مدينة الباب.. العقدة الميدانية في الشمال السوري
مع اقتراب قوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً وقوات درع الفرات المدعومة تركياً وقوات الجيش السوري من مدينة الباب التي تقع على بُعد 40 كم شمال شرق حلب، تتزايد أهمية المدينة وموقعها الاستراتيجي ودورها في تشكيل مستقبل السيطرة الميدانية في المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية لسوريا. فما هي أسباب هذا "السباق" نحوها؟
يُمثّل موقع المدينة الواقعة حالياً تحت سيطرة تنظيم داعش "بوابة" للسيطرة على المناطق المُتبقية تحت سيطرة التنظيم في الشرق السوري وهي محافظة الرقة ومُعظم مناطق محافظة دير الزور، وهي الأهم المُتبقية تحت سيطرة التنظيم بعد تراجعه في شمال ووسط سوريا منذ أواخر العام الماضي وحتى الآن. بالنسبة إلى الجيش السوري تُعدّ السيطرة على هذه المدينة حيوية للغاية في الوقت الحالي، فبعد توقّف الهجوم الذي كان قد أطلقه باتجاه مطار منغ العسكري ومعبر أعزاز شمال حلب بهدف عزل الحدود التركية- السورية، أصبحت هذه المدينة القريبة من الحدود التركية مُرتكزاً يمكن الاعتماد عليه لإنشاء خط لعزل باقي مناطق سوريا عن هذه الحدود، بجانب تأمين خاصرة القوات السورية شمالي حلب والتي تستعدّ بالتزامن مع القوات في غرب المدينة للسيطرة على الأحياء الشرقية لحلب.
خلال الفترة الماضية حقّق الجيش السوري باتجاه الباب تقدّماً كبيراً في المحور الجنوبي الغربي "برلهين" والمحور الغربي "تل شعير – مدرسة المُشاة – مقبله"، وذلك بغرض مواكبة التحرّكات التي نفّذتها قوات سوريا الديموقراطية ودرع الفرات شمالي المدينة. يستعدّ الجيش لإطلاق هجوم في هذا النطاق بتحشد قوات صقور الصحراء في مطار كويرس جنوب المدينة بجانب تأمين المطار وتجهيزه للعمليات الجوية المُرتقبة التي يتوقّع أن تنطلق على محورين الأول باتجاه دير حافر ومطار الجراح والثاني شمالاً باتجاه الباب وتادف، هذا الواقع يجعل الجيش السوري هو الطرف الميداني الأفضل تسليحاً واستعداداً لهذه المعركة.
قوات درع الفرات المدعومة من تركيا ترى في السيطرة على المدينة فرصة ذهبية لتحقيق أهداف إستراتيجية عدّة أولها هو إكمال "المنطقة العازلة" التي تريدها تركيا بمساحة 500كم مربّع وفي نفس الوقت قطع الطريق بشكل شبه نهائي على أية محاولات من جانب وحدات حماية الشعب المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديموقراطية لإقامة اتصال بري بين المنطقة الكردية في محيط عفرين غرباً وبين المنطقة الممتدة شرقاً من عين العرب، وهي محاولات تصبح في حُكم المُنتهية إذا ما سيطرت قوات درع الفرات على مدينة الباب ودفعت قوات سوريا الديموقراطية شرقاً بعيداً عن منبج. ميدانياً تُعتبر قوات درع الفرات هي الأقرب إلى مدينة الباب حيث وصلت إلى قرية قديران على المشارف الشمالية لها.
بالنسبة إلى قوات سوريا الديموقراطية والوحدات الكردية الموالية لها فإنها ترى في المدينة بوابة قد تسمح لها بأن تكون الرقم الصعب في العملية المُرتقبة لتحرير محافظة الرقة، وهي العملية التي أعلنت القوات عن انطلاقها هذا الشهر. بالسيطرة على هذه المدينة لا تتبقّى مناطق رئيسية بين أية قوة عسكرية وبين مدينة الطبقة سوى دير حافر ومسكنة.
إذن من الواضح أن لكل طرف وجهة نظر خاصة في ما يتعلّق بأهمية مدينة الباب خصوصاً بعد انطلاق معارك الموصل، الباب هي أداة أساسية للجيش السوري كي يوقف طموحات قوات سوريا الديموقراطية ودرع الفرات في هذه المنطقة وتحقيق التأمين الكامل لحلب، وخطوة مهمة على طريق طويل يمر على الطبقة والرقة ويصل إلى دير الزور، وهي جزء من المرحلة الثالثة للخطّة التركية التي ترتكز على طرد داعش من الباب وطرد الأكراد من منبج، وهي الوسيلة الوحيدة لقوات سوريا الديموقراطية والوحدات الكردية للحفاظ على الاتصال بين المناطق الكردية في الشرق والغرب، وإيجاد مكان مُتصدّر في أي مجهود هجومي دولي باتجاه الرقة تلمساُ لمقعد في أية مفاوضات قادمة. لكن ماذا عن إمكانية الصِدام بين هذه الأطراف واحتمالات الاتفاق بينها؟
قوات درع الفرات أعلنت في مناسبات عديدة سواء في الميدان أو في الإعلام أنها تعتبر قوات سوريا الديموقراطية قوات غير صديقة إذا ما استمر تواجدها في منبج ومحيطها، الجيش السوري استهدف مواقع درع الفرات في تل المضيق وتل جيجان بالمروحيات ولا يخفي أيضاً استعداداته لإطلاق هجوم باتجاه مدينة الباب، وأصدر تحذيراً لطائرات سلاح الجو التركي بتعرّضها للإسقاط في حال دخول الأجواء السورية.
بالتالي احتمالات التصادُم بين الأطراف الثلاثة قائمة مع وجود هامش جيّد للمُناورة بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة. تركيا وروسيا لا تريدان الاصطدام في معركة الباب ولكن في الوقت نفسه فإن قوات درع الفرات المدعومة بالمدرّعات والقوات الخاصة التركية وصلت إلى مسافة تبلغ 2كم من التخوم الشمالية للباب، بما يخالف تفاهمات روسية – تركية سابقة كانت تؤكّد على عدم تمدّد التحرّكات التركية إلى هذا النطاق، بالتالي قد تخضع المدينة لمُعادلة "الباب مقابل حلب" والتي فيها تلتزم تركيا عدم التقدّم أكثر بعد السيطرة على مدينة الباب مُقابل رفع اليد عن المسلّحين في حلب وخصوصاً الأحياء الشرقية، أو بالمقابل قد تحجم تركيا عن التقدّم إلى داخل مدينة الباب مقابل دور مقبل للقوات المدعومة من قِبَلها في معركة السيطرة على الرقة.
أيضا هناك هامش للمناورة بين قوات سوريا الديموقراطية وقوات درع الفرات، بالنسبة إلى قوات سوريا الديموقراطية فإن إعلانها الأخير عن قرب سحب قواتها من منبج باتجاه الضفة الشرقية لنهر الفرات ربما يكون قد حسم خياراتها لصالح تجنّب الصِدام مع تركيا مقابل مشاركتها في عملية تحرير محافظة الرقة. تنظيم داعش هو الطرف الوحيد الذي تتضاءل أهمية مدينة الباب بالنسبة إليه بعد سلسلة تراجعاته في المنطقة الشمالية وهو يعلم جيداً أن معركة الرقة ودير الزور هي الأهم والأخطر بالنسبة إليه وبالتالي تتقلّص بشكل كبير احتمالات إبداء التنظيم لمقاومة مُعتبرة في هذه المعركة.
محمد منصور .. الميادين