هل سينجح الاتفاق الثلاثي الروسي التركي الايراني حول سوريا؟
لاشك أن كل المحبين للسلام يتمنون انتهاء الحرب السورية، نتيجة لما خلفته من آهات وعذابات كبيرة للشعب السوري ولشعوب المنطقة وربما للكثير من شعوب العالم من خلال آثارها ونتائجها على المستويين الاقليمي والدولي.
ولا شك أيضا أن المحور الذي تقوده روسيا ينطلق من رؤيته وسعيه الدائم لتحقيق السلام في سوريا والمنطقة وفي العالم بما يحقق التخلص من هذا المرض السرطاني الذي يهدد العالم بأسره، وهو الارهاب الذي أصبحت سوريا مركزا له، وأصبح العالم كله في خطر حقيقي من هذا الارهاب المهاجر من كل دول العالم إلى سوريا لينشأ مركزا دائما له، وينطلق منه ليضرب في كل مكان لا يتناسب مع ايديولوجيته وتعصبه وأفكاره.
وكما هو الحال في قانون انحفاظ الطاقة في الفيزياء "لا شيء يفنى ولا شيء يأتي من العدم" فهذا الارهاب المهاجر إلى سوريا لم يأت من العدم، بل إن المحور الذي تقوده الولايات المتحدة هو الذي خطط ودفع المال وقدم الدعم بكل أشكاله ليصبح الارهاب على ما هو عليه في سوريا، كوسيلة لتحقيق أهداف متنوعة معروفة منها ما يخدم الولايات المتحدة ومنها ما يخدم الدول الاقليمية مثل إسرائيل وتركيا والسعودية وقطر وغيرها. ولكن هذا الارهاب لم يعد خطرا على سوريا وحلفها فقط بل بدأت تظهر بعض أخطاره على داعميه ومموليه والراعين له.
شعوب العالم كلها أصبحت واعية لخطر هذا الارهاب المتمثل بداعش والنصرة، ولكنها أصبحت تعرف أيضا أن الفكر الذي غذى هذا الارهاب هو الفكر الوهابي الذي انتشر بقوة البترودولار الخليجي في كل انحاء العالم واستغل التسامح الديني والتسامح الديموقراطي في كثير من الدول ليصبح كامنا بين شعوبها متحفزا لوجود فرصة مناسبة ليستغلها ويكشف عن هويته ووجهه البشع في الوقت المناسب.
هذا الوعي لدى الشعوب الغربية - التي تنتمي حكوماتها أصلا للحلف الراعي لهذا الارهاب- أجبر الحكومات الغربية للتراجع خطوة إلى الوراء والتظاهر بأنها تحارب هذا الارهاب، والحقيقة أنها تحارب أحيانا بعض فصائله التي تهددها مباشرة كداعش، وتدعم الفصائل التي تحمل نفس الفكر ولكن لا تحارب الغرب بل تحارب خصومه في العالم كالنصرة وما يسمى بالفصائل المعتدلة في الساحة السورية. تراجع الغرب خطوة إلى الوراء لم يحرم الارهاب من الدعم فهناك في الاقليم دول متحالفة مع هذا الغرب تقوم بهذه الوظيفة بالتنسيق والتعاون الكامل معه.
لعل من أهم النجاحات التي حققها الحلف الذي تقوده روسيا في سوريا هو الانتصار في معركة حلب التي شكلت منعطفا استراتيجيا للحرب على الارهاب في سوريا، وظهر واضحا بعد معركة حلب أن الحلف الأمريكي لا يستطيع تحقيق الأهداف التي عمل عليها في سوريا من
خلال الارهاب، ولم يعد لدى هذا الحلف الغربي الوقت الكافي للمناورة وتجربة سيناريوهات جديدة بسبب ما يشكله الارهاب من ضغط حقيقي على أوروبا وبسبب تزايد الوعي لدى شعوب هذه الدول وانتقادها لسلوك حكوماتها حيال الأزمة السورية وحيال الارهاب. وربما هذا هو السبب الذي يوضح جوهر السماح لتركيا من قبل الحلف الأمريكي بلعب هذا الدور في الاتفاق الثلاثي الروسي التركي الايراني، ليقولوا أن محورهم يحاول من خلال تركيا إيجاد الحلول لوقف إطلاق النار وللحل السياسي في سوريا، مع التأكيد أن تركيا تنطلق من محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه لديها وتجنب بعض الأخطار المحدقة بها، وهي تنطلق من رؤية ذاتية وليس من رؤية مشتركة مع حلفائها التقليديين.
الاتفاق ينص على وقف إطلاق النار على كافة أراضي الجمهورية العربية السورية (ماعدا النصرة وداعش والمنظمات الداعمة لهما) بضمانة روسية وتركية، ومن ثم الجلوس على طاولة الحل السلمي في الأستانا بعد شهر من وقف إطلاق النار. لاشك أن الروس يستطيعون ضمان حلفائهم الذين يملكون نفس الرؤية معهم وسيلتزمون بوقف إطلاق النار، ولكن هل تستطيع تركيا ضمان التزام حلفائها بالاتفاق؟
تركيا تستطيع ضمان بعض المنظمات المسلحة التي ترتبط بها وتزودها بمختلف أشكال الدعم المالي واللوجستي ولكن ليس بشكل مطلق، لأن القواعد الشعبية في هذه المنظمات المدعومة تركياً تميل إلى فكر النصرة ولا تجد نفسها مع الخط التركي الجديد الذي يضع المصالح التركية أولا, علاوة على أنها لا تمون أساسا على تلك المنظمات المسلحة المدعومة من السعودية ودول أخرى والتي تجد أن مصالحها مختلفة عن المصالح التركية. أما النصرة المدعومة حتى اللحظة من تركيا والسعودية ودول أخرى فهي تشكل الملف الأصعب، لأن أغلب الدول في المحور الأمريكي تدعمها سرا وتصنفها إرهابية في العلن. وتركيا تخشى موقفا جديا ضد النصرة لأن مثل هذا الموقف سيوحد النصرة وداعش في لحظة ما ضد تركيا التي بدأت تخشى كثيرا على أمنها من داعش والأكراد وربما النصرة مستقبلا وربما من بعض حلفائها أيضا.
الاتفاقات تنجح فقط بين الذين يؤمنون بالعيش المشترك مع بعضهم أو على الأقل ممن يضطرون للقبول بالعيش المشترك مع بعضهم، هؤلاء الارهابيون في سوريا يحملون فكرا لا يقبل كل الآخرين ولو كانوا من نفس الدين أو من نفس المذهب، ولذلك هم لن يذهبوا إلى اتفاق مع الدولة السورية لا في الأستانا ولا في جنيف ولا في أي مكان آخر إلا إذا اضطروا لذلك. وهم سيضطرون إلى ذلك عندما يتأكدون أن الدعم الخارجي قد توقف فعلا. وهذا الفهم لن يكون متاحا بالنسبة لهم من خلال معركة حلب وحدها فهم سيحتاجون إلى جولات أخرى غير حلب ليعلموا أن العالم جاد بمحاربتهم وأنه قد عقد العزم على استئصال فكرهم الذي سبب كل هذه الويلات للعالم عموما ولسوريا وللمنطقة خصوصا.
لذلك نستطيع الاستنتاج متأسفين أن الاتفاق لن ينجح وأن هؤلاء الارهابيين ما يزال لديهم فائض من الاحساس بالقوة وبالدعم الخارجي المتواصل حتى اللحظة. الحل في سوريا سيحتاج إلى وقت أطول ليغير فكرا عشعش في نفوس الارهابيين طويلا، وكل معركة قادمة ينتصر فيها "محور القيم" سترسم في عقول هؤلاء تغييرا ما في عقلهم الباطن وسنحتاج لتغييرات كثيرة
حتى يشعر هؤلاء بالحاجة للخروج من أفكارهم المريضة والقبول بالعيش المشترك مع الآخرين.