تركيا: نهاية "القومية" المدعومة أطلسيا؟
لعقود خلت خلال الحرب الباردة، جسد جناح القومية التركية معركة داخلية في حلف شمال الأطلسي في تركيا. كما تم اخماد خطر المد الشيوعي بحلول عام 1991، حيث افتقر القوميون الى دلالات واضحة للعمل السياسي. وتبوأت الأنشطة الإرهابية لحزب العمال الكردستاني نقطة اتصال جديدة في الخطاب القومي , بحيث كانت المخاطرة كبيرة جدا للعب دور مباشر في هذه المعركة لأنها قد تشعل الصراعات العرقية بين الأتراك والأكراد.
اكتسبت حركة القوميين زخما كبيرا في عام 1998، عندما تم القاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ورحل الى تركيا.
وباعتبار أن حزب الحركة القومية قد دخل البرلمان باعتباره ثاني أكبر حزب وحصل على ما يقارب على 20 بالمائة من مجموع أصوات المنتخبين. إلا أنه خان الثقة التي منحت له. قام دولت بهجلي والذي لا يزال في منصبه كزعيم لحزب الحركة القومية، بالحنث بوعده في إعدام اوجلان، متراجعا أمام ضغوطات الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة . تسبب هذا القرار بخيبة أمل كبيرة لدى جمهور الناخبين وخسارة الحزب المبدئية لأصوات الناخبين التي انخفضت الى النصف عما كان في عام 2002 . منذ ذلك الزمن تعثر القوميون الأتراك في محاولاتهم للعثور على سبب لوجود حزبهم . وهذه الحالة استمرت حتى 15 تموز 2016.
أعادت محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو تشكيل السياسة التركية بالطول والعرض على نطاق واسع. في ليلة 15 تموز يوليو الرهيبة ، كان بهجلي أول رجل دولة أعرب عن رفضه للانقلاب، قائلا أن حزبه يقف متضامنا بشكل كامل مع الحكومة.
خلال اجتماع مع ييني كابي انعقد في السادس والعشرون من شهر تموز، قال بهجلي: " دعونا نظهر للولايات المتحدة كم تركيا قوية وكم نحن متحدون وكم نحن مفعمون بالحيوية".
في الواقع، كان بهجلي على حافة مواجهة الفوضى العارمة في حزبه قبل محاولة الانقلاب.
كانت المعارضة الداخلية تتسع كل يوم، وحتى أقرب المقربين له مثل "يلدرم تورغال" واوكتاي فورال " كانوا على وشك تقديم استقالتهم والابتعاد عنه وترك الحزب. غير أنه أصبح اليوم المحور الأساسي في المشهد السياسي التركي.
وبينما يدعي العديد من المحللين الأتراك أن بهجلي أصبح مجرد تابع لحزب العدالة والتنمية، فإني أعتقد أنه على نقيض ذلك تماما. فبهجلي هو الذي رعى قضايا أساسية مثل استمرار النضال ضد حزب العمال الكردستاني، واستعادة عقوبة الإعدام والاستفتاء على تحويل النظام في تركيا إلى نظام رئاسي.
في هذه المواضيع كافة ، وبعد الضوء الأخضر من بهجلي فقط تمكن حزب العدالة والتنمية من تفعيل أجندته السياسية الخاصة به.
ومع مرور الزمن، كان طغرول توركيش السياسي القومي الأول، الذي رأى أن تركيا تواجه خطرا كبيرا فيما يخص الأمن القومي.
عندما انتقل تورركيش الى حزب العدالة والتنمية في آب 2015، وكونه الابن الأكبر لمؤسس حزب الحركة القومية البارسلان توركيش فقد تم انتقاله بصعوبة بالغة في تلك الآونة . على أي حال وخلال شرحه لأسباب القرار الذي اتخذه فقد عزاه الى الأسباب التالية:
إن الاتجاه الفعلي لحزب الحركة القومية غير مدروس. أعداء دولتنا وشعبنا يحتشدون في جميع أنحاء وطننا الام. وعلى الرغم من أنهم اشهروا أسلحتهم إلا أنهم صوبوها في وجهي ! أي نوع من القوميين هم؟"
في الواقع عندما كان نائبا للرئيس بهجلي، كان توركيش العضو البرلماني الوحيد الذي حذر من تشكيل الدولة الموازية على يد غولن. وعندما عبر عن موقفه بشأن عملية الشرطة في المقر الرئيسي لصحيفة غولن "زمان" في اسطنبول فقد كتب توركيش التغريدات التالية :
"هؤلاء الذين رسموا مؤامرات ضد جيش البلاد منذ سنوات عدة، يطالبون الآن بالعدالة . هؤلاء الذين كانوا يدعون بالقول " إن هؤلاء الذين سجنوا لم يسجنوا بصفتهم صحفيين بل بصفتهم إرهابيين" يدافعون الآن عن حرية الصحافة. العدالة للجميع .
