عن الحرب المفتوحة بين روسيا والولايات المتحدة.. الدوافع والكوابح

22.10.2016

من المؤكد أن هناك بعض المبالغات حول إمكانيات نشوب صراع عسكري بين موسكو وواشنطن. ومع ذلك، ينبغي أن يفكر الجانبان بالعواقب والمخاطر التي يمكن أن يؤدي إليها صراع مفتوح.

لقد ظل الخبراء الدوليون يصرخون لفترة طويلة وهم يقولون: "الحرب على الأبواب!" حيث تشير توقعاتهم القاتمة إلى أن روسيا والولايات المتحدة على شفا مواجهات عسكرية مباشرة، كما لو كانوا يحاولون إحياء الذكرى الـ54 لأزمة الصواريخ الكوبية. ومع ذلك، فإن أي صراع قد يحدث، سيكون على الارجح من قبيل الصدفة، إذ أن الأطراف ليست مستعدة لمواجهة عسكرية واسعة النطاق بعد.

في السنوات القليلة الماضية، قامت روسيا بتحديث قواتها المسلحة ليحل العتاد الجديد محل عتاد الحقبة السوفيتية القديم. الكثير من التدريبات وتريليونات الروبلات أنفقت على المعدات الجديدة والمركبات القتالية، كما لعبت شخصية وزير الدفاع الكاريزمية دورا حاسما في تغيبر الصورة بأكملها حول الجيش الروسي وأعادت شعبيته داخل المجتمع - كل هذه الخطوات سببت هذا النمو السريع (والحقيقي) للقوة العسكرية الوطنية.

ومع ذلك، فإن هذا التطور لا يزال محدودا إلى حد ما، بالمقارنة مع الإمكانية الشاملة لدول حلف شمال الاطلسي. وقد يقول البعض أن التحالف غير راغب في اتخاذ أية قرارات جادة ووجوده، لا يتعدى كونه نمر من ورق. ومع ذلك، فإن غسل الدماغ الذي حصل في العامين الماضيين قد حسن بشكل كبير من القدرة على اتخاذ القرار لدى حلف شمال الاطلسي وزاد من فرص تحقيق التوافق في الآراء بشأن "التهديد الروسي" المزعوم.

قدرة الحلف على حشد القوات التقليدية القوية بسرعة لا تزال منخفضة، وجنرالات الناتو يعترفون بذلك. ومع ذلك فإن الإجراءات الأخيرة الفعالة لترتيبات تقاسم وتعزيز القوات الأمريكية النووية في مختلف بلدان أوروبا الوسطى والشرقية يقدم الردع الكافي ضد أي عمل طائش. ومن الواضح أن الحرب لن تحدث في أوروبا (ولا في أوكرانيا رغم عدم إمكانية التنبؤبتصرفات قيادتها). ومع ذلك، أينما وجدت قوات حلف شمال الاطلسي، في نهاية المطاف يمكن تعبئتها لمساعدة حلفائها.
وعلاوة على ذلك، موسكو إلى حد كبير تنتهج سياسة دفاعية على مدى السنوات الـ16 الماضية. حتى الآن، وحسب المراقبين المستقلين "غالبية أنشطة موسكو هي رد فعل وليست فعلا استباقيا"، إذ يتمتع الكرملين بقدرة على استيعاب الاستفزازات الصغيرة من وقت لآخر (مثل الحوادث الجارية في الجو فوق بحر البلطيق)، ويتمتع بحذر كبير جدا في اتخاذ أي إجراء جدي يتطلب استخدام القوة وقد يؤدي إلى خسائر ملموسة. حتى عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية على الحدود السورية، لم يكن هناك أي رد عسكري عملي، على العكس من ذلك، استغلت موسكو الأوراق الدبلوماسية ببراعة عالية، لتنتهي الأزمة بصداقة جديدة مع أنقرة، وبمكاسب جيوسياسية ملموسة لصالح موسكو.

موسكو تعتمد الآن "التدابير غير المتماثلة" وهي لا تترك أي مجال للاشتباكات المسلحة الكبيرة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متسامح تجاه الإتهامات والضغوط الغربية وواضح في تصوره حول السلام العالمي. هو لا يبحث عن الحرب.

