موسكو تذكّر أنقرة: الباب للجيش السوري!
مدينةُ الباب للجيش السوري. مصيرُ المدينة المفتاحية في الشمال السوري لم يغادر النقاش بين الأتراك والروس في الأيام الأخيرة، وبحسب مصادر عسكرية سورية، استعاد الروس والأتراك تفاهماً يعودُ الى شهر آب الماضي يحددُ مناطق انتشار الجيش التركي في الشمال السوري، لا يتضمنُ مدينة الباب، ويتوقف عند عمق 12 كيلومتراً انطلاقاً من مدينة جرابلس، لمراقبة عمليات «قوات سورية الديموقراطية»، وتأمين موقع انطلاق متقدم داخل الاراضي السورية، يمنع اتصال كانتون عين العرب كوباني، بكانتون عفرين.
وعكست ردة الفعل الروسية المتفهمة، والسورية الرسمية المتواضعة، لعبور القوات التركية الحدود باتجاه جرابلس في آب الماضي، وجودَ تفاهم عَمِل نائب وزير الخارجية الإيراني حسين جابري الانصاري في أكثر من زيارة الى أنقرة على تصليبه، ولكن الأتراك نقضوا التفاهم بسرعة، عندما قرروا الذهاب أبعد من عمق الـ12 كيلومترا الذي تم التفاهم عليه، كما قرر وضع العمليات غرب الفرات على لائحة الأهداف التي يعملون على تحقيقها من الموصل الى عفرين، وكان الهدف من ذلك ضمّها الى أوراقهم، لضمان موقع مميز على طاولة تقسيم النفوذ في مستقبل العراق وسوريا، أو ببساطة استئناف التوسع في الأراضي السورية، جنوب الاناضول، الذي لم يتوقف منذ عام 1920، مع ضم نصيبين، وقرى كيليس، ولواء الاسكندرون السليب. وذهبت غرفة عمليات انطاكيا مجدداً إلى محاولة اختراق مدينة حلب من الغرب وإعادة حشد المجموعات المؤيدة لها في عملية «ملحمة حلب الكبرى» الثانية بخلاف كل التعهدات المعطاة بوقف دعم المجموعات المسلحة في عملياتها حول مدينة حلب.
ويقول المصدر السوري إن الأتراك، الذين لم يحترموا أياً من الاتفاقات المعقودة تاريخياً، تجاوزوا بكثير مساحة المنطقة التي تمّ الاتفاق عليها، وإن العودة الى خيار دخول الجيش السوري الى المدينة، قد طرح مجدداً خلال الاسبوع الماضي بين هيئتي الأركان الروسية والتركية. وتضافرت رسائل دولية وروسية وسورية الأسبوع الماضي، لوقف الزحف التركي نحو المدينة التي دخلت قوات «درع الفرات» تخومها، وبدأت تستعد لاقتحامها، على ما كانت تقولُه قياداتها. وكان تصعيد السوريين احتمال الذهاب الى مواجهة مع الجيش التركي مع اقترابه من مدينة الباب أحد الأسباب التي دعت الأتراك الى إعادة النظر في قرار اقتحام المدينة.
وتقول مصادر سورية وتركية متقاطعة إن سرباً من مقاتلات «الميغ 31»، قد أطبق على سرب من المقاتلات التركية كانت تحلق في المنطقة. والأرجح أن الروس قد قاموا بتسليم سرب من ست مقاتلات من النسخة الأحدث لـ «الميغ 25» الاعتراضية، الى دمشق في إطار صفقة عقدت عام 2007 بقيمة تقترب من مليار دولار. ولم تتوقف موسكو عن تأجيلها، بحجة «عدم وجود القاعدة التقنية الملائمة في سوريا لتشغيلها» بحسب مسؤول روسي لخدمة هذا النوع من الطائرات. ويعد دخول هذا النوع من المقاتلات في السماء السورية، تطوراً تكتيكياً فائق الأهمية في لحظة تقرير مصير معارك الشمال السوري، اذ تمتاز هذه الطائرة التي تحلق بسرعة 3000 كيلومتر، برادارٍ قادر على تغطية ما يقارب 300 كيلومتر، فيما يصل مدى صاروخها «آر 33» الموجه الى أهداف تبعد عنه نحو 200 الى 300 كيلومتر. وأضاف الرئيس السوري بشار الاسد، الى احتمالات المواجهة، وصف التغلغل التركي في الشمال السوري بالغزو، وبحق سوريا في مواجهته .
