لماذا علقت تركيا عملية دخول الباب؟
مع التطورات الميدانية الكبيرة التي تشهدها مدينة حلب واستمرار تقدم الجيش السوري في أحيائها الشرقية، تراجعت عملية دخول مدينة الباب إلى مرتبة أدنى على سلم الأولويات التركية، على حين يصل رئيس الوزراء لتركي بن علي يلدريم إلى موسكو اليوم الاثنين. وتواجه المفاوضات الدائرة في العاصمة التركية أنقرة بشأن حلب، التي يتوسط فيها مسؤولون أتراك بين نظرائهم الروس وبعض قادة المجموعات المسلحة، عقدة كبرى تتمثل في «الضمانات» والضمانات المضادة. كما أن مستقبل مفاوضات أنقرة بات غير معلوم في ضوء دخول الولايات المتحدة على خط الجهود الدائرة لإنهاء أزمة حلب واللقاء الذي انعقد بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف.
ويبحث يلدريم خلال زيارته التي تستغرق يومين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره ديميتري ميدفيديف، في العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين، والمسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وآخر التطورات المتعلقة بالأزمتين السورية والعراقية وسبل التعاون بين موسكو وأنقرة للتوصل إلى حل ينهي الأزمتين. ولا يبدو أن هناك مؤشرات إلى قدرة يلدريم على حل «عقدة الضمانات المستعصية».
وعشية زيارة يلدريم أعلن الناطق باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش أن بلاده تسعى مع الأطراف المعنية، وخصوصاً روسيا، لإعلان وقف إطلاق النار في حلب، لافتًا إلى أن المباحثات في هذا الشأن بين الطرفين أوشكت أن تنتهي. وأكد أنه في حال تمكنت أنقرة وموسكو من التوصل إلى اتفاق حول الضمانات، فإن إحلال وقف إطلاق النار في حلب سيكون ممكنًا خلال فترة قصيرة.
وقررت أنقرة حسب مصادر معارضة تعليق عملية الباب ريثما يتضح مصير الأحياء الشرقية من حلب. وخلال الأيام القليلة الماضية لم تحلق الطائرات التركية في الأجواء السورية.
واكتفى الجيش التركي بإصدار بيان مقتضب عن قصف أهداف ومواقع لتنظيم داعش المدرج على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية وذلك في شمالي سورية، مبيناً أن القصف نفذ «من داخل الأراضي السورية ومن الحدود»، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
يأتي ذلك بعد أن وصلت القوات التركية إلى حدود مدينة الباب في توقيت ذروة المعارك الحاسمة لروسيا وسورية والحلفاء حول شرق حلب، فتلقت أول ردة فعل نارية سورية تلت رسالة دبلوماسية سورية قوية تهدد بالتصدي بالقوة لكل تمدد داخل الأراضي السورية وكل انتهاك للأجواء السيادية السورية، وكان على حكومة أردوغان مواجهة ساعة الحقيقة. فالتصدي بالنار للجيش السوري مشروع حرب سينتهي بمواجهة مباشرة مع القوة الروسية، ويعود بالعلاقات مع موسكو إلى أسوأ مما كانت، والمعادلة في مدينة الباب مختلفة فهي ليست منطقة رخوة بعيدة عن انتشار الجيش السوري، والتقرب إليها يتم في ذروة وقت الحسم، وقيمة التمسك بوحدة سورية يستدعي من روسيا الوقوف مع الجيش السوري منعاً لكانتون تحت السيطرة التركية، بدلاً من الشريط الكردي الذي لم يعد خطراً راهناً، ومفهوم السيادة السورية يعني حكماً مساندة الجيش السوري، والخيار ليس بين داعش وتركيا أو الأكراد، بل بين الجيش السوري الحليف فوق أرضه وترابه الوطني، وبين جيش أجنبي لا يملك أي تفويض من الحكومة السورية. وقد سبق لموسكو أن ساندت الحكومة العراقية في إدانة التوغل التركي لفقدانه الشرعية السيادية، وحيث لا وجود عسكرياً مباشراً لروسيا، ولا تعاون بين الجيشين الروسي والعراقي، بينما في سورية فالموقف الروسي سيتحول عملياً لإسناد روسي ناري لا مفر منه للجيش السوري كترجمة لهذا الموقف، إذا واصلت تركيا توغلها.