الاقتصاد الروسي: هل نصف الكوب ممتلئ أم نصفه فارغ؟

17.11.2016

على الرغم من عدم وجود إصلاحات هيكلية من شأنها أن تنهي اعتماد الاقتصاد الروسي على النفط والغاز، إلا أن هناك بعض العلامات المشجعة للنمو الاقتصادي في عام 2017.

فقد كشف الانخفاض الحاد في أسعار النفط في شتاء عام 2014 المشكلات الاقتصادية الهيكلية في روسيا، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي لم يتعاف البلد منه في شكل كامل بعد. اضطرت الحكومة الروسية إلى اتخاذ بعض الخطوات الرامية إلى تكييف الاقتصاد مع هذه الظروف المالية الجديدة التي تسبب فيها انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية.
يشير الخبراء إلى تزامن التراجع الاقتصادي في روسيا أيضا مع اتجاه التنمية الاقتصادية العالمية نحو انخفاض في النمو.  إذ يشهد العالم عموما ضعفا في النمو الاقتصادي.   ووفقا لبيانات البنك الدولي، فقد تباطئ النمو العالمي الى 2.2% في عام 2016 بعد أن كان 2.6 % في عام 2013. وتزامن هذا التباطؤ مع ركود في التجارة العالمية في عام 2016، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2013. وعلاوة على ذلك، بقيت أسعار النفط منخفضة، بمتوسط بلغ  44،7 دولار للبرميل الواحد.
ونتيجة لكل ما سبق، تشهد روسيا حاليا تراجعا مستداما في الدخل الحقيقي، والذي يبقي على انخفاض الطلب المحلي. ففي عام 2016 شهدت روسيا الهبوط الأكبر في الدخل الحقيقي منذ عام 2008، عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية.
ووفقا لأولغا غولوديتس نائب رئيس الوزراء الروسي شهدت روسيا زيادة في عدد من يعيشون في مستوى خط الفقر منذ عام 2014.  ويؤيد الأستاذ في جامعة ولاية سان بطرسبرج ستانيسلاف تكاشينكو ذلك، مؤكدا أنه على الرغم من وقف انخفاض مستويات المعيشة بعض الشيء، فإن الروس أكثر فقرا اليوم مما كانوا قبل 7-10 سنوات مضت.  ويعتقد تكاشينكو  أنه من غير الواضح ما هي التدابير التي يمكن للحكومة أن تعتمدها لتغيير هذا الوضع.
أداء الاقتصاد الروسي
في محاولة لتقييم كيفية تعامل روسيا مع تحدياتها الاقتصادية وفيما إذا كانت تحقق نجاحا في إصلاح اقتصادها، أصدر البنك الدولي تقريرا تحليليا جديدا يوضح استمرار الركود في روسيا عموما ولو بوتيرة أبطأ في ظل الرياح الخارجية المعاكسة.
وحسب الاقتصادي المسؤول في البنك الدولي عن روسيا والمؤلف الرئيسي للتقرير، أبورفا سانجي، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 0.6  % في عام 2016 وينمو بنسبة 1.7  % في عام 2017. ومن المتوقع أيضا أن تواصل أسعار النفط تعافيها لتصل إلى (55.2 دولار للبرميل الواحد في عام 2017 و 59.9 دولار للبرميل الواحد في عام 2018 مما سينعكس إيجابا على الطلب المحلي.   في الواقع، يرتبط هذا الى حد كبير بتوقعات وزارة التنمية الاقتصادية الروسية والتي توقعت تراجع الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة  % 0.6 في عام 2016، ونموا بنسبة  0.6 % في عام 2017 ونموا بنسبة  1.7% في عام  2018 .
بشكل عام، واصلت روسيا تكيفها مع انخفاض أسعار النفط في عام 2016 في ظل العقوبات الاقتصادية.   ويذكر التقرير أن حزمة استجابة الحكومة الروسية لسياسة سعر صرف مرنة، وخفض النفقات من حيث القيمة الحقيقية، وإعادة رسملة البنوك - جنبا إلى جنب مع الإفادة من صندوق الاحتياطي - ساعد في تسهيل هذا التكيف.
حققت الحكومة الروسية نتائج باهرة جدا في التعامل مع الأزمة: ظلت البطالة عند مستويات منخفضة نسبيا (5.6%)، في حين انخفض التضخم بدرجتين من 5.9 % في أيلول 2015 الى 7.5% فى أيلول 2016.  وعلى الرغم من الاتجاهات غير المواتية في التجارة العالمية والعقوبات الدولية، والتي قيدت وصول روسيا إلى أسواق رأس المال الدولية، لا يزال ميزان المدفوعات مستقرا. وفي شهر أيار وللمرة الأولى منذ عام 2013، أصدرت الحكومة بنجاح 1.75 مليار دولار بسندات باليورو لعشرسنوات بمعدل الفعلي 4.75 %.
ويتفق أوليغ بوكليميشيف وهو أستاذ مشارك في قسم الاقتصاد في جامعة لومونوسوف الحكومية (MGU) ومساعد سابق لوزير المالية، إلى حد كبير مع تحليل البنك الدولي ويقول: "في الواقع، تكيف الاقتصاد الروسي بنجاح مع الصدمات المتعددة التي سببتها الأزمة."
ومع ذلك، وبالنظر إلى هذه التطورات الإيجابية، فإن توطيد الميزانية يهدد النمو الاقتصادي والوضع المالي للمناطق، مع الانخفاض المزمن في الدخل الحقيقي للسكان وركود الاستثمار." ويخلص بوكليميشيف للقول أن المسألة الأهم – وهي الإصلاحات الهيكلية التي تشتد الحاجة إليها - لم تتم معالجتها بعد.
تفاصيل سلبية
بالرغم من ذلك ، وبالنظر الى هذا الاتجاه الإيجابي، فإنه من غير المحتمل التغلب على حالة الانحطاط هذه ببناء اقتصاد أكثر تنوعا، حسب تقرير البنك الدولي. لا تزال هناك مخاطر محتملة قد تأتي من تقلبات أسعار النفط واستمرار وجود العقبات الهيكلية على أرض الواقع، الأمر الذي يضع الشكوك حول الاستدامة الشاملة لنمو الاقتصاد الروسي.