لقد كان توركيش يشير بشكل واضح الى محاكمة ايرجينكون من قبل أتباع غولن بهدف الإطاحة بأفراد الجيش القوميين كذلك بالكوادر المعادية للامبريالية. عندما كان بهجلي يدعو الى سياسة التوازن تجاه غولن، سبقه توركيش في الإعلان عن مبادئه وفكره بوضوح. وعندما غادر توركيش حزب الحركة الوطنية لينضم الى حزب العدالة والتنمية، أثارت هذه الحركة غضب بهجلي والذي يسير اليوم على خطى توركيش.
كما أكدت من قبل، طغرول توركيش هو الابن البكر لالبارسلان توركيش ، "القائد" الأسطوري (باشبوغ، باللغة التركية) للذئاب الرمادية ( بوزكورت، باللغة التركية) . على الرغم من عيوب الأيديولوجية، جسد البارسلان توركيش مدرسة فكرية، وتقليدية، ورؤية سياسية. و كان طغرول توركيش أول تلاميذه بالطبع وأول مريديه. خلال الحرب الباردة، ربما كان من الحكمة للقوميين الأتراك العمل تحت مظلة حلف شمال الاطلسي في ضوء الظرف الصعب في ذلك الوقت. غير أنه ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وخصوصا بعد 11/9، كان يرسم نظام عالمي جديد. ومع تحول النموذج الدولي، تطورت مصالح الدول . فتحول الأعداء القدماء فجأة إلى أصدقاء موثوقين في حين تحول الحلفاء القدماء سريعا إلى خصوم أشداء.
غيرت محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو 2016 ملامح مهمة في السياسة التركية التقليدية. ولكن هذه التغييرات ليست عميقة بما فيه الكفاية. تحتاج تركيا إلى تحول جذري في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. تصرف القتلة "الغولونيون" نيابة عن الولايات المتحدة والعالم يعرف ذلك. لذا لن يكون طلب تسليم غولن كافيا. يجب على تركيا الخروج من حلف شمال الاطلسي في أسرع وقت ممكن، وإغلاق القاعدة العسكرية إنجرليك . وتعتبر القرارات الحاسمة بشأن هاتين المسألتين أمرا أساسيا.
بينما يقترب القوميون الأتراك من أردوغان (أو هل ينبغي أن نقول أن أردوغان يقترب منا) ، يجب وضع نظام قومي جديد. لقد حان الوقت للقوميين، الذين هم في الواقع قاطرة رئيسية للتغيير في تركيا، للتخلي عن حربهم الباردة وتبنى موقف ثوري بشأن القضايا المحلية والخارجية.
يجب على القومية التركية إصلاح نفسها من الداخل. كما أن نهجا جديدا تجاه الأكراد والأقليات الدينية مطلوب. إن القومية في بلد ما لها معنى فقط إذا كانت تأخذ بالاعتبار التركيبة السكانية الديموغرافية والاجتماعية والثقافية. والقوميون أيضا مدعوون إلى إعادة النظر في سياساتهم الاقتصادية. إذ لم تعد الرأسمالية المالية ولم تكن أبدا نموذجا للتنمية المستدامة. وقبل كل شيء، يجب أن نضع مصالحنا الوطنية قبل المكاسب الأميركية المدمرة.
قبل مائة عام، رسم الامبرياليون الغربيون الحدود في الشرق الأوسط، وهو السبب في أننا لا نزال نعاني حتى اليوم في القرن الحادي والعشرين. إن الشعوب والأمم في جميع أنحاء العالم تستيقظ اليوم وكذلك يفعل الشعب التركي. تماما كما كانت قبل قرن واحد، تمثل القومية مرة أخرى الديناميكية الرئيسية للتغيير. إلا أننا هذه المرة، يجب أن نكون أكثر حكمة وبراعة. في الوقت الحاضر، هناك شعار واحد فقط صحيح للاعتماد في جميع الحركات الوطنية في جميع أنحاء العالم:
"فلتسقط المؤامرة الماسونية الدولية! فلتسقط الامبريالية الصهيونية! ولتتحد جميع الدول المضطهدة في العالم! "