الخيار الأميركي المرّ
لو قُدّر للعديد من الأميركيين أن يختاروا ما يريدون في يوم انتخاب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، لاختاروا مرشحين آخرين غير «السيئ والأسوأ» أي دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.
لكن في دولة تتجذر فيها الثنائية الحزبية من دون منافسٍ ثالث يذكر، لم يعد هناك مجالٌ للبكاء على الأطلال. بعد ساعات، سيكون الأمر قد قضي، وغداً هو يوم آخر، أما اليوم فهو يوم الحسم، بعدما أدت جميع طرقات المرشحَين أمس إلى طاحونة واحدة، هي طاحونة الولايات المتأرجحة، للعب آخر الأوراق المتاحة، في سباق لم يُلعب مثله في تاريخ البلاد على وتر الفروقات الاجتماعية والإثنية، وسيترك أثره من دون شك على المشهد السياسي الأميركي والدورات الانتخابية المقبلة.
وأشارت آخر استطلاعات الرأي، أمس، إلى سباقٍ محمومٍ ومتقارب، تتقدم فيه الديموقراطية هيلاري كلينتون بفارق ضئيل يتراوح بين ثلاثة وأربعة في المئة عن منافسها الجمهوري، من دون أن يشفع لها كثيراً تنصّلُ الـ «إف بي آي» من ملاحقتها على خلفية ملف فضيحة بريدها الإلكتروني. وبالمقارنة مع عام 2012، تقدم باراك أوباما على منافسه ميت رومني في اليوم الأخير الذي سبق «يوم الانتخاب» بـ0.7 في المئة فقط، لكنه فاز في النهاية بفارق 3.9 في المئة.
وإذا كان من سلبيات وإيجابيات تصبُّ في مصلحة كلينتون، فهي تلك المؤشرات التي ظهرت نتيجة التصويت المبكر، والتي تحدثت عن تصويت قياسي للأميركيين من أصول لاتينية، ولكن مع تراجع لتصويت السود، مقارنة بتصويتهم في عهدي سلفها.
أما بالنسبة إلى ترامب، الذي يلهث في عدد من الولايات المتأرجحة، للتعادل مع منافسته، فيبقى التعويل على أصوات الناخبين البيض غير الجامعيين، التي تعادل مجتمعة أصوات الناخبين السود واللاتينيين والأميركيين من أصول آسيوية مجتمعة. وقد فاز رومني بهذه الأصوات في 2012 بفارق 26 نقطة مئوية على أوباما، لكن بيل كلينتون فاز بها في الدورتين الرئاسيتين اللتين ترشح فيهما. وخلال هذه الحملة، يفضل هذا «البلوك» الانتخابي ترامب، ليبقى السؤال بأي نسبة سيصوت، علماً أنه شكّل، في المقلب الأوروبي، العنصر الحاسم الذي حسم التوجه البريطاني نحو الـ «البريكست» أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي اعتبر ترامب أن فوزه سيحدث صدمةً على غراره.
ومن فلوريدا إلى كارولينا الشمالية إلى بنسيلفانيا إلى نيوهامشير، طار المرشح الجمهوري أمس لكسب أصوات المترددين وتحشيد مؤيديه لـ «يوم الانتخاب»، بشعار القضاء على المؤسسة الفاسدة في واشنطن. ومثله فعلت كلينتون، التي حطّت في ميشيغان حيث كسب أصواتها منافسها بيرني ساندرز في التمهيديات، وفي بيتسبورو في كاليفورنيا، وفي فيلادلفيا كبرى مدن ولاية بنسيلفانيا، وكارولينا الشمالية، بشعار إعادة توحيد أميركا المنقسمة.
وفي كارولينا الشمالية، إحدى أهم الولايات المتأرجحة، أشار آخر استطلاع رأي لـ «نيويورك تايمز» و «جماعة سيينا» إلى تعادل بين كلينتون وترامب بـ44 نقطة مئوية. ومن دون هذه الولاية، سيكون الطريق إلى البيت الأبيض أكثر صعوبة بالنسبة إلى ترامب، مع الدعم الذي من الممكن أن تقدمه له بـ15 من «الناخبين الكبار» من ضمن الـ 270 ناخباً كبيراً الذين يتحتم عليه الفوز بهم. وفاز أوباما بهذه الولاية في 2008، لكنه خسرها لمصلحة رومني في 2012.
وأشارت آخر استطلاعات الرأي في فلوريدا، التي قد تكون بيضة القبان في الانتخابات الحالية، إلى تعادل أيضاً بين المرشحين الجمهوري والديموقراطي، ما يعني في المقابل أن كلينتون لم تحصل بعد بحسب الاستطلاعات بدورها على الـ270 ناخباً كبيراً الذين تحتاج إليهم.
وتظهر هذه الاستطلاعات أيضاً، التي جرت على مستوى الولايات، نسبة أعلى من المتوقع للناخبين المترددين (واحد من أصل كل ٢٠ ناخباً محتملاً)، أو الذين سيصوتون لمرشح ثالث، معززة صعوبة التنبؤ بنتيجة المعركة قبل يوم من الانتخاب. وبحسب آخر استطلاع لجامعة «كينيبياك»، فإن كلينتون تتقدم في فلوريدا بـ46 نقطة مقابل 45 لترامب، ونقطتين للمرشح المستقل غاري جونسون. وبحسب الجامعة ذاتها، تتقدم كلينتون بـ47 نقطة مقابل 45 لترامب في كارولينا الشمالية. ووفقاً لجامعة فيرجينيا، فإن كلينتون تقترب من أن تصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، وأن يستعيد الديموقراطيون مجلس الشيوخ، بحصولها غداً على 322 مقابل 216 ناخبا كبيرا. وفي آخر استطلاعاتها، فإن ترامب سيخرج منتصراً في اوهايو وايوا، ولكنه سيكون خلف منافسته في الولايات المتأرجحة الأخرى، وهي كولورادو ونيفادا وفلوريدا وبنسيلفانيا وكارولينا الشمالية ونيوهامشير وميشيغان.
وفي ولاية ويسكونسين التي صوتت للديموقراطيين في كل انتخابات رئاسية منذ 1988، فاز أوباما بفارق ضئيل في 2012. أما نيفادا، التي صوتت لبيل كلينتون ثم لجورج بوش الابن، ثم لباراك اوباما. وفي الدورة الحالية، يشير التصويت المبكر في هذه الولاية إلى تقدم لكلينتون بست نقاط.
وقد توقعت شبكة «ان بي سي» أيضاً حصول كلينتون على 274 من أصوات كبار الناخبين مقارنة مع 170 صوتا لترامب، وقالت إن الاستطلاعات في الولايات التي تملك أصوات كبار الناخبين الـ94 المتبقية تظهر نتيجة متقاربة بين المرشحين، إلا أن ذلك سيكون كافيا لحصول كلينتون على الأصوات الـ270 الضرورية للفوز بالغالبية.
لكن بكل الأحوال، كثيرا ما أظهرت استطلاعات الرأي عدم دقتها، وسيكون على الجميع الانتظار حتى ساعات الفجر الأولى ليوم الأربعاء.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"