الاقتصاد الروسي يصد الهجوم الغربي
تمكن الاقتصاد الروسي وبكل ثقة من مواجهة الحرب الاقتصادية الشرسة التي شنتها القوى الإمبريالية التابعة للإمبراطورية الجيوسياسية البحرية (الأطلسية) في عام 2014، بعد أن فرضت الدول الغربية سلسلة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، بهدف إضعاف السوق الروسية، وحرمانها من التكنولوجيا والعوامل اللازمة في الدورة الاقتصادية، كذلك تم فتح جبهة أسعار النفط بوجه موسكو، من خلال زيادة المعروض النفطي في السوق العالمية من أجل تخفيض أسعار النفط التي تعتبر موردا مهما للخزينة الروسية، وفعلا انخفضت أسعار النفط إلى مستويات قياسية.
وكانت الدول الغربية قد فرضت حزمة من العقوبات على روسيا في عام 2014 بعد الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وبسبب الموقف الروسي من الأزمة السورية ودعمها للجيش السوري، إلا أن التعامل الحكيم والمتوازن في روسيا مع هذه العقوبات ومع حرب أسعار النفط أدى إلى امتصاص صدمة الأثر السلبي لهذه الإجراءات المعادية لروسيا، وتحول انخفاض قيمة الروبل إلى عامل ذي أثر إيجابي في بعض النقاط حيث أدت إلى انخفاض التكلفة النسبية للمنتجات الروسية، وبالتالي زيادة الطلب المحلي وكسر حالة الركود الاقتصادي، وأيضا انخفاض الواردات من الخارج لعب دورا في وقف خروج القطع الأجنبي من السوق الروسية.
تعتبر روسيا دولة صناعية متقدمة ولديها من التكنولوجية ما يمكنها من تحقيق ليس فقط الاستقرار في العملية الانتاجية، بل أيضا من تصدير المنتجات الصناعية المختلفة. هذه القوة التكنولوجية الروسية، مدعومة بالموقف الجيوسياسي والعسكري القوي لروسيا على الساحة الدولية، ساهما في صد الهجوم الاقتصادي الأطلسي على روسيا، فـأكدت روسيا أن لا هيمنة إمبريالية على السوق الدولية بعد الأن.
وكان الرئيس الروسي فلاديمر بوتين قد صرح في سبتمبر/أيلول، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لقمة "مجموعة العشرين"، بأن روسيا حافظت على حجم احتياطياتها، كما انخفض هروب رؤوس الأموال بمقدار خمس مرات هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وأوضح في كلمته أن العديد من قادة العالم يشيرون إلى المشاكل والصعوبات التي يواجهها العالم. ومع ذلك، من الملاحظ اليوم، أن النمو الاقتصادي بطيء، ولكن إيجابي". وقال يوتين: "التضخم انخفض مرتين...عجز الميزانية 2.6%...حافظنا على نسبة بطالة منخفضة بما فيه الكفاية بلغت نحو 5.7%... حافظنا على مستوى منخفض للدين الخارجي بنسبة 12% فقط ". وأضاف أن روسيا الآن تجري بعض الإصلاحات، ولكن هناك نموا في الانتاج الصناعي وغيرها من المؤشرات.
و خلال منتدى الأعمال بين روسيا وسنغافورة أكد إيغور شوفالوف، النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني أن الاقتصاد الروسي تجاوز محنته، وقال شوفالوف: "نحن واثقون من أن أصعب مرحلة على الاقتصاد الروسي أصبحت وراءنا.. نحن مررنا بفترة عصيبة منذ الربع الأول من عام 2015، أو حتى يمكننا القول من الربع الأخير من عام 2014".
وذكر وزير الزراعة الروسي أمام لجنة الزراعة التابعة لمجلس الاتحاد الروسي الثلاثاء في 15 نوفمبر/تشرين الثاني: "إن هيكلية الصادرات والواردات اليوم كالآتي: استوردنا منتجات (في 2016) بنحو 15 مليار دولار مقابل 40 مليار دولار قبل 3 سنوات، في حين بلغت الصادرات 10 مليارات دولار. وأعتقد أن الصادرات بنهاية العام ستصل إلى 15 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 20 مليار دولار". وأضاف تكاتشوف أن صادرات الحبوب في العام الجاري ستبلغ 35-40 مليون طن. ويعيش قطاع صادرات الحبوب ازدهارا خلال السنتين الماضيتين، وذلك بفضل تراجع سعر صرف العملة الروسية مقابل الدولار، ما زاد من تنافسيتها في الأسواق العالمية.
روسيا لا تعتمد فقط على النفط والغاز، روسيا تتميز بصناعاتها الثقيلة، التي تحتاج إلى بنية تحتية هائلة وضحمة ومتطورة، وتزدهر فيها الصناعات الفضائية والعسكرية بشكل كبير، بالإضافة إلى صناعة القطارات والسكك الحديد والآليات، وتعتبر موسكو من أهم المراكز المالية عالميا، ولدى روسيا أيضا تنوع زراعي، وتتصدر روسيا في 2016 وللعام الثاني على التوالي قائمة مصدري القمح العالميين، متجاوزة بذلك كندا والولايات المتحدة. وتعد مصر وتركيا من كبار مشتري القمح الروسي.
إذا استمرت روسيا بسياسة الاصلاح الاقتصادي التي تهدف إلى تحقيق الميزة التنافسية والانتاج الكبير، والاستفادة من الطاقة التكنولوجية والخبرات الكامنة لديها، مستفيدة من التغير الحالي في الظروف الدولية لصالح المحور الأوراسي، ومن تشكل تحالف البريكس الاقتصادي، قد نشهد في السنوات المقبلة ليس فقط التعددية الجيوسياسية القطبية، بل التعددية الاقتصادية القطبية.