الشيطان يختبىء في التفاصيل وهذا الأمر ينطبق تماما على حالة الاقتصاد الروسي. لا تزال توقعات التضخم مرتفعة ولا يزال القطاع المصرفي، وعلى الرغم من كونه مستقرا في الوقت الحالي، عرضة لمخاطر الاقتصاد الكلي من انخفاض نسبة النمو وضعف الطلب. ومع الإستخدام الفعال لصندوق النقد الاحتياطي، فإنه من المتوقع أن تنفد هذه الأرصدة في عام 2017. وحسب بيانات وزارة المالية الروسية، انكمش صندوق الاحتياطي بنسبة 64% من 88 مليار دولار في يناير/ كانون الثاني  2015 وصولا الى 31.7 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني2016 .

رغم أن الحكومة لجأت الى تخفيضات في الموازنة في مجالات معينة ومتفرقة بهدف خفض الإنفاق، إلا أن هذه الخطوة لم تساعد على كبح تنامي العجز في الميزانية الاتحادية: وهو الآن هو 2.6%، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 3.7% بحلول نهاية عام 2016. وحسب رؤية تكاشينكو، "فإن عجز الموازنة الاتحادية سيستمر في النمو البطيء، وربما يكون له تأثير سلبي يؤدي الى انخفاض الاستثمار، وضعف النمو الاقتصادي وانخفاض القوة الشرائية للسكان.

غير أن الحكومة طورت مسودة مشروع للموازنة الاتحادية ، والتي تفترض المحافظة على سعر برميل  النفط بما يعادل  40 دولار للبرميل الواحد, وربطت هذا السعر مع متوسط الإنفاق الآجل وما يرتبط به في الأعوام  2017-2019. كما افترضت المسودة  تعزيز الميزانية بشكل رئيسي من خلال خفض الإنفاق. كما سيتم خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.7% على مدى ثلاث سنوات، مع تخفيضات أكثر في ميزانية الدفاع  الوطني (1.8%)، والسياسة الاجتماعية (0.5%)، والأمن الوطني (0.4%).  وقد يساعد هذا الإجراء على تحسين الوضع الاقتصادي. ولكن ذلك كله لا يمكن تقييم فاعليته قبل أن نرى تأثيره على أرض الواقع .

وكما ذكر السيد بوكليميشيف، "إن آفاق نجاح سياسة استبدال الواردات وتنويع الاقتصاد هي سياسة غير أكيدة"  ويظهر تقرير للبنك الدولي أنه وبينما توسعت الصادرات في القطاعات غير النفطية، مثل المنسوجات، الأخشاب المعالجة والمعادن و البضائع المعدينة، والزراعة، فقد انخفضت القيمة الإجمالية للصادرات غير النفطية بنسبة 13.4 في المئة في عام 2016.

تقييم الآفاق

وهكذا، وبينما قصة الاقتصاد الروسي بمجملها إيجابية، وبينما المؤسسات الروسية تتعامل باقتدار مع التحديات، حيث تتفاعل أساسا مع هذه التحديات حسب مجرياتها ووقائعها. وكما ذكر المدير الإقليمي للبنك الدولي اندراس هورفي  إن "هناك تفهما في الحكومة الروسية بأن الواقع الجديد أصبح حقيقة وعلى البلد أن يتكيف معه. ولكن سياسته كانت مبينة على رد الفعل حتى الآن. ولكن من أجل تحقيق نتائج مستدامة على المدى الطويل، ينبغي على روسيا تبني سياسة اقتصادية استباقية."

ولخص بوكليمشيف رؤيته بالقول: "لسوء الحظ، فإن السياسة الاقتصادية الفعالة غائبة اليوم في روسيا، وربما يكون هذا التقييم جيدا ولكنه لا يبعث على البهجة. " 
لذلك، فإن خبراء البنك الدولي وخبراء الاقتصاد الروسي يصفون الوضع الاقتصادي الروسي بأنه غير مستقر. ومع ذلك، فإنهم يؤكدون الاتجاهات الإيجابية التي ظهرت في النصف الثاني من عام 2016 كنتيجة للتدابير التي اتخذتها الحكومة والاتجاهات المواتية بشكل عام لأسواق السلع العالمية.