هدف امريكا من اغتيال السفير الروسي
لمزيد من الإطلاع، يفضل مراجعة الجزء الأول من هذا المقال.
بامكاننا ان نشبه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف براقص الباليه الذي يقدم استعراضاته البارعة وسط حقول الالغام، ويحسن انتقاء موقع قدمه في كل بقعة يطأ عليها.
استطاع لافروف ان يجرد السياسة الامريكية حتى من ورقة التوت واظهرها امام العالم على حقيقتها الداعمة للتنظيمات الارهابية، والمصرة على ممارسة سياسة البلطجة في العالم.
بفضل سياسته المتأنية والبعيدة النظر استطاع استقطاب الحكومة التركية الى جانب التحالف الروسي-الايراني مستغلا سوء العلاقات التركية مع حلفائها التقليديين.
وقد نجحت روسيا بذلك لانها لم تتعامل مع تركيا بطريقة فوقية كما يفعل الامريكيون والاوربيون بل، تعاملت معها كشريك كامل الحقوق.
ونتيجة هذا التنسيق القائم على الاحترام المتبادل تغير الواقع الجيو-سياسي على جبهات القتال في سوريا. سواء كان هناك تنسيق مع سوريا ام لا، فان التدخل التركي قدم خدمة لاتقدر بثمن لصالح الحكومة الشرعية فيها. فالقوات التركية تحارب الحركات الانفصالية الكردية المدعومة من امريكا بالاضافة الى محاربتها لبعض الفصائل المسلحة المتطرفة وهذا يصب في النهاية في مصلحة الحكومة الشرعية السورية. كما ان تراجع الحكومة التركية عن اطماعها باحتلال جزء من الاراضي السورية، وتراجعها عن هدف اسقاط الرئيس بشار الاسد والصلاة في المسجد الاموي، يعتبر انتصارا للحكومة السورية الشرعية.
والفضل الاكبر بذلك يعود للسياسة الروسية البارعة التي احسنت استغلال الفرصة المناسبة في الوقت المناسب، حيث قامت باستبدال الدور الامريكي بالدور التركي بنجاح تام وقد تجلى ذلك مؤخرا في اعلان موسكو.
كل هذه النجاحات للسياسة الروسية كانت تزعج الادارة الامريكية التي حاولت في كل فرصة توتير العلاقات التركية-الروسية عبر افتعال احداث تسيئ مرة لروسيا لتتهم بها تركيا، ومرة اخرى تسيئ لتركيا لتتهم بها روسيا او سوريا.
احداث للعبرة
كلنا نذكر حادثة اسقاط القاذفة الروسية بتاريخ 25 توفمبر/تشرين الثاني عام 2015، والتي ادت الى قطيعة تامة بين روسيا وتركيا. هناك الكثير من الادلة التي تثبت ان اسقاط الطائرة الروسية خدم المصالح الامريكية بشكل كبير، وبالتالي، فمن غير المستبعد ان يكون اسقاطها قد تم على يد فئة تركية تعمل لمصلحة امريكا، فبالرغم من مآخذنا على سياسة اردوغان تجاه سوريا الا اننا لانستطيع ان ننكر بانه سياسي من الطراز الرفيع، ولن يقدم على مثل تلك العملية التي وضعت تركيا امام مواجهة عسكرية مع روسيا.
وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا واتهام امريكا بالتورط فيها،اخذت العلاقات بين البلدين تعود الى سابق عهدها بوتيرة اسرع مما كان متوقعا. هذه المصالحة التركية – الروسية لم تعجب الادارة الامريكية، فقام الارهابيون المرتبطون بها بتاريخ الاول من آب عام 2016 باسقاط طائرة عامودية روسية من طراز مي 8 لاستفزاز روسيا من جديد. ولكن القرار الروسي كان قد اتخذ بمتابعة التنسيق مع تركيا بدون تراجع مهما حصل، لانها ادركت ان القوى المعادية ستختلق بعض الحوادث لافشال التقارب بين البلدين. لذا، لم تاخذ تلك الحادثة اهمية تذكر وجرى تناسيها.
وبتاريخ 23-25 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، قامت طائرات مجهولة بالاغارة على مواقع القوات التركية في منطقة الباب، موقعة خسائر كبيرة فيها. وعلى الفور جرى اتهام سوريا بذلك، بينما اتهمت جهات اخرى روسيا، وصورت الامر وكأنه ثار لاسقاط القاذفة الروسية في ذكرى مرور سنة على اسقاطها. فقام اردوغان بالاتصال مع بوتين الذي اقنعه بان روسيا وسوريا لاعلاقة لهما بذلك. فبالنسبة لروسيا، موضوع اسقاط الطائرة اقفل بعد الاعتذار، وبالنسبة لسوريا فليس من مصلحتها ان تفتح جبهة ساخنة مع تركيا. واضاف بوتين، بانه قد تكون طائرة تابعة للحلف الامريكي، لتوتير الاوضاع بين سوريا وتركيا وارباك روسيا.
كل هذه الامثلة تدل على مدى انزعاج الادارة الامريكية من التنسيق الروسي-التركي، ومدى رغبتها بزرع بذور الفتنة بين الحليفين عبر افتعال حوادث مختلفة كان اخرها حادثة اغتيال السفير الروسي في انقرة. وقد جرى اختيار هذا الشخص بالذات لانه لعب دورا كبيرا في تحسين هذه العلاقات الروسية – التركية.