وبدا الحديث عن تفاهم وتنسيق تركي مع الروس، كما قال وزير الدفاع فكري ايشيق، مفارقا وبعيدا من النتائج الاستراتيجية التي تترتب على مجمل العملية الروسية - السورية، لو قام الاتراك فعلاً بدخول المدينة، إذ إن عودة «درع الفرات» الى الوقوف على مشارف مدينة حلب، وتخومها الشمالية الشرقية، تجويف لكل الانجازات في حلب، الى حد إعادة تهديد انتشار القوات السورية في ريفها الشمالي، وتعقيد عملية اسقاط حلب الشرقية. كما أن تفاهما روسياً مزعوماً مع الاتراك يمنحهم الباب، يشبه إطلاق الروس رصاصة على قدمهم وإسقاطهم ورقة الشرق السوري من حساباتهم. إذ سيؤدي الى إغلاق طريق الرقة، عبر دير حافر، ومسكنة، وسيطرة «درع الفرات»، والاتراك من خلفهم، على مطار الجراح الاستراتيجي، الذي لا يزال يسيطر عليه «داعش».
وأميركيا، تلقى الأتراك رسالة تمنعهم من الذهاب بعيداً في محاصرة الانتشار الكردي في ريف حلب الشمالي، إذ استطاع الاميركيون حشد المزيد من القوات الكردية التي جاءت من منبج والحسكة في عملية الرقة، فيما تتعثر وتتعقد عملية الموصل، مقابل تسليح وتأمين الاميركيين خطوط القوات الكردية غرب الفرات، وفي الرقة وتل ابيض وعين العرب.
وقال «المرصد السوري لحقوق الانسان» إن قوافل كبيرة من الأسلحة الاميركية والعربات المدرعة والمعدات والذخائر عبرت قبل يومين فوق ناقلات وشاحنات، مدينة القامشلي باتجاه ريف الرقة الشمالي، فيما وصلت أعداد اضافية من القوات الاميركية الى عين العرب كوباني. وقالت مصادر سورية معارضة في المنطقة إن الكرد تلقوا ضوءاً أخضر لمضاعفة عملياتهم في منطقة الباب، للحفاظ على خطوط دفاعهم في منبج، مقابل زجّ المزيد من القوات في ريف الرقة الشمالي.
وزاد الاميركيون في رسائلهم لضبط الانتشار التركي والتوازنات مع حلفائهم الكرد. وكان جون دوريان، متحدث «التحالف الدولي»، يعلن أن القرار التركي دخول مدينة الباب مستقل، وقد اتخذ من دون العودة الى «التحالف»، الذي لن يوفر أي تغطية جوية للعملية، في مرحلتها الأخطر، مع حشد الاتراك دباباتهم وقوات الفرات لدخول المدينة. وكانت أكثر من 90 مدرعة ودبابة تركية قد انضمت الى لواء مدرع تركي من 125 دبابة ومدرعة، يعمل على خط 30 كيلومتراً من المعارك بين مدينتي جرابلس والباب، وحول أرياف المدينة. وكانت طبيعة قوات الفرات قد فشلت في تحقيق نصر واحد حاسم ضد «داعش»، من تدخل وحدات ضمت اكثر من 5500 جندي تركي يرافقون الاولية المدرعة. وكان الاتراك قد أعادوا تدوير «فضلات» القوى المتبقية من أحرار الشرقية او جبهة ثوار سوريا، ومقاتلي فرقة الحمزة، وحركة حزم، والفرقة 30 مشاة، والألوية التركمانية، بعدما كانت «جبهة النصرة» قد تولت تصفيتها او تشتيتها والاستيلاء على أسلحتها.
وكانت قوات سورية كبيرة ضمت وحدات من الفرقة الاولى، وفوج القوات الخاصة، تتمركز في مطار كويرس، تنتظر أوامر بالتحرك باتجاه الباب. كما وصل الى مدينة السفيرة شرق حلب، فوج المدرعات الذي استعرضه «حزب الله» في مدينة القصير قبل يومين، فيما تقول مصادر في المنطقة إن الفوج سيتوجه الى جنوب حلب للانضمام الى عملية مرتقبة تستهدف الوصول من خان طومان، وتل العيس، الى بلدتي كفريا والفوعة، لفكّ الحصار عنهما، وإن الفوج المدرع، لن يشارك في عمليات الباب.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"