأوسط تكمل الطوق حول روسيا، هذا الطوق الذي يجب أن يتشكل من خلال كيانين كبيرين، الأول كان الاتحاد الأوروبي الذي بدأ فعليا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وضم إليه دول أوروبا الشرقية ودول أخرى تحيط بروسيا بهدف استراتيجي وحيد هو عزل روسيا، والثاني كان تشكيل كيان كبير آخر هو "الامبراطورية العثمانية الجديدة" يضم دول الشرق الأوسط وخاصة الدول التي تعارض الهيمنة الأمريكية، ويعتمد فكر الاخوان المسلمين، وتقوده تركيا بما يمثله حزب العدالة والتنمية التركي من فكر الاخوان المسلمين المتمدن القابل للتأقلم مع الغرب والقابل للتعاون مع اسرائيل، لتتم محاصرة روسيا وحرمانها من الكثير من الميزات التي تجعلها أقل من قوة إقليمية، وليتحقق بذلك حلم السيطرة الكاملة على العالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد فشل التدخل الأمريكي المباشر في العراق وأفغانستان في المرحلة الأولى وفشل الحرب الاسرائيلية على المقاومة في لبنان في المرحلة الثانية جاءت المرحلة الثالثة باستخدام الاسلام السياسي (الاخوان المسلمين والوهابية) لتدمير سوريا التي تمثل مركز المحور المقاوم في المنطقة، هذا المحور الذي يضم أيضا حزب الله وإيران وبعض القوى الفلسطينية والعراقية واليمنية، وبدأت الحرب التي نعرفها جميعا على سوريا منذ العام 2011 وجمع المحور الأمريكي لها كل شياطين العالم من الوهابيين والتكفيريين وسخر أموال البترودولار الخليجي لخدمتها، ولكن المحور المقاوم مع روسيا استطاع الثبات في الميدان والتصرف بحكمة عالية لإظهار وحشية أولئك الذين يدعون أنهم ثوار، واستعاد بعد ذلك المبادرة وحقق انتصارات متعددة على الأرض السورية، كان آخرها وأهمها الانتصار في معركة حلب، التي كان من أهم نتائجها أن كل هؤلاء التكفيريين الجهاديين، الذي كان عدد المقاتلين الأجانب بينهم على كامل الأرض السورية يزيد عن الثلاثمائة ألف، قد انهزموا هزيمة نكراء في حلب على الرغم من كل ذلك الدعم المقدم لهم على كافة الصعد العسكرية والمالية والإعلامية واللوجستية وغيرها.
لهذا السبب تعتبر معركة حلب حدا فاصلا يمكنه أن يكون حاسما في تحديد مستقبل العالم، لأن فشل المحور الأمريكي في معركة سوريا واستنفاذه لكل أدواته وخياراته يجعله عاجزا تماما عن الاستمرار كقطب أوحد ويؤسس فعليا لقطبية متعددة تنهي الهيمنة الأمريكية على العالم وتؤسس لنظام دولي جديد، وهذا أمر ستسعى الولايات المتحدة لتجنبه تحت جميع الظروف، إضافة إلى أن هناك خاسر آخر لا يستطيع تحمل مثل هذه الخسارة هو اسرائيل، التي تعلم أن انتصار سوريا وحلف المقاومة يعني إنهاءاً تاما لدورها الاقليمي ويجعلها عاجزة وضعيفة في المنطقة.
إن الخسارة الكاملة في الحرب السورية بالنسبة للولايات المتحدة واسرائيل أكبر بكثير من الخسارة في حرب 2006، لكن الولايات المتحدة تستطيع أن تجد حلولا وسطا مع الدولة الروسية مع ضمان حقوق الحلفاء في محور المقاومة لأن عدم القبول بمثل هذه الخسارة في سوريا سيعرض الأمن الدولي برمته للخطر، ولأن الدخول في حرب كونية ليس نزهة بسيطة للولايات المتحدة ولا لغيرها، ولا يستطيع أحد ما إعطاء القرار ببدئها. ولكن إسرائيل لا تستطيع قبول مثل هذه الخسارة، فهل تستطيع إسرائيل التأثير على الرئيس الأمريكي الجديد لعدم القبول بنتائج الحرب السورية التي أظهرتها معركة حلب؟ وما هي البدائل لذلك؟
الولايات المتحدة لا تستطيع المغامرة باستمرار التوتر على الصعيد الدولي أو المغامرة باستمرار دعم الارهاب الذي لم يستطع تحقيق ما طلب منه في الساحة السورية، ولكن الولايات المتحدة قد تعطي فرصة أخيرة لإسرائيل ولأدواتها في المنطقة لأشهر قليلة فقط، للتحضير لمعركة في الجنوب السوري لأن الخاسر الأكبر، إسرائيل، لن تقبل بكل التطمينات الروسية لها، وستسعى بكل ما تملكه من تأثير، وهو لا شك تأثير كبير في الولايات المتحدة، على طلب مهلة محددة قبل بداية تفعيل الاتفاقات الدولية حول سوريا.
هناك خشية لدي من معركة كبرى في سوريا في الجنوب السوري ستحدد مصير الحرب السورية وترسم خطوط النظام العالمي الجديد. لأن الأتراك ولو كانوا يحاولون الحفاظ على ما تبقى لهم من مصالح في المنطقة وعلى الرغم من أنهم خسروا الثقة بالولايات المتحدة فلا مانع لهم من محاولة أخيرة، وهم لا شك سيعودون إلى خطهم الأول في حال نجاحها. في حال نجحت الجهود الإسرائيلية في ذلك، فسيتم الجمع والتحضير للمعركة القادمة من الاردن، حيث أرسلت للأردن بعض الرسائل الدامية في الأيام الماضية، وسيتم التحضير لها باستخدام كل الوسائل الممكنة وكل التكنولوجيا التي نعرفها ولا نعرفها، وكل المال الخليجي، وكل التكفيريين الذين انسحبوا من حلب ومن كل المدن السورية، وسيحضر من أجلها أفاعي جدد أشد وأنكى، ولن تطول كثيرا عمليات التحضير لمثل هذه المعركة، فلتكن عيوننا باتجاه درعا لأن المعركة الأخيرة القادمة قد تكون في الجنوب السوري وبعدها يتحدد مصير المنطقة والعالم، إما بانتصار محور القيم وبنهاية التكفير وداعميه، الذين يستمرون اليوم في دعمه بطلب أمريكي، وعندها سيحصل كل محور على نصيبه العادل بدون إهمال لأحد لأننا نقبل بالآخر ونحترم حقوقه، وإما بانتصار محور القطبية الأحادية وعندها سنعيش في عالم مجنون لا يهدف إلا إلى مزيد من الجشع والهيمنة والكثير من الحروب المستقبلية. وأرجو من الله أن أكون مخطئا وتبدأ عملية اسلام في سوريا بخطواتها الأولى.