الجانب الأمريكي سلبي في توجهاته. إذ يفترض العديد من المحللين أن كلا المرشحين للرئاسة يدعمان الحرب - والفرق هو فقط في الجدول الزمني. المرشح الجمهوري دونالد ترامب، على الرغم من طبيعته، يبدو أكثر انعزالية وذلك يعني إحتمال نشوب "حروب صغيرة"، أما الديمقراطية هيلاري كلينتون، نظرا لما وصفت به مؤخرا بوتين، فقد تكون أكثر استعدادا لإطلاق "حرب كبيرة"، وربما إشعال حرب عالمية نووية.

خطر الحرب قد يكون وشيكا أكثر من المتوقع، بالنظر إلى أن العالم قد يواجه أزمة مالية جديدة في عامي 2017-2018، من شأنها أن تحول الانجازات الاقتصادية للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى سراب. ومع ذلك، ترامب وكلينتون هما الآن مجرد أسماء لمرشحين، وكالعادة، على المرء ألا يتوهم من الكثير الذي يسمعه أثناء الحملة الانتخابية، فهناك الكثير مما قد يتغير عندما يصبح أحدهما فعلا رئيسا للبلاد.

وفي الوقت نفسه، إدارة أوباما الحالية لن تقوم بأي شيء مميز. كانت في حالة يرثى لها لأن هناك آراء متضاربة داخل المؤسسة حول التدخل العسكري في سوريا. ومع ذلك، فإن الرئيس أوباما حامل جائزة نوبل للسلام، لا يريد أن يترك إرثا سيئا قبيل مغادرته كرسي الرئاسة. وهو قضى معظم فترة ولايته بسحب القوات الأمريكية من أنحاء مختلفة من العالم، وليس من الحكمة في نهاية المطاف إرسال المزيد من القوات إلى الخارج، الأمر الذي سيعني الاعتراف بالفشل الذريع لسياسته الخارجية.

الرئيس الأمريكي كبطة عرجاء، ربما قد تكون لديه مساحة أكبر للمناورة بعد 8 نوفمبر/تشرين الثاني، حين لن تكون أية خطوة من خطواته قادرة على إفساد الحملة الانتخابية لمرشحة الحزب الديمقراطي. على الأرجح، هو لن يستفيد من هذه الفرصة، لأن أوباما كان دائما يسعى للتنازلات، وليس للحروب.

عاملان يمكن أن يزيدا من احتمال وقوع اشتباك مسلح بين روسيا والولايات المتحدة، أحدهما الخطاب المستخدم حاليا، فهناك الكثير من الكلام والمهاترات، مقابل مستوى شبه معدوم من العمل، والأمر واضح بأنه لا أحد يتحمل مسؤولية تصريخاته على الجانب الغربي من المحيط الأطلسي. كل التصريحات التي أطلقت خلال الأشهر القليلة الماضية كان ستشير إلى حرب مباشرة لو أطلقت في القرن التاسع عشر أو حتى في القرن العشرين. ومثل هذا الخطاب العدائي قد يخلق مناخا من العداء والترقب العام حول الصراع. ونتيجة لذلك، فإن مثل هذا الجو قد يسهل اتخاذ خطوات فورية "ردا" على حادث آخر.

من المستبعد أن تكون سوريا رغم حدة الصراع الدائر فيها سببا لاندلاع حرب بين القوتين العظميين، فهي بعيدة جغرافيا عن موسكو وواشنطن، على العكس من أوكرانيا، المحاذية لروسيا ولحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في أوروبا، من الواضح أن الغرب لا يهتم بمصير أوكرانيا، إلا أن قربها من أوروبا يجعل من مسألة نشوب حرب فيها أكثر صعوبة. وهذا الافتقار إلى الأهمية قد يؤدي إلى إهمال خطير وعواقب وخيمة في أي اشتباك مسلح، قد يدفع صناع القرار للذهاب إلى الحرب.

في الوقت الحاضر، روسيا والولايات المتحدة تتحليان بالحكمة وضبط النفس. وبالنظر إلى القيادة الحالية في كلا البلدين، فإن توقعات الحرب تبقى فقط مجرد توقعات. ومع ذلك، قد يتغير الوضع في العام المقبل، وسيكون من الأفضل للطرفين التفكير في تدابير بناء الثقة بالحد الأدنى لمنع وقوع الحوادث التي قد تهدد حياة مواطني البلدين، وقد تحرق أوروبا العالقة بينهما.