ما هو مستقبل الاقتصاد الروسي مع سعر النفط دون 40 $ للبرميل الواحد؟

05.08.2016

نقاشات: أسعار النفط يمكن أن تدخل مرحلة هبوط، يتوقع بعض الخبراء أن تنخفض الأسعار إلى حوالي 40 $ للبرميل. ما هي الآثار المترتبة على الاقتصاد الروسي في هذه الحالة؟
مع دخول أسعار النفط مرحلة الهبوط بالنسبة لكل من غرب تكساس (WTI) وخام برنت اللذين انخفضا إلى حوالي 40 $ للبرميل الواحد، فإن شعورا من القلق يصيب كل من الخبراء الروس والأجانب إزاء التأثير المحتمل لهذا الانخفاض على الاقتصاد الروسي، خاصة إذا استمرت هذه الأسعار المنخفضة لفترة طويلة من الوقت. كيف ستتكيف روسيا مع الحقبة الجديدة لانخفاض أسعار النفط؟
انطلاقا من هذه الخلفية حول انخفاض أسعار النفط يحاول خبراء من نادي فالداي مناقشة التأثير المحتمل الناتج عنها على الاقتصاد الروسي. عندما ينخفض السعر إلى  40 $ للبرميل فهذا سيحفز روسيا على مواصلة الإصلاحات الاقتصادية؟ كيف يمكن لروسيا تنويع إيرادات ميزانيتها؟ ينبغي على روسيا إضعاف الروبل للحفاظ على الإنتاج الصناعي واقفا على قدميه؟
دانيلا بوخكاريف ، معهد الشرق والغرب زميل في قضايا الأمن الاقتصادي (بروكسل، بلجيكا)
في السياق الدولي عندما يصل النفط إلى حد 40 $ فإن الوضع لا يسمح بزيادة الاستثمار. اليوم هناك انخفاض حاد في استثمارات التي تخص استخراج الخامات. ومع ذلك يجب أن يكون هناك تعديلا لقوة الدولار مقابل العملات الأخرى. الولايات المتحدة لم تعد أكبر مستورد للنفط، والسعر الحقيقي للنفط باليورو ليس منخفضا كما هو بالنسبة للدولار.
ومع ذلك، هناك أسباب قوية للنظر لسعر 40 $ للبرميل ليكون السعر الأمثل بالنسبة لروسيا من أجل مواصلة الإصلاحات الاقتصادية. إنه يسمح لروسيا بالحفاظ على مستوى معين من الإنتاج، وكذلك بالاستثمار في مشاريع الاستخراج والتكرير.
في نفس الوقت، في ظل النظام الضريبي القائم لصناعة النفط، فعائدات النفط ستكون طفيفة جدا، وهذا ما سيجبر الحكومة للبحث عن مصادر أخرى للدخل. كان هذا هو الحال في بدايات العقد الأول من هذا القرن، عندما اعتمد معدل الضريبة الثابتة وتدابير أخرى لزيادة القاعدة الضريبية.

ما هي  المصادر الجديدة المحتملة لإيرادات الميزانية الروسية في هذه الحالة؟ أولا، يمكن أن تكون هناك زيادة في القاعدة الضريبية الصناعية وضريبة الدخل عموما. قد تأتي إيرادات الميزانية أيضا من الزراعة.
يجب على روسيا إضعاف الروبل لتشجيع الإنتاج الصناعي أو لإبقائه قويا؟ حسنا، هناك الآن وضع متناقض حاليا حيث يتعايش الروبل القوي مع انخفاض أسعار النفط. وهذا هو السبب في عجز الموازنة الذي قد يصل إلى نقطة أعلى من المؤشر الحالي الذي يبلغ حوالي 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لذلك فإن إحدى الوصفات اليوم تكمن بطباعة المزيد من المال وتركه يذهب للعمل في الاقتصاد. هذا يمكن أن يدعم الاقتصاد في حالة الضعف.
جاك سابير، الخبير الاقتصادي الفرنسي، مدير مدرسة ومقرها باريس للدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية (EHESS)
ليس هناك يقين أن أسعار النفط ستبقى لفترة طويلة على سعر 40 $ للبرميل. معظم التوقعات تشير إلى أسعار ما بين 55 $ و 60 $ للعام 2017. وعلى أي حال، فإن تحفيز الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة الاقتصادية سيكون كبيرا في روسيا، ولكني أعتقد أن الحافز سيكون السياق الجيوسياسي أكثر بكثير من ارتفاع أسعار النفط.
الصراع العالمي مع الولايات المتحدة لا يزال يهيمن على الوضع الجيوسياسي في روسيا، من أجل البقاء في حد ذاته، على روسيا أن تتوجه نحو اقتصاد قائم أكثر بكثير على الاستثمار والاستهلاك الداخليين. على مدى السنوات العشرين القادمة سوف نرى اتجاها نحو "تقليص العولمة" لدى الاقتصادات الكبرى. وهذا الاتجاه يعتبر تحديا وفرصة كبيرة لروسيا على حد سواء. هذا سوف يدفع روسيا نحو المنهجيات ذات القيمة المضافة والإنتاج القائم على الابتكار العالي.
القضايا الرئيسية للسياسات المالية ستكون تنويع إيرادات الموازنة، مع ضريبة دخل أكثر تصاعدية، ومساهمة أكبر من القطاعات غير الهيدروكربونية (النفطية)، ولكن أيضا يجب  ترشيد الدخل الضريبي على جميع الموارد الطبيعية. ما هو واضح هو حقيقة الحاجة إلى زيادة حصة الضرائب في الدخل القومي.

