العبودية الجديدة.. عن استغلال اللاجئين السوريين في مزارع تركيا
لم تتوانى الحكومة التركية للحظة واحدة عن التفاخر بفتح أبواب البلاد أمام اللاجئين السوريين، وتقديم مختلف التسهيلات لهم للعيش، والتي وصلت حد منح الجنسية للبعض من السوريين؛ لكن، تقارير واردة من العمق التركي تكشف صورة أخرى مخالفة لما تروج له أنقرة، من ذلك ما كشفه تقرير حديث أنجزته شبكة الأنباء الإنسانية، إيرين، عن استغلال اللاجئين السوريين في مدينة أضنة، على الحدود التركية السورية، في مشاهد تتكرر في مختلف أنحاء تركيا، حيث باتت اليد العاملة السورية رافدا مهما للاقتصاد التركي.
تعتمد شاهين البالغة من العمر 44 عاما، وهي أم لثمانية أطفال، في معظم الأوقات على القسائم القابلة للاسترداد التي تُمنح لأسرتها بدلا من النقود، وتقبلها المتاجر المحلية مقابل نحو 80 بالمئة من قيمتها. وعندما تُدفع الرواتب في نهاية المطاف، دائما ما تكون أقل من المتوقع.
وقالت شاهين “عندما لا نتقاضى رواتبنا، نلجأ إلى طرق تتميز بقدر كبير من الابتكار في استخدام الطعام القليل المتوفر لدينا، بدلا من غذاء الرضع، نستخدم الخبز المغموس في الشاي”.
ومع ذلك، فإنها تعتبر نفسها محظوظة. عندما يقوم أفراد أسرتها بقطف الفاكهة، تظل شاهين في مخيم العمال بالقرب من قرية دوغانكنت، حيث تنظف خيمة الأسرة وتغسل الملابس وتخبز الخبز.
كما تعمل نساء أخريات عديدات من المقيمات في المخيم في الحقول، بالإضافة إلى أداء المهام اليومية المتوقعة من الزوجات والأمهات.
فرت شاهين من القتال في بلدة كوباني بشمال سوريا عام 2012. وفي وقت لاحق، قتل مسلحون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية شقيقيها ووالدتها.
وتعتمد هي وأفراد أسرتها الآن على العمل الزراعي الموسمي لإعالة أنفسهم، مثل معظم الـ150,000 لاجئ سوري المسجلين في أضنة.
ومعروف أن العمال المهاجرين ينجذبون إلى السهول الخصبة في المنطقة، حيث تعني زراعة المحاصيل على مدار العام استمرار الطلب على العمالة غير الماهرة، ولكن استغلال السوريين، الذين يشكلون الآن 85 بالمئة من القوى العاملة الزراعية في أضنة، أصبح متفشيا.
العمال الزراعيون السوريــون يعملون في أضنة لمدة 11 ساعة يوميا في المتوسط مقابل 38 ليرة تركية (11 دولارا).
وهناك، يعيش المهاجرون في مستوطنات معزولة من الخيام بعيدا عن المدارس والمرافق الصحية، على الرغم من أن معظم عمال المزارع السوريين كانت لديهم خلفية في مجال الزراعة قبل وصولهم إلى تركيا، فقد وجد الكثيرون منهم عملاً في الحقول لأنهم يفتقرون إلى مهارات اللغة التركية.
وقال عبدالله شيخ ياسين، البالغ من العمر 26 عاما، وهو من مدينة حلب، وهو يجمع البرتقال في بستان جنوب منطقة أضنة، إنه كان يدرس القانون عندما اندلعت الحرب. وأضاف “كنت أتحدث الإنكليزية قليلاً، لكنني نسيتها لأنني لم أذهب إلى المدرسة منذ أربع سنوات'”.
ويقول إبراهيم هامي، البالغ من العمر 56 عاما من كوباني، إنه يمتلك أكثر من 100 فدان من الأراضي في سوريا، حيث كان يزرع الزيتون وعباد الشمس والفستق، من بين محاصيل أخرى.
وأضاف متحدثا عن حياته التي انقلبت رأسا على عقب “هذه هي المرة الأولى في حياتنا التي نعيش فيها داخل خيام مثل هذه. كنا ننام على الأرض حتى أعطانا الناس بعض المراتب …. كانت سوريا بمثابة الجنة بالنسبة إلينا. وفي اللحظة التي يمكننا أن نعود إليها، سوف نعود”.
ويعمل ما يقرب من نصف الأطفال السوريين الذين في سن المدرسة هنا في الحقول ويعيشون فيها. و60 بالمئة من الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاماً لا يعرفون القراءة أو الكتابة. وتعبر عن هذا الواقع سعادة أوستان، التي لا ترسل إلا أكبر أطفالها الخمسة إلى المدرسة، بقولها “أريد أن يذهب أطفالي إلى المدرسة، ولكن عندما لا نحصل على رواتبنا، لا أستطيع تحمل نفقات الزي المدرسي واللوازم المدرسية، ونحن في حاجة إليهم للعمل في الحقول بدلاً من ذلك”.
وتتحمل النساء مسؤوليات أكثر من الرجال في مخيمات العمال، بالإضافة إلى كونهن مقدمات الرعاية الأولية للأطفال وكبار السن، ووجد التقرير أن 40 بالمئة من النساء اللواتي يعملن بدوام كامل.
رغم أن السوريين مؤهلون للحصول على الرعاية الطبية المجانية، إلا أنهم لا يستطيعون الحصول على هذه الخدمات إلا في المنطقة التي تم تسجيلهم فيها. وبما أن العمال الموسميين يتنقلون كثيرا سعيا وراء مواسم الحصاد المختلفة، فإنهم قد يضطرون إلى السفر المئات من الكيلومترات للحصول على الرعاية الطبية الأساسية.
ويشكو العمال من أن سيارات الإسعاف ترفض نقلهم من المخيمات في الكثير من الأحيان، وبالتالي فإنهم يضطرون لدفع ثمن الانتقال إلى المستشفيات المحلية.
وتذكر دراسة جديدة أجرتها ورشة التنمية ومقرها أنقرة، أن العمال الزراعيين السوريين يعملون في أضنة لمدة 11 ساعة يوميا في المتوسط مقابل 38 ليرة تركية (11 دولاراً)، حوالي ثلثي ما يكسبه الأتراك الذين يقومون بنفس العمل.
ووجدت الدراسة، التي تم تمويلها من قبل دائرة المساعدات الطارئة في الاتحاد الأوروبي، إيكو، أن العمال السوريين في الكثير من الأحيان يضطرون إلى الانتظار لعدة أشهر بعد جمع المحاصيل حتى يحصلوا على أجورهم. وعادة ما يتم الدفع من خلال وسطاء.
ويعمل هؤلاء الوسطاء بمثابة وكلاء توظيف، وينظمون أيضا ترتيبات النقل والمعيشة. وفي مقابل خدماتهم، يحصل الوسطاء، الذين غالبا ما يكونون من الأكراد الذين نزحوا من جنوب شرق تركيا، على 10 بالمئة من أجور العمال.
وبالإضافة إلى دفع عمولة للوسطاء، غالبا ما يضطر العمال المهاجرون لدفع فواتير المياه والكهرباء.
وفي مخيم شاهين، على سبيل المثال، يبلغ الإيجار السنوي 3,000 ليرة (حوالي 850 دولاراً)، وتُخصم تكاليف المرافق من الأجور.
وقالت سنية ديديوغلو، أستاذة السياسة الاجتماعية في جامعة موغل، إن معظمهم في نهاية المطاف يعيشون على الكفاف. وأضافت أن “قيمة أجورهم ليست مهمة، فهم يعرفون أن هناك فرص عمل في مجال الزراعة.
وفي حالة الأسر التي لديها 10 أطفال، ربما يعمل خمسة أطفال ووالداهم لكسب ما يكفي من المال”.
منذ عام 2014، تم منح السوريين المسجلين لدى السلطات التركية وضع الحماية المؤقتة، الذي يمنحهم حق الحصول على خدمات صحية مجانية، ولكن ليس الحق في العمل. ومع ذلك، فإن العديدين منهم يعملون في الاقتصاد غير الرسمي مقابل مبالغ تقل كثيرا عن الحد الأدنى للأجور.
وتم تقديم تشريع جديد في عام 2016، على الورق على الأقل، يسمح للسوريين بالتقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل، ولكن تم إعفاء قطاعي الزراعة وتربية الحيوانات من الحاجة إلى تصاريح. وبالتالي فإن العمال الزراعيين السوريين لا تشملهم قوانين العمل الأساسية ويُتركون تحت رحمة أرباب العمل عديمي الضمير.
ولا تتوقع ديديوغلو أن يتغير هذا الوضع في المستقبل القريب. وأضافت أن “السوريين سيظلون هنا لفترة طويلة، وخاصة جيل الشباب”. وقالت أيضا إن “الناس يتشبثون بالحياة من دون أي دعم، كما هو واضح على سكان الخيام. إنهم يحاولون العثور على وظائف وتغطية نفقاتهم في هذه الظروف المعيشية المروعة، ولم يحصلوا على أي قدر يُذكر من التعليم".