حقائق مشوهة - عجز الإمبراطوريات القديمة
مع حلول شهر رمضان لعام 2016، استيقظت فجأة الأمم المتحدة لترى الدمار الهائل الذي أحدثه "الراعي" الرئيسي، المملكة العربية السعودية، في الأمة اليمنية الفقيرة. جاء شهر رمضان المبارك لتقر الدول الغربية أخيرا بمأساة اليمنيين التي لا تحتمل...
هل نحن نشترك في هذا المشهد المكتشف حديثا حول المسؤولية؟ آمل أن يكون الجواب بالنفي لأن دموع التماسيح لا تشير أبدا إلى الحظ السعيد... لا على الأمم المتحدة، ولا على أي شخص في أي وقت مضى!
"المدنيون اليمنيون يواجهون أزمة لا يمكن حصرها مع بداية شهر رمضان المبارك"، اشتكى مسؤولو الأمم المتحدة للصحافة في أوائل يونيو 2016 من الوضع السيئ في اليمن... أنا شخصيا أزعم أن هذا التحقيق يأتي متأخرا بعض الشيء لأن اليمن في حالة حرب منذ أكثر من عام، وأن أكثر من 10 آلاف روح أزهقت بالفعل نتيجة للعنف الذي تمارسه المملكة العربية السعودية. ولكن بعد ذلك تلعب الأمم المتحدة مرة أخرى دور النعامة، وبالتالي لا يمكنها أن تنظر إلى جنوب الجزيرة العربية ... دعونا نتظاهر أن هذه الهفوة في العدالة كانت مؤقتة وغير محسوبة. دعونا نتظاهر من أجل المنطق أن الأمم المتحدة تقف في الواقع مع الأخلاق. دعونا نلعب لعبة الإمبراطوريات بحيث يبقى الرعايا غافلين إلى الأبد عن الواقع السياسي.
بمنطق مغاير، دعونا مرة واحدة نواجه الحقائق والحقائق الثابتة الباردة وجها لوجه ولو لمرة واحدة. ماذا نكتشف؟!
قيل لي مؤخرا أن لهجتي في الكتابة غالبا ما تكون قاسية وغير متسامحة، وأنني يجب أن أخفف من سخريتي لتقديم وجه أكثر ودا. أنا أفهم الانتقادات ... لكن لدي فتيل قصير جدا عندما يتعلق الأمر بالدعاية، وأنا أقول من أجل الدفاع عن سخريتي أن "لدغاتي" تكشف توقي إلى استكشاف الحقائق.
نحن نستحق الحقيقة ... وخصوصا عندما لا تكون جميلة.
حتى ما يجري في اليمن والأزمة الإنسانية التي لا تنتهي فيه.
تلخص قناة الجزيرة الناطقة باسم دولة قطر الموقف: "لقد قتل الصراع في اليمن أكثر من 6400 شخص وشرد 2.8 مليون منذ مارس من العام الماضي.
ما يقارب من 14 مليون يمني يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.
وتقول الأمم المتحدة أن الغذاء والوقود والأدوية تشهد نقصا في العرض ما دفع بالأسعار للارتفاع.
"هذا العام يمكن أن يكون أسوأ عام في تاريخ اليمن، خصوصا مع بداية شهر رمضان المبارك" هذا ما قاله المحلل الاقتصادي عبد السلام المهتوري.
"لقد ارتفعت الأسعار بدون شك نتيجة الحصار الذي تم فرضه لأكثر من 14 شهرا".
وتقول الأمم المتحدة أن الواردات ما زالت مقيدة والعديد من سفن الشحن لا يمكنها الوصول إلى الموانئ اليمنية. إنها مساعدات جذابة تلك التي تصل إلى 1.8 مليار دولار كمساعدات عن هذا العام.
حتى الآن، يقولون، وصل فقط 17٪ من ذلك".
هذا تحليل مثير للاهتمام.
اسمحوا لي أن أضع الأمور في نصابها بالنسبة لكم:
عدد القتلى في اليمن هو أعلى بكثير من الرقم الذي تعترف به الأمم المتحدة، هيئة الإغاثة "منى" تقدر الرقم بحوالي 12000، في حين قدرت منظمة هيومن "سبأ" عدد الوفيات بأكثر من 9100. جميع الوكالات "المستقلة" تصف الرقم 6400 بأنه كناية عن تستر جنائي للجريمة.
من مجموع سكان اليمن البالغ 23 مليون نسمة، حوالي 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة فورية ... تقريبا ضعف ما تعترف به الأمم المتحدة. ولكن دعونا نفترض للحظة واحدة أن الأمم المتحدة تقرأ في كتاب مختلف حول القواعد الإنسانية. ماذا عن نقص الغذاء في اليمن؟ ماذا عن كل نقص في اليمن ... بالتأكيد يمكننا أن نتفق جميعا على أن النقص في اليمن يطال كل الإمدادات.
ليس هذا دقيقا!
تريدنا الأمم المتحدة أن نعتقد أن الأزمة في اليمن إلى حد ما هي نتيجة ثانوية للمقاومة، وهو مرض سببه "المتمردون" في اليمن المعروفون باسم الحوثيين والذين يسعون بشكل غير مسؤول من أجل السلطة.
نتذكر هنا القول للأمم المتحدة: "الغذاء والوقود والأدوية والنقص في المعروض والذي دفع الأسعار للارتفاع." دعني أرى هنا، كيف يمكن لليمن أن يخرج في نهاية المطاف من هذا الوضع الشائك؟
كلمتين: السعودية والعربية!
