لاخيارات لدى واشنطن لهزيمة روسيا في سوريا

30.10.2016

على الرغم من الدلائل على أن الولايات المتحدة وروسيا على وشك مواجهة عسكرية في سوريا، إلا أن واشنطن تعول على موسكو في التراجع في حالة ما إذا قررت التدخل. ومع ذلك، هذا ينم عن عدم فهم الولايات المتحدة لحجم أهمية سوريا بالنسبة للكرملين والطريقة التي يتم بها تشكيل الرأي العام في روسيا.
في الوقت الراهن يبدو من غير المحتمل حدوث اشتباك عسكري بين روسيا والولايات المتحدة. ومع ذلك، يمكن بالفعل أن تفسر بعض الأحداث مثل إعداد الرأي العام الأمريكي لصراع مسلح مباشر مع روسيا على الساحة المحلية. وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول أوصى وزير الخارجية البريطاني أن ينظر في "خيارات عسكرية" لحل المسألة السورية.
وكان خريف 2016 مليئا بالعديد من الأحداث الغريبة، بدءا من الكذبة الأميركية حول قصف روسيا للقافلة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة قرب حلب وانتهاءا بالوضع الخطير الذي ينطوي على مناورة طائرة الركاب الأوكرانية في سماء سوريا. وكثيرا من الضخ الإعلامي حول "الإبادة الجماعية للمدنيين في حلب" يذكرنا ب"قصف سوق سراييفو" في أبريل 1995، والذي أدت إلى تفجير يوغوسلافيا السابقة.
احتمال حدوث صراع عسكري بين الولايات المتحدة وروسيا
الوضع يشهد على استعداد سياسي ونفسي غربي لنقل المواجهة إلى ميدان مفتوح. وعلاوة على ذلك، قد تجر القيادات الغربية من خلال تدفق الأحداث التي سيتم القيام بها من قبل "القوى الفاعلة على الأرض". وهناك العديد من العلامات على أن الإدارة الأمريكية تفقد سيطرتها على المسلحين و "الشركاء". ولا يمكن التظاهر أن الأحداث تسير دون علمها.
مثل هذا الوضع ليس نتاج صدفة. بل هو نتاج انصهار الثقافة السياسية والأساليب الاستعمارية في الصراعات العسكرية التي تشكلت في أميركا بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد حرب فيتنام. وهذه ظاهرة سلوكية طويلة الأجل التي، للأسف، لا يمكن أن تتوقف فقط على مستوى الدعاية السياسية.
الأسباب التي تجعل سوريا بمثابة منصة جذابة لمواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة هي بسيطة: حيث تعتقد الولايات المتحدة أنه لا توجد مصالح روسية جدية وكبيرة في سوريا تدفعها للاستمرار في المواجهة حتى النهاية وهذا يجعل فترة الصراع قصيرة قدر الإمكان.
وعلاوة على ذلك، تعتقد الولايات المتحدة أنه يمكنها قصف الوحدات الروسية في سوريا (الأمر الذي قد يؤدي إلى رد فعل غير منضبط وخطير من قبل الكرملين) ثم توافق موسكو على سحب قواتها العسكرية من سوريا من دون أي شروط سياسية. هذا هو "الحد الأدنى للبرنامج"، الذي تعتقد أميركا أنه بعد إطلاقه سيكون من الممكن إصلاح الوضع وفقا للصيغة المناسبة للولايات المتحدة في "المساومات السياسية"، اعتمادا على فكرة أن موسكو ستقوم "بتضحية صغيرة" من أجل الحفاظ على ما هو أهم من ذلك.
على كل حال، فإن النخبة الأمريكية ومستشاري الأمن القومي لا يفهمون أن روسيا تعتبر سوريا منذ فترة طويلة جزءا من "صورتها الكبيرة"، وهذا اختبار حاسم للحفاظ على حقها في تسمية نفسها "قوة عظمى".
لذلك، ترى روسيا الوضع في سوريا وضعا ليس فقط يحمل في طياته مصالح كبيرة، بل كبيرة جدا، حتى أنها أهم من تلك المترتبة على الوضع في شبه جزيرة القرم.
حسابات واشنطن الاستراتيجية
هناك نوعان من الخصائص المميزة في العلاقات الحالية بين روسيا والولايات المتحدة
أولا، والولايات المتحدة تدرك هذا، أن روسيا لديها القدرة على تصعيد النزاع عمليا في كل منطقة أخرى. الأميركيون يرون في ذلك خطر، على الرغم من أنهم يعتقدون أن روسيا سوف تقرر تصعيد الموقف فقط في الاتجاهات التي تشكل فيها نزاع بالفعل، وهي بالنسبة للولايات المتحدة "مريحة" تماما في البحر الأسود وأوكرانيا وربما، مع الحد الأقصى تصعيد الوضع في دول البلطيق، وهنا لن يكون للولايات المتحدة "أي شفقة" على الوضع في هذه الاتجاهات، الامريكيون لا يعتقدون أن روسيا لديها الإمكانية للذهاب أبعد من ذلك.
ثانيا، تفترض الولايات المتحدة أن الرأي العام الروسي، الذي يتكون من خلال وسائل الإعلام والنخبة عن طريق الدعاية، غير مستقر ويمكن أن يتغير بسهولة بعد أول ضربة قوية. وفي وقت لاحق، يمكن أن يتفكك إجماع النخبة الذي كان ظهوره واقعا غير مريحا لواشنطن.
سوء فهم النخبة في روسيا
الغرب لا يستطيع أن يرى أن سلوك النخبة هو الذي يشكل الرأي العام الروسي. ويعتبر هذا الفكر بأنه "غريب" بالنسبة للغرب.
ولعل هذا هو السبب وراء إجراءات الغرب المستمرة والغريبة فيما يتعلق بالمجتمع الروسي، مثل "نداء" وزير الخارجية الاميركي جون كيري وجورج سوروس "مؤخرا" إلى الشعب الروسي.
استراتيجية القوة العسكرية الأمريكية هي بسيطة للغاية: اثارة حادث أو سلسلة من الحوادث من أجل خلق مبررات مشروعة إعلاميا لاستخدام أدوات القوة ضد روسيا في الأبعاد المطلوبة على المستوى المحلي. وهذا بدوره سوف يخلق الظروف المواتية للتلاعب سياسيا بمجموعات النخبة الصديقة للولايات المتحدة في روسيا.
الولايات المتحدة مقتنعة بأن النخبة الروسية، التي يتم تخويفها حتى من الاستخدام المحدود للقوة في مسرح الحرب، سوف تصبح أداة لتحقيق الأهداف السياسية الأمريكية، وهذا يتطلب فقط تحفيزها نحو" الاتجاه الصحيح".
سياسة القوة الأمريكية فيما يتعلق بروسيا لا تتوقع أي نوع من النصر العسكري،  وبالنسبة لواشنطن فإن "اعلان الانتصار" وعدم استعداد موسكو لاستمرار المواجهة في مستوى معين سوف يكون كافيا.