واحدة من القضايا في روسيا اليوم لمساعدة الاقتصاد على المدى الطويل هو استدامة السياسة المالية، ولاسيما من جانب الإيرادات. وهو ما يعني أن الاقتصاد الروسي يحتاج إلى أن يكون أكثر تنوعا. روسيا هي المصدر الرئيسي للمواد الخام وهذا ليس بالضرورة أمرا سيئا. والسؤال هو كيف تتم إدارة هذه الخامات.
بالتأكيد، سيكون على روسيا الحفاظ على الروبل المنخفض في الخمس إلى العشر  سنوات القادمة . والروبل الضعيف لا يفيد الصادرات الصناعية فقط ولكنه يعيد توجيه الاستهلاك أيضا نحو المنتجات الوطنية. وهذا أمر مهم بالنسبة لقطاعي الزراعة والصناعات الزراعية. القضية الرئيسية ستكون إنشاء نظام مالي فيه ما يكفي من الكفاءة ليسمح لبعض الأرباح القادمة من هذا الروبل الضعيف بإعادة استثمارها في القطاعات الأخرى حيث تكون الأرباح الفورية ليست مرتفعة بالضرورة على المدى القصير ، ولكنها سوف تصبح أكبر مع مرور الوقت.
راديكا ديساي، أستاذ في قسم الدراسات السياسية والمدير في المجموعة الجيوسياسية للبحوث الاقتصادية، جامعة مانيتوبا (كندا)
ليس هناك شك، أن انخفاض سعر النفط  يشكل مزيدا من الضغط على الاقتصاد الروسي وعلى الموازنة العامة للدولة الروسية. وتكمن المشكلة في هذا المنطق الذي يفترض أن روسيا ليس لديها سوى خيار الخضوع لهذه التقلبات في أسعار النفط.
ومع ذلك فهناك بدائل، العاملان الرئيسيان اللذان يتم باستمرار إخضاع  روسيا لهما ويزيدان من تعرضها للتذبذبات المالية هما انخفاض أسعار النفط والعقوبات، مما يقلل من التدفقات المالية القادمة إلى روسيا.
لا أعتقد أن الإصلاحات يجب أن تعتمد الليبرالية الجديدة. حتى وقت قريب جدا، كان العديد من البلدان يتخيل ذلك، أي بمجرد تحرير التجارة فإنها سوف تنمو وتتطور وهلم جرا. قد لا يكون هذا صحيحا ولكن يبدو أنه كان أكثر صدقا في الماضي القريب. ومع ذلك، حتى الدول الغربية تفسها تعتقد اليوم أن السياسة النقدية قد استنفذت.
لقد حان الوقت للحكومات لتتحمل المزيد من المسؤولية لتحفيز الاقتصاد. وقد أعلنت الحكومة اليابانية مؤخرا حافزا ماليا كبيرا. تيريزا ماي، رئيسة الوزراء الجديد لبريطانيا العظمى، أعلنت أنها ترغب في إتباع سياسة صناعية جديدة.
لذلك، بالنسبة لليبراليين الجدد في روسيا، الذين يعتقدون أن الغرب مزدهر وهناك سبب لنسخ ممارسته، أقول لهم أنهم  قد يكونوا مخطئين: أود أن أقول إن اليوم هو وقت مختلف تماما.
واحدة من أهم القضايا في روسيا اليوم هي استدامة السياسة المالية، ولاسيما من جانب الإيرادات. الاقتصاد الروسي يحتاج إلى أن يكون أكثر تنوعا. روسيا هي المصدر الرئيسي للمواد الخام وهذا ليس بالضرورة أمرا سيئا، ولكن الإصلاحات كما وضحنا سابقا ضرورية جدا.

لقد تمت طباعة المال في كل وقت. القضية ليست في ضرورة طباعة المال، المسألة هي السبب الذي نطبع المال من أجله. والسؤال هل نحن سنستخدمه في الاستثمار وهل ستسبب هذه الاستثمارات زيادة في الإنتاج وإنتاجية أعلى للاقتصاد الروسي.
بطبيعة الحال، فإن الاقتصاد الروسي يعتمد على مصادر خارجية للغاية ولكن الاقتصاد الصيني يعتمد على هذه المصادر أيضا. بعد أن ضربت الأزمة المالية في الصين، قررت القيادة الصينية سياسة تعتمد على مرحلتين مختلفتين. كانت الأولى بإدخال برامج استثمار ضخمة في الاقتصاد في السنتين الأوليتين ما بعد الأزمة. ثم اعتمدت النمو الموجه أكثر نحو الداخل من خلال التركيز على زيادة الأجور ومستويات دخل الناس بشكل عام. أعتقد أن هذا النوع من السياسة يمكن أن يعطي روسيا الاستقرار الداخلي، والذي يساعد على الصمود بشكل أفضل أمام الصدمات الخارجية، سواء جاءت من تدفقات رأس المال أو من أسعار النفط.