نعم أيها السيدات والسادة لقد كانت المملكة العربية السعودية هي نجمة الموت نفسها التي هندست بمفردها دخول اليمن في الظلام عندما التزمت الأمم المتحدة بالصمت وعندما كان الكثيرون غير مبالين بالإبادة الجماعية التي تحدث في اليمن.
لم تنبع الأزمة اليمنية من الأثير وهي لم تحدث ببساطة! لقد كانت الأزمة اليمنية منذ وقت طويل في طور التكوين. في الواقع الأمر أسوأ من ذلك بكثير فقد لعبت الأمم المتحدة دورا في قتل الأمة اليمنية. لو لم تكن الأمم المتحدة تعتمد على الأموال السعودية لكانت حرب اليمن قد تحولت لشكل مختلف جدا. لو لم تكن الأمم المتحدة تحرص على إرضاء الراعي الرئيسي، المملكة العربية السعودية، لما عانى الملايين من الناس من ظلم الحصار الإنساني.
عزلت اليمن عن بقية العالم بأمر الرياض - وصار الشعب اليمني سجينا داخل حدوده على حساب الفكر السعودي الذي يسير على درب إسرائيل في صناعة الأهوال، ويمارس التجويع كسلاح للإبادة الجماعية.
في يناير كانون الثاني عام 2016، أشار السياسي والكاتب بن نورتون للحصار في اليمن، وكذلك للحصار الإسرائيلي المستمر منذ عقد لغزة، حيث تساءل لماذا تدان بعض الفظائع بينما لا يكاد يعترف بغيرها وكتب:
"كل حصار يشكل مأساة بطبيعة الحال، لأنه يؤذي المدنيين. ينبغي أن يكون هناك غضب على حصار مضايا، ولكن يجب أن يكون هناك غضب متناسب لكل حصار. كل حصار مرفوض ولا يجوز تجاهله حتى الحصار المدعوم من الغرب.
الأمريكيون، على وجه الخصوص، يجب أن يكونوا قلقين بشأن ملايين الناس الذين يتم تجويعهم بسبب السياسات المدعومة من قبل حكومتهم الديمقراطية ظاهريا، والحق في هذه اللحظة بالذات".
لذا يرجى أن تجنبونا الغضب والدموع ... جنبونا الدعوات لاتخاذ إجراءات. لقد انتهت منذ فترة طويلة البراءة والسذاجة السياسية. انتهت منذ فترة طويلة حقا ...
ربما لن يصدمك هذا الخداع! لأني أعتقد أن الجمهور أكثر التصاقا بالواقع من النخبة الحاكمة؛ ولكن لا يجوز أن ننسى احتمالا آخر. ماذا لو أن خيانة الأمانة المزمنة للأمم المتحدة هي في الواقع أحد أعراض العجز المزمن لديها، وليس رغبة منها بإلحاق الضرر بالأمم الأخرى؟
ومن الواضح أن الأمم المتحدة، بوصفها هيئة دولية قد فشلت في دورها المنظم بين دول العالم. أشك أن أحدا قد يختلف معي عندما أقول أن الأمم المتحدة قد أصبحت غير ذات صلة، ولا لزوم لها، وغير مجدية تماما. وكونها فشلت في جميع وظائفها ومهماتها التي وجدت أساسا لمعالجتها... فما هو إذا الهدف الجديد الذي تريد الوصول إليه.
نحن نادرا ما ننظر في هذه الإمكانية.
لكن اسمحوا لي أن أطرحها لكم على هذا النحو:
عندما أنشئت الأمم المتحدة في عام 1945، كان هدفها هو تعزيز التعاون الدولي في إطار معايير القانون الدولي بحيث تتعلم دول العالم اللعب حسب القواعد "العالمية" وبناء على ذلك يجب مساءلتها على أفعالها.
وهذا ما كان، فماذا عن اليوم!
اليوم أصبحت الأمم المتحدة أداة في يد القوى الاستعمارية. في الحقيقة، ربما يكون قد تم إنشاء الأمم المتحدة لخدمة هذا الغرض بالذات. المفارقة الحقيقية هنا تكمن في تغيير القيادة الإمبريالية.
القوى الغربية تغرق ببطء في ديونها الجماعية، تقطعت بهم السبل نتيجة جشعهم فاحتوتهم المملكة العربية السعودية التي ارتفعت كواحدة من القوى الجبارة فوق دول العالم. هي نفسها السعودية التي أجبرت الأمم المتحدة على الرقص على أنغام سياساتها، عندما مولت ووصلت بالأمم المتحدة إلى حد الاستعباد أو الخضوع لإرادتها الإمبراطورية.
وهكذا فالحرب في اليمن كما ترون مرآة أظهرت ليس فقط الطبيعة الإمبريالية الحقيقية للمملكة العربية السعودية، ولكن أظهرت أيضا الضمور السياسي للقوى الغربية.
كان وزير الخارجية السعودي قد قال في يونيو 2016 أن الأمم المتحدة هي مؤسسة سعودية. عندما كان يتحدث إلى الصحفيين بشأن المزاعم حول تهديد الرياض بقطع المساعدات المالية للأمم المتحدة على خلفية قضايا حقوق الإنسان قال الجبير انه لا معنى لقطع التمويل عن الأمم المتحدة مادامت الأمم المتحدة " لنا".
أنهيت قضيتي.