أطفال "داعش" المجندون.. استجذاب بالحلوى ثم قطع رؤوس
الطفلين الأيزيديين، أحمد وأمير الذان يبلغان 16 و15 سنة على التوالي، هربا من قبضة تنظيم الدولة، وقد التقبت بهما على سفوح الجبال الساحرة في دهوك الواقعة في شمال العراق في إحدى أمسيات الربيع الجميلة.
أثناء تصفحهما لقنوات التلفاز بحثًا عن مسلسل كرتون يناسب سنهما، إذا بأحمد، الذي كان ممسكًا بجهاز التحكم عن بعد، يمر على إحدى القنوات التابعة لتنظيم الدولة، التي يسهل التقاط بثها هنا، فيصيح "انظر يا أمير، هذان نحن!". يتعرف الطفلان على نفسيهما من بين مجموعة من الأطفال يتشحون بالسواد ويرتدون الأقنعة، وذلك في مخيم تدريب تابع لتنظيم الدولة في الموصل، المعقل القوي للمنظمة الجهادية الأشهر في الوقت الراهن.
تذكر الصبيان مدة الشهور التسعة التي قضوها في أسر التنظيم، فيتحدث أحمد بصوت أجش قائلاً "أعطونا المخدرات، فبتنا نصدق كل مزاعمهم".
يستخدم التنظيم الإرهابي مع الأطفال الذين يطلق عليهم لقب "أشبال الخلافة" الضرب والأسلحة لتحويلهم إلى مقاتلين صلبين، ثم يعدهم لشن هجمات انتحارية ضد "الكفار" و"المرتدين"، وتصل الفظائع مداها، فيريهم عمليات قطع رؤوس حقيقية، حتى يتعلموا القيام بها.
عدد الأطفال المقاتلين ليس معروفًا بالضبط، لكنه يقترب من حاجز الـ1500. بعضهم وُلد هناك، وبعضهم قدِم مع والديه من الخارج للانضمام إلى التنظيم، وآخرون إما يتامى انضموا طواعية أو مختطفون مثل أحمد وأمير.
كان الطفلان ينعمان بحياة جميلة في سنجار، قبل أن يهجم التنظيم على قريتهم في عام 2014. فسحبا الأخوين أمام أعين والديهما الذين لم يمتلكا إلا التلويح لهما عن بعد، واتجهوا بهما إلى تل عفر العراقية، حيث صدر قرار حول كيفية الاستفادة منهما.
وقد جرى تقسيم الأطفال إلى مجموعتين، حسبما يصف الصبيان. الصغار إلى مدرسة القرآن والعلوم الشرعية، والكبار إلى مخيم تدريب في الموصل.
يقول الخبراء إن التنظيم يعاني من نقص شديد في المقاتلين؛ بسبب الحملة الشرسة التي تشنها القوى الدولية ضده، مما حدا به إلى توجيه جانب كبير من الدعاية الإعلامية الخاصة به نحو الأطفال لتجنيدهم. وكان نيكيتا مالك، أحد الباحثين في مؤسسة كويليام البريطانية، قد كشف في دراسة له عام 2015 أن التنظيم يعتمد بشكل متزايد في العمليات الوحشية، لا سيما الإعدامات. وقد بث التنظيم عدة إصدارات مرئية تظهر أطفالاً يقومون بعمليات إعدام بحق رهائن سقطوا في يد التنظيم خلال المعارك.
يقول مالك إن التنظيم يحاول إيصال رسالة مفادها "مهما فعلتم، سنربي جيلاً متشددًا هنا". ويهدف التنظيم إلى نشر أفكاره لدى القواعد الشعبية حتى تظل راسخة في منطقة ما حتى لو طُرد منها.
بالعودة إلى أحوال أحمد وأمير،كانا يستيقظان في المخيم لأداء صلاة الفجر، ثم يتعلمان كيفية التعامل مع الكلاشنكوف والمتفجرات. وكانا ينامان مساءً وهما في قمة التعب، ويفكران في والديهما الذين افتقداهما.
يتميز مقاتلو "داعش" بارتداء الجلباب الأفغاني. فارتداه الصبيان وأخذا إلى الجبهة للقاء العدو. وعندما علِم التنظيم بأنهما من الأيزيديين، هددهما بالقتل أو التحول إلى الإسلام. ويقول أمير إن التنظيم أعطاهما مخدرات فتخلصا من الخوف وتغير كل شيء. وكادا أن يعتقدا بكفر الأيزيديين.
بينما قال أحمد إنه كان قد أخفى هاتفًا محمولاً تحت إحدى الأشجار وكان يراسل والديه منه، وحين أُمسك به، تعرض لضرب مبرح فُكسر أحد أضلاعه، ولم يلتئم بالشكل المناسب، وتبرز العظام من فوق ملابسه، ما يذكره ببشاعة ما مرّ به، حسب قوله.
أخيرًا، وفي غفلة من حراس المخيم ليلاً، تمكن الفتيان من الهرب برفقة صبيين آخرين، وكان أحدهما مصابًا بشدة في كلتا قدميه، فاضطروا إلى حمله معظم الطريق. واستمرت رحلة هربهم تسعة أيام، عانوا فيها من نقص شديد في المياه.
