الأطفال اللاجئون .. جيلٌ يُحرم من ثقافة المدرسة

24.08.2016

نما خارج سوريا خلال ست سنوات من الحرب جيلٌ من الأطفال واليافعين الذين لم تطأ أقدامُهم المدرسة، ولم يجلسوا على مقاعد الدراسة طيلة مدة الحرب التي لم تنته بعد.

الجيلُ الجديد تلقى تعليمه في شوارع ومخيمات اللجوء من تركيا إلى لبنان والأردن، وأشرف عليه أحياناً متطرفون دينيون وسياسيون ونشطاء، كرسوا جلّ وقتهم لتلقينه ثقافة الحرب وشحنه بها، ما جعل الآلاف منه يتحولون إلى مقاتلين.

هكذا، فإن الطفل الذي كان عمره مثلاً مع بداية الحرب عشر سنوات بات اليوم في السادسة عشرة، وهو قادرٌ على حمل السلاح ومهيأ فكرياً لذلك، على اعتبار أن ثقافة العلم والمعرفة التي من المفترض أن تنقلها له المدرسة لم تعد متاحة ولم ينل حقه منها.

الظلم الذي تعرض له أطفال سوريا بفعل الحرب لا يقتصر على «ثقافتها» التي غُرست في عقول جزء منهم، بل يمتد إلى حقهم المسلوب في طفولتهم، التي تحولت إلى «كهولة» مبكرة، نظراً للمسؤوليات العائلية التي باتوا يتحملونها، والتي ساهمت كثيرا بحصر تفكيرهم بالعمل وتأمين قوت العيش لعوائلهم.

في تركيا التي تحتضن قرابة 800 ألف طفل سوري لاجئ، نجد أن قرابة 500 ألف منهم لم تطأ أقدامهم المدرسة خلال خمس سنوات، أكثر من 80 في المئة منهم تجاوزوا الثانية عشرة من العمر، بينما تشهد المرحلة الابتدائية من الصف الأول وحتى السادس التزاماً نسبياً جيداً من قبل الطلبة اللاجئين، حيث يلتزم أغلبهم بالمدرسة وينالون حصةً جيدة من التعليم.

وكذلك الحال في كل من لبنان والأردن، حيث يقدر عدد الأطفال المتسربين في البلدين المضيفين للاجئين السوريين بحوالي 340 ألفا، بحسب منظمات إنسانية معنية بملف التعليم.

في تركيا، معظم الأطفال المتسربين يعيشون خارج المخيمات، بينما يلتزم من هم داخلها بالمدارس من الابتدائية وحتى الثانوية، لكنهم يواجهون مشكلة الاعتراف بشهاداتهم الإعدادية والثانوية نظراً لكون المدارس الصادرة عنها غير رسمية، والشهادة السورية لها شروطها وظروف التقدم لامتحانها ومناهجها وما إلى ذلك.

التسرب ينسحب أيضاً على طلبة الجامعات، حيث بلغ عدد الطلبة الجامعيين المتسربين من جامعاتهم حوالي 160 ألف طالب، معظمهم ترك جامعته وغادر إلى تركيا على أمل العودة إليها بعد أشهر قليلة، متوقعاً حصول تغيير في سوريا وانتصار طرف بعينه على الآخر سريعاً، إلا أن الحرب طالت والمستقبل راح يتبدد.

أغلب الأطفال السوريين المتسربين في تركيا ولبنان والأردن انخرطوا في سوق العمل وهم يمارسون أعمالاً مجهدة. ووفق استبيان أُجري بالتعاون مع نشطاء معنيين بالتعليم في دول اللجوء، فإن 67 في المئة من الأطفال المتسربين هم معيلون لعوائلهم، وهم مقسمون إلى معيلين في ظل غياب الأب، ومعيلين في ظل وجود الأب، لكنه يعتمد عليهم ويجلس في المنزل، وهناك من هم معيلون لأب أو لفردٍ من العائلة مصاب أو مريض.

هذا وتعتبر منطقة غازي عنتاب في تركيا المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالأطفال السوريين المتسربين، وعلى الرغم من وجود عشرات المنظمات السورية العاملة على الأراضي التركية والمعنية بالتعليم، إلا أن عدد المتسربين ليس في انخفاض، بل هو في تزايد، فالجهود المبذولة في هذا الاتجاه ليست منظمة ولا مكثفة، بل هي جهود مشتتة ومتوسطة حسب الإمكانيات المتوفرة، ما يهدد مستقبل الأطفال وارتباطهم بالمدرسة والوطن، وحتى بالمجتمع.

الأطفال اللاجئون يحتاجون إلى حلول إبداعية على اعتبار أن المشكلة ليست في أنهم متسربون من المدرسة، بل في أن ثقافة العلم والمعرفة باتت مغيبة عنهم. وإن كان ليس من السهل إعادتهم بسهولة إلى المدرسة، لكن من الممكن تأمين مصادر بديلة للتعليم تكون متاحة لهؤلاء الأطفال في كل وقت وفي كل مكان، أو مصادر التعليم الذاتي، والافتراضي ... إلخ.

واقع الجيل تعليمياً يُذكّر بحال العلم في سوريا أيام الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي ولكن مع انقلاب في المشهد، حيث كان الآباء في ذلك الوقت أميين والأبناء متعلمين، بينما في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أضحى الآباء متعلمين والأبناء أميين، ما ينذر بكارثة كبرى ليس فقط على مستقبل الجيل بل على مستقبل الوطن.

استمرار الحرب وبقاء الأطفال السوريين في دول اللجوء لن يكون من مصلحة سوريا ولا من مصلحة السوريين، وفي كل يوم يتأخر السوريون في الاتفاق على إنهاء الحرب في بلادهم يتسرب من المدرسة قرابة 200 طفل.

"السفير"