الأوروبيون الجدد.. عن الغرب وأزمة الهجرة

02.11.2016

شوهدت في الآونة الأخيرة، طوابير طويلة من اللاجئين الأفارقة والشرق أوسطيين يغادرون من مخيم كاليه سيئ السمعة في فرنسا ضمن صفوف منتظمة، متجهين إلى مراكز استقبال حكومية في أجزاء مختلفة من البلاد. وفي غضون ذلك، اندلعت العداوة التاريخية بين بريطانيا وفرنسا على الأطفال غير المصحوبين بعائلاتهم على الجانب الإنجليزي من القناة. ويشير هذان الحدثان إلى أوروبا الغد بدول أعضاء ليست لديها القدرة على التوافق، وكونها على وشك أن تصبح أرضا لأكبر مجموعات من "الآخرين" من الوافدين الجدد.

إن رؤيتي للمهاجرين على شاشة التلفزيون، وتحديدا من الرجال سمر البشرة ، جعلتني أدرك أن ما كنت أبحث عنه كان أوروبيو القرن الحادي والعشرين. على عكس الافتراضات الحالية، تلك الصورة توضح حقيقة أن نسبة القوقازيين تشكل 22٪ من سكان العالم. وتشكل نسبة الأفارقة حوالي 16٪، كشرق أوسطيين، في حين يصل عدد الآسيويين إلى نحو 4.5 مليار نسمة ، ويمثلون 60٪ من عدد السكان الحالي بسبعة ونصف مليار نسمة. أما سكان أوروبا بتعداد 743.1 مليون نسمة (بما في ذلك روسيا الغربية) بنسبة ضعيفة تقدر بـ عشرة في المئة.

على الرغم من وضعهم كأقلية، فقد قضت أوروبا وأمريكا الشمالية القرن العشرين كاملا في نهب الأفارقة والآسيويين والأمريكيين اللاتينيين . شملت نظرية روديارد كيبلينغ "عن عبء الرجل الأبيض" (بـ "تمدين" بقية العالم)، موجات متتالية من القتل والتدمير التي قضت على الأعراف والحضارات القديمة. بدأها الأوروبيون في القرن التاسع عشر، ثم تولت الأمر الولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف ساعدتها ديمقراطيات أوروبا ما بعد الحرب، فكيف نتصور أن هذه الأعمال الابتزازية لن تؤدي عاجلا أو آجلا إلى رد فعل سلبي أو انتكاسة؟

بعد الحرب العالمية الثانية، انتفض "العالم الثالث"، الذي كان يعرف بالجنوب، وهزم القوى الاستعمارية الأوروبية هناك. لكنهم حصلوا على الاستقلال بجهد جهيد عندما أغوت الولايات المتحدة حكامهم الجدد بوعود "الحداثة" و"الثروة".

استمرت هذه الحيل لعدة عقود، فقضت على فرص العمل (مهما كانت متواضعة)، في حين قضت الهجمات العسكرية على الأراضي الزراعية والموارد، وبلغت ذروتها في حروب شرسة في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، والآن في اليمن.

لذا فإن توقع أن يجلس الشباب بهدوء في المنزل في ظل هذه الظروف هو ضرب من الحماقة. ومع ذلك، فإن قادة الاتحاد الأوروبي – الذين يعيشون أقرب ما يكونون إلى الجنة على الأرض – فشلوا في اتخاذ اجراء كامل لكبح تدفق المهاجرين حتى باتوا يرون أناس ينامون تحت الجسور وفي محطات القطارات في باريس. ومن المفارقات الكبرى أن المجر - البلد الأول الذي فتح حدوده خلال الحرب الباردة مع الغرب قبل هدم حائط برلين، يبني اليوم أسوار على حدوده للحفاظ على هذا البلد "المسيحي" من وجود مسلمين فيه. (المجر، مثل دول أخرى في أوروبا الشرقية، حيث عاش جيله الأخير فقط بشكل مستقل عن الاتحاد السوفياتي، ولم يشارك في غزو الغرب للجنوب، وتم قبوله مؤخرا في نادي الاتحاد الأوروبي، يشعر بالاستياء من الانصياع لأمر بمبادئ أخلاقية لم يكن له دور في تشكيلها).

في منتدى دولي انتهى لتوه في سوتشي، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن التعددية الثقافية قد فشلت، مما يعني أن القوقازيين لديهم القدرة على منع غالبية داكني البشرة في العالم من قلب الطاولة. لكن في الوقت نفسه، تبدو الحيرة واضحة على المسؤولين في باريس حيال مسألة الوقت المناسب لـ"ما يجب عمله؟"، مدعين ضد جميع الأدلة بأن الوافدين الجدد الذين نصبووا الخيام في شوارعهم ليسوا فارين من مخيم كاليه حيث فشلت الحكومة في ترحيلهم.

في نهاية المطاف، يتحدث علم الحساب بصوت أعلى من النظريات والخطط والاستراتيجيات، وأوربيو الغد لن يكونوا لا مسيحيون ولا بيض البشرة، بل سيكونون جزءا من العالم الأسمر اللون، الذي خلقه الشمال والغرب.