استفاد تنظيم الدولة من برنامج تجنيد الأطفال الذي كان قد أطلقه الديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين منتصف التسعينيات تحت اسم "أشبال صدام". ويعتقد أن آلاف الأطفال قد شاركوا في الدفاع عن العراق ضد الغزو الأمريكي في 2003.
يجلس الطفلان الآن في مخيم للاجئين برفقة حشد من الأطفال. تقول أمهما إنها تأمل أن يعيش ابناها حياة الأطفال الطبيعية مجددًا. يصرخان أثناء الليل بسبب كوابيس تراودهما من هول ما مرا به، فتهدئ من روعهما وتأتيهما بشربة ماء. ولأن الإكراه يأتي بنتائج عكسية، فحين اقتبسا آيات من القرآن أثناء حديثهما، وضعت يدها على فمهما لإسكاتهما.
وعن أسلوب التنظيم الملتوي في تجنيد الأطفال. يبدأ التواصل مع الأطفال بشكل ودي عبر توزيع الحلوى والسماح لهم برفع علم التنظيم. وينشر التنظيم تعاليمه بين الأطفال في المدارس. ويمثلون عمليات قطع الرؤوس على دمى ترتدي زي الإعدام البرتقالي. وينشرون تطبيقًا على الهواتف يحوي الأناشيد التي تمجد التنظيم وتحث على الجهاد.
يتخذ التنظيم من تلك المدارس غطاءً لاختيار الأطفال المؤهلين لخوض العمليات الحربية. حيث يجول كشافة تلك المدارس لانتقاء أشبال الخلافة، وما إن يقع عليهم الاختيار، يصعب عليهم الفرار منه.
وعن صبي آخر، وهاد ابن الـ11 ربيعًا، الذي فر من إحدى مدارس القرآن التابعة للتنظيم في تل عفر. وقد جلبه عمه إلى مخيم تلقي المساعدات في مدينة دهوك العراقية.
الأطفال الفارين من جحيم التنظيم لا يجدون ما يكفي من الدعم. يقوم موظف في مخيم استقبال الفارين بجمع بيانات أولئك الأطفال على أمل تدشين حملة مساعدات لهم قريبًا. إلا أن ذلك الموظف يقول إن الحكومة تعاني بالفعل من كثرة عدد حالات النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب التي يتعين عليها التعامل معها.
يبدو وهاد مشتتًا وغير قادر على الإجابة عن قائمة الأسئلة التي يريد منه الموظف أن يجيب عليها حتى تتكون لديه صورة أولية عن حالته.
وعندما يسأله عن ديانته، يجيب وهاد وقد احمرت وجنتاه بأنه أيزيدي. يشعر الفتى بالخزي لأنه خان طائفته، حسبما يعتقد، وتحيز إلى قاتليهم.
اعتبر التنظيم وهاد غير مناسب للقتال، فأرسله إلى مدارس القرآن. حُبس لما يقرب من عامين مع عشرات الأطفال الآخرين، حيث كان يجري إيقاظهم فجرًا للصلاة، ثم يمضون سبع ساعات في تعلم القرآن على وعد من معلمتهم برؤية أمهاتهم إذا ما أحسنوا التصرف.
بات وهاد غير قادر على الكلام بسبب ما يعانيه من صدمة، رغم أنه لم يخض أي معارك. ويقول أطباء في مركز الصحة النفسية في دهوك إن العديد من الأطفال يعانون من الاكتئاب بسبب ما لاقوه من معاملة وحشية على أيدي التنظيم وأن بعضهم يحاول الانتحار.
وتقول إحدى المعالجات النفسيات إن بعض الأطفال حاولوا إيذاءها بالطرق التي عايشوها برفقة التنظيم، كإطفاء السجائر في جسدها أو خنقها بحبل.
يقول عمه إن أحد الأطفال حاول الفرار ذات مرة من قبضة التنظيم، فقاموا بقتله وإلقاء جثته بين بقية الأطفال لبث الرعب في نفوسهم وثنيهم عن التفكير في السير على خطاه.
يقف وهاد يراقب الأطفال وهم يلعبون في أحد شوارع دهوك وهو غارق في أفكاره. ويحكي عمه كيف أنه هو نفسه كاد أن يكون ضمن ضحايا تنظيم الدولة، لكن الأقدار شاءت أن يظل حيًا من بين 380 أيزيدي أجهز عليهم التنظيم حين هاجم قريتهم، حيث وُضعوا صفًا ورموا بالرصاص، لكن أعضاء التنظيم ظنوا أنهم قد قتلوه، وتحلى هو بما يكفي من الذكاء ليتظاهر بالموت، حتى عثر على النجدة.
يحاول عم وهاد أن يعيد بناء حياة ابن أخيه "سأصحبك إلى الحديقة في الغد، وأجعل منك شخصًا قويًا"، يعده عمه. فيرد وهاد "أجل، قوي كالمحاربين".
"دير شبيغل"