اليمن تحت نيران حروب الوهابية (1/2)
تعود جذور الحرب الدائرة اليوم في اليمن لأسباب تتعلق بالإمبريالية التي تمثل بدقة الطموحات الرأسمالية، إنها حرب تبين وجود مخطط ديني وضيع يهدف لإعادة تشكيل المنطقة وتغييرها ديموغرافيا، حسب قواعد الوهابية التي ترفض أي شيء آخر يتعارض معها. يريد آل سعود أن يتحكموا في الجزيرة العربية، كما تريد الوهابية أن تكون المذهب الوحيد لأي فرد أو جماعة في هذه المنطقة، ولتحقيق هذا الهدف عملت السعودية على تجريم وترهيب المجتمع اليمني المعروف بنظرته الدينية الرائعة، ومارست كل أشكال الاضطهاد والتعصب للقضاء على التعددية الدينية والتعاون والاحترام بين الأديان.
أنا لا أدعي بأي حال من الأحوال أن التوترات الطائفية لم تكن موجودة في تاريخ اليمن بل ما أقوله هو أن رغبة الرياض في تعميم "الدوغمائية" الوهابية على جميع المدارس الفكرية الأخرى أدت إلى سلسلة من الاحتكاكات التي تسعى لإنهاء جميع الأقليات الدينية.
تحت وطأة هذه القوة السعودية لا يعاني الشعب اليمني من التآكل الديني وحسب، بل ومن الشعور بعدم الاستقلال بل وعدم الإحساس بهويته. ومنذ العام 1994 حين وافق الرئيس علي عبد الله صالح على فتح اليمن لرجال الدين الوهابيين في مقابل الدعم العسكري الأمريكي ضد الانفصاليين في الجنوب، استعمرت اليمن من قبل الوهابية وأصبحت مرتعا للتطرف.
منذ ذلك الحين فصاعدا، اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين سيئة السمعة - تحت مسمى التجمع اليمني للإصلاح (وهو يتكون من ائتلاف القبائل والفصائل السياسية) النسخة السعودية للإسلام، وذهبت بتقاليد اليمن إلى الجحيم وأساءت إلى مبادئ التسامح التي عرفها اليمن.
منذ عام 2011 شهدت اليمن صحوة دينية. وانطلاقا من حاجة اليمنيين إلى استعادة أمتهم، والأهم استعادة المبادئ التي تحدد وتعرف قوميتهم بعد عقود من المحسوبية العمياء، كافح اليمنيون كثيرا رافضين التطرف السني والذي يعرف أيضا باسم الوهابية، عازمين على استعادة تراثهم.
سواء من منظور تاريخي أوديني بحت، فإن مثل هذا الإحياء للإسلام الشيعي في اليمن لم يرتبط مع السياسة أو مع مبادئ تدافع فقط عن الأسلام الشيعي. وعندما أتحدث عن الإسلام الشيعي، لا تفكر بإيران. لأن إيران ذات الغالبية الشيعية لا تحتكر الإيمان، ولا تدعي أنها أرض المسلمين، كما فعلت المملكة العربية السعودية التي تحكي عن قصتها الطويلة لكي تجعلك تخاف من أعدائها.
من أجل فهم أفضل لحركة الحوثيين في اليمن (مجموعة شيعية يقودها الشيخ عبد الملك الحوثي)، يحتاج المرء أن ينظر إلى الوراء قبل ألف عام، عندما رهنت القبائل الشمالية في اليمن أنفسها إلى الله ورسوله الكريم محمد.
وتعرفت قبائل اليمن على الإسلام من خلال الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم النبي وصهره. رجل الشجاعة والإخلاص والبر الذي تفوق على الجميع وألهم الأجيال منذ ذلك الحين. وماتزال البصمة الدينية التي تركها الإمام علي خلفه، هي التي تسود في شمال اليمن.
"ما قد ينساه العقل، يتذكره القلب" يقول الحوثيون.
وجاء تحويل اليمن إلى الإسلام بسبب إرادة الإمام علي في نشر الإسلام في كامل أرجاء شبه الجزيرة العربية.
ومنذ تلك اللحظة في التاريخ الإسلامي، أصبح اليمن امتدادا للحجاز، حيث الركيزة الأولى للإسلام، والأهم من ذلك أصبح اليمن المكان الذي ماتزال تتردد فيه أصوات ذهبت منذ فترة طويلة من الزمن.
وخلال المحن المبكرة التي واجهت الإمبراطورية الإسلامية، عندما بدأت الألعاب السياسية والتعطش للسلطة في تلطيخ رسالة الإسلام، بقيت القبائل الشمالية من اليمن، على عكس العديد من البلدان الأخرى في المنطقة، وفية لذرية النبي وللتقاليد الإسلامية التي أوصى بها.
وجه اليمن ولاءه للإسلام الشيعي، وهو ما يعني اتباع (في هذه الحالة الإمام علي ابن أبي طالب) من خطط النبي محمد لأن يكون الزعيم الديني الشرعي.
هذا الاتجاه الفكري الدين بدأ في 893، عندما لبى الإمام يحيى بن الحسين، وهو من أحفاد نبي الإسلام، نداء أهل اليمن خلال النزاع القبلي.
لعب الإمام يحيى دورالوسيط في النزاع بين القبائل، ودعم قبائل المرتفعات في الشمال عندما أدان الحكم الظالم للخليفة.
ولذلك يلعب الإسلام الشيعي دورا في تعزيز نظام اجتماعي وسياسي يعارض الاستبداد والاستعمار.
وبعد قبولهم الإمام يحيى كقائد لهم، رفضت القبائل في شمال اليمن تماما سلطة الخلافة السنية، التي مقرها في بغداد، وبالتالي وللمرة الثانية يعلنون ولائهم للإمام علي.
اليوم، ونحن نشهد عودة هذا الشعور. بعد عقود من المحسوبية والتفرقة الطائفية ضد الحوثيين، فالقلة الأخيرة المتبقية من المسلمين الشيعة في اليمن عادوا إلى المطالبة بتراثهم ورفض التطرف والراديكالية.
في خضم هذه التقلبات والمنعطفات في اليمن، والبحث عن اتجاه جديد، فإن الحوثيين مصممون على عدم السماح للمتطرفين السنة بالاستيلاء على وطنهم، ليكونوا بمثابة حاجز مرة أخرى ضد الاستبداد.
وفي وقت يفقد اليمن بسرعة ذاكرته الدينية، يمكن تذكر الحوثيين كقوة حررت اليمن من مخالب التطرف.
من الذي سيتحدث غدا عن الماضي الرائع لهذه الأمة عندما تكون جميع الاثار والمعالم الدينية تكمن في حالة خراب؟، ومن الذي سوف يتذكر القصص القديمة عندما لن تنجو حتى المتاحف.
قبل أن أتطرق أكثر إلى جدول أعمال وخطط الرياض في تغيير اليمن ديمغرافيا، أود أن أعرض للقراء القليل عن الوهابية- ربما البعض يفترض أن الإسلام والوهابية هما في الواقع شيء واحد، على الرغم من أن الوهابية تدعي نفسها جزءا من الإسلام، في معتقداتها، وتعاليمها، إلا أن ممارساتها تقف ضد تعاليم الإسلام.
في حين أن المملكة العربية السعودية قد بشرت بالوهابية، فقد واجهها الغرب بالعلمانية باعتبارها التعبير الوحيد عن الحرية. وتتوافق الوهابية مع التطرف في قواسم مشتركة أهمها رغبتها في طمس التعددية الدينية.
ومن المستحيل أن ننظر إلى اليمن دون رؤية تطبيق الشكل الجديد للثقافة الماركسية (في هذه الحالة نجد: الماركسية الدينية). أصبح اليمن اليوم ساحة حرب دينية للوهابية الزائفة، ومن يدعمها من القوى التي تريد قتل التفكير المستقل، والتسامح، وفي نهاية المطاف الحرية.
نجحت المملكة العربية السعودية في إعادة تسويق نفسها كقاعدة إسلامية، لضبط جميع المعايير الإسلامية الأخرى.
وأود أن أشير هنا إلى بحث "أندري كوريبكو"، المحلل السياسي البارز، الذي تحدث بشكل أفضل مني حول طبيعة الماركسية الثقافية. وكتب لموقع Katehon.com: "الماركسية الثقافية هي أولا مصطلح جديد ... الماركسي الثقافي هو واحد ممن يعتقدون أن العوامل الثقافية والحضارية ليست ذات صلة في فهم أي نوع من العلاقات الاجتماعية والسياسية أو الدولية".
أندري كوريبكو يحذر: في الوقت الحاضر، إن "الماركسيين الثقافيين" بدأوا بالخروج من الظلال وبالازدياد بمعدل لا يصدق من أجل النضال في وجه الظهور الممائل والسريع "للفاشية اليمينية". وهذان الفكران الأيديولوجيان المتطرفان يستعدان لمعركة شاملة على الساحة الأوروبية بأكملها.
ولتعزيز مكائدهم الدينية والسياسية اعتمد آل سعود على رجال الدين الوهابيين الحاقدين لتسحب القوة وتضعف الشرعية. واللعب على وتر الطائفية القديمة والقضاء على العلمانية المضادة لها.
إذا حدثت بالفعل خلافات دينية على مر القرون، واذا كان المسلمون في الحقيقة قد تحاربوا وتجادلوا حول الشرعية والتفوق الديني لمدارسهم الفكرية ومبادئهم، فإن العلمانيين كذلك فعلوا وساعدوا في شق صف المسلمين.
وجاءت الخلافات في الإسلام من الرغبة في تحديد السير الأفضل على طريق الله، وليس لطمس الحقيقة عن الناس.
الوهابية ليست أكثر من مجرد تحريف منسق، وتفرقة ورجس ينتشر كالسرطان في العالم الإسلامي، ويهدد الآن بتدمير جميع الأديان .
الوهابية وجحافلها: تنظيم القاعدة، "داعش"، "بوكو حرام"، ليست سوى مظاهر حركية إلحادية ورجعية تسعى إلى قتل كل الأديان. الوهابية ليست من الإسلام، والإسلام لن يكون أبدا الوهابية، بل من الحماقة أن نتصور أن الإسلام فرض عقوبات من أي وقت مضى كالقتل والنهب والهمجية الوحشية.
الإسلام يعارض الاستبداد والظلم والعار، والخداع، والجشع، والتطرف، والزهد، وكل ما هو غير متوازن وجيد وعادل ورحيم.
الوهابية هي مجرد تعبير مضلل عن الفكر السياسي لرجل طموح واحد هو محمد بن عبد الوهاب، هذا الرجل الذي تم تجنيده من قبل الإمبراطورية البريطانية ليدمر النسيج الإسلامي ويقضي على وحدة الأمة الإسلامية.
بدأت الوهابية سيطرتها وأفكارها في أراضي الحجاز التي تعرف الآن باسم المملكة العربية السعودية، لقد عملت عائلة واحدة هي عائلة آل سعود على تأسيس هذه المدرسة العنيفة وهذا الفكر الرجعي لتعطي نفسها الفرصة الكبيرة للمطالبة بالسلطة والاحتفاظ بها. لقد نشر هذا التحالف غير المقدس في سماء المملكة ولعدة قرون سوادا قاتما في الأفق من خلال هذا الفكر المتعصب الذي نشره.
لقد ساهمت الوهابية بميلاد شر مستطير هو الراديكالية المتشددة، إنه وحش نشأ وتغذى من سم السلفيين والوهابيين، ورعته المليارات من البترودولار السعودي. إنه سلاح تم نشره من قبل الإمبريالية الجديدة لتبرير التدخل العسكري في هذه الزوايا الأكثر صحة في العالم.
في يوليو/تموز 2013 وصف البرلمان الأوروبي الوهابية بأنها المصدر الرئيسي للإرهاب العالمي، وعلى الرغم من الإدانات الشديدة للمفتي العام للمملكة العربية السعودية لـ "داعش" وإصراره على أن "أفكار التطرف والتشدد والإرهاب لا تنتمي إلى الإسلام بأي شكل من الأشكال " فإن هذا لن يجعلنا غافلين عن تاريخ الوهابية.
محمد بن عبد الوهاب بنى إيديولوجيته الفكرية على فكر متطرف ومريض هو فكر ابن تيمية، لقد وصلت الوهابية إلى ما وصلت إليه بسفك الدماء والطغيان. ولفهم التعصب الذي تحمله الوهابية يجب العودة إلى النبع الحقيقي لهذا التعصب والبحث عنه عند ابن تيمية.
عاش ابن تيمية في القرن الثالث عشر، وكان يدعي أنه مصلح ويريد تطهير الإسلام من خلال إعادته إلى الأشكال التي أرادها خاتم الأنبياء، إلا أنه كان موضع شك ونقد كبير من المعاصرين والتابعين.
كتب الذهبي عنه: "تهرب من معاصريه واتهم بالردة على نزعته لمنح سمات الله لبعض الرجال في حين أن الله يقول في القرآن الكريم: "لا يوجد شيء على الإطلاق يشبهه". كما كتب العلامة البارز محمد زاهد الكوثري وهو حنفي سني عن ابن تيمية " أنه كان يخاصم كل علماء عصره وكان يوضع في السجن مرة تلو أخرى وتطلب منه التوبة كل مرة عما يقول ويفعل ولكنه كان دائما يستمر في عناده حتى وافته المنية".
في صميم الأفكار الوهابية عقيدة رفض ابن تيمية لأهل البيت والشفاعة عندهم :(الشفاعة عندما يدعو أحد قديسا أو نبيا أو أي شخص مقدس ليشفع لصالحه أمام الله). ولأن هذه المبادئ من القضايا المركزية في المذهب الشيعي، كانت الوهابية تمارس أبشع الهجمات على كل من يظهر الميل إلى حب آل بيت رسول الله أو يتشفع بأهل البيت ويعتبرونه مشركا ومرتدا. القليل من الوهابيين يدركون أن الشفاعة في الواقع تقليد قديم وهي موجودة في التوراة والإنجيل، وأن هذا الحب من المسلمين لأهل البيت هو من أساسيات الإيمان ونظام الاعتقاد الإسلامي. الشفاعة ليست أن نطلب من النبي أو من أئمة أهل البيت لحماية أنفسنا أو لدرء الكارثة أو لتحقيق السعادة والنجاح، بل هي أن نتضرع إلى الله بأولئك الذين هم أقرب إليه، وهذا التشابه موجود بين الشيعة والمسيحية.
هم غير قادرين على فهم أن المصلين في الواقع لا يصلون إلى المزارات، ولكنهم بدلا من ذلك يدعون هذه الشخصيات الدينية للتدخل لصالحهم، كما قال النبي وفعل بنفسه ودعا لأمته في يومه الأخير، لقد عملت الوهابية على قطع هذا الارتباط الروحي الحيوي وبالتالي حرمت المسلمين من حقهم وواجبهم الديني.
بكل المقاييس الدينية ووفقا لجميع المعايير فإن الوهابية هي بدعة في الحقيقة.
مثل مارتن لوثر ادعى محمد بن عبد الوهاب انه يريد العودة إلى تعاليم الإسلام الأولى وإخراج كل تراكمات العصور الوسطى. لتحقيق هذه الطموحات فهو يعارض الصوفية والإسلام الشيعي، واصفا أفكارهم بالهرطقة، وحث كل المسلمين على رفض التفسيرات التي تم تطويرها على مدى قرون من قبل العلماء وتفسير النصوص بأنفسهم أو بالأحرى تحت قيادته.
هذا ما سبب غضب رجال الدين وما هدد الحكام المحليين، الذين يعتقدون أن التدخل في هذه الولاءات الشعبية من شأنه أن يسبب الاضطرابات الاجتماعية.
لكن ابن عبد الوهاب عثر على داعم قوي هو محمد بن سعود، وهو زعيم نجد، الذي تبنى أفكاره. بن سعود استخدم الوهابية لدعم حملاته العسكرية للنهب والسيطرة على الأراضي، مصرا على أن هذا العنف كان في سبيل تحقيق الصالح العام. وحتى يومنا هذا يستمر آل سعود في هذه الخطة الدموية.
على الرغم من أن الإيديولوجية الوهابية تعتمد على القرآن الكريم، لكن إصرار ابن عبد الوهاب على أن روايته عن الإسلام وحدها هي الصالحة يشوه الرسالة القرآنية من خلال الطريقة الأكثر عنفا التي يعتمدها لنشر إيديولوجيته، والقرآن يقول "لا إكراه في الدين".
ومن القواعد التي يجب على المسلمين أن يؤمنوا بها هي الإيمان بجميع الأنبياء وأن التعددية الدينية هي من إرادة الله حتى جاءت الوهابية التي فرقت المسلمين عن بقية المؤمنين وجعلت المسلم يكفر أخاه المسلم.
تعتبر الصوفية من الحركات الأكثر شعبية في الإسلام وبالتالي أصبحت العدو رقم واحد للوهابية، والصوفية كانت وما تزال مزدهرة في اليمن في المنطقة الشرقية في حضرموت.
"لا تثني على إيمانك لدرجