روسيا وتركيا: بين التطابق في المواقف والموثوقية

28.12.2016

في هذا التحليل الموجز أو التقييم ننظر إلى الإمبراطورية العثمانية وتركيا كمفهوم واحد، فمنذ انطلاق مفهوم "العثمانية الجديدة" يظهر حاليا غضب في تركيا، حتى لو كان يعكس ببساطة حالة من الغطرسة لمرحلة ما بعد الإمبراطورية التي انتهت رسميا في عام 1923. وقبل البحث في السنوات القليلة الماضية، دعونا نتذكر أنه حتى عندما كانت الإمبراطورية الروسية في حالة ضعف، انتصرت في معظم حروبها ضد العثمانيين، بين القرنين السادس عشر والعشرين، وفي المرة التي لم تفز فيها بسرعة وبشكل حاسم، بالسيطرة على القسطنطينية - كان الأمر نتيجة للتدخل الانكليزي أساسا.

في الأيام اللاحقة تم الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية في الواقع من قبل البريطانيين والتعاون النمساوي الهنغاري لأسباب استراتيجية أنانية خاصة. اليوم تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا المنضوية تحت رعايتها بدعم تركيا، من خلال عضوية حلف شمال الاطلسي التركية (التي يعود تاريخها إلى عام 1952)، ومن خلال صندوق النقد الدولي وإمدادات الأسلحة وتغض الطرف عن احتلال تركيا غير الشرعي لقبرص.

في عام 1919، عندما كانت الإمبراطورية العثمانية في تراجع نهائي، كتب دبلوماسي بريطاني شهير: "بالنسبة للأتراك كنت، وسأبقى، لا أظهر أي تعاطف من أي نوع نحوهم. إن الإقامة الطويلة في القسطنطينية أقنعنتي بأن وراء حالة التراخي التركي حالات شديدة الوحشية. هذه القناعة لم تقلص من السلوك تجاه حامية الكوت أو تجاه الأرمن في الجوار. لم يساهم الأتراك بأي شيء على الإطلاق في التقدم البشري: هم نوع من لصوص الأناضول: أنا أرغب فقط بأن تضم معاهدة السلام الأناضول".

ولكن لم يكن لطموحات فينيزيلوس من خلال خيانة الحلفاء في اليونان أن تعني أن الدولة الجديدة التركية سوف تسيطر على القسطنطينية بل على تراقيا الشرقية. ومن أجل ذلك، لعبت روسيا دورا مهما: ففي عام 1920، زود لينين أتاتورك بالذهب والأسلحة (نعم، حاز الانتهازي أتاتورك على اعجاب "لينين لبعض الوقت!). لماذا؟ لأن صديق روسيا التقليدي، وهو اليونان، قام بخيانتها من خلال قتال البلاشفة في أوكرانيا. ثبت أن بلاستيراس كان كلب بريطانيا. ومنذ أن رسمت معاهدة كارس حدود تركيا مع الاتحاد السوفيتي، كانت تركيا عنصرا رئيسيا في السياسات الأنجلو ساكسونية المعادية للسوفييت ثم المعادية لروسيا ، وإلى هذه النقطة حيث تركيا، مع أهمية موقعها الجغرافي تحصل على أقصى فائدة ممكنة، تجسد ذلك ربما عن طريق غزو قبرص الذي سمحت به الولايات المتحدة، وذلك لأن مواقع راداراتها العسكرية في تركيا. دعونا نتذكر أن رغبة تركيا بالسماح للصواريخ النووية الأمريكية على أراضيها عجل بأزمة الصواريخ الكوبية. وحتى أن اطلاق النار التركي الجبان على الطائرة الروسية ومقتل الطيار كان ممكنا لأن تركيا هرعت على الفور لغطاء الناتو من أجل الحماية.

بالنظر إلى السياق أعلاه، فمن المحتمل جدا أنه بدون الدعم غير العقلاني البريطاني والامريكي فتركيا كما نعرفها لن تكون موجودة أو أن على الأقل يجب أن تكون أصغر بكثير مما هي عليه. وعلى النقيض من روسيا، التي تتمتع بهوية حقيقية، فإن

الأتراك لا يعرفون دائما هويتهم. ثلاثة وتسعين عاما ليست مدة طويلة في تاريخ الدول. كان الأتراك الشباب وأتاتورك متهورين في تقليد عادات أوروبا الغربية ، ربما لأنهم كانوا غير متأكدين من هويتهم على وجه التحديد، أو لم يشعروا بمخزون ثقافي لديهم. حتى أنهم ألغوا الأبجدية العربية واستخدموا الأحرف الرومانية كما تجاهلوا العديد من الكلمات العربية واستخدموا بدلا عنها الكلمات الأوروبية.

الكثير من الأتراك المتعلمين هم بحاجة ماسة كي تصبح تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، ربما حسدا لجيرانهم "المتطورين". لقد كتب دبلوماسي بريطاني آخر: "لا شك أن هناك سلالات عرقية أوروبية متنوعة، ولكنها ليست قوية كالآسيوية. لغتهم الفريدة هي آسيا الوسطى في الأصل. لا يوجد أي سبب طبيعي يجعل الأتراك مصرين على تمسكهم بانتمائهم للدول الأوروبية. هم ضحية الى حد كبير لأقوال كمال أتاتورك".

تركيا الحديثة هي مزيج غريب من الهياكل الغربية المدعومة بالعادات العثمانية. حكوماتها المختلفة، سواء كانت عسكرية أم لا، ما زالت متأثرة بشدة بالجيش الضخم، والتناقض بين الدين والعلمانية. روسيا تعرف ذلك، وتعرف أن عقلية البازار تسود في السياسة الخارجية التركية. بدلا من إثارة انهيار الدولة التركية الهشة، روسيا تفضل إضعاف منظمة حلف شمال الأطلسي ، وجعل تركيا في منطقة نفوذها، في مصلحة الاستقرار في الشرق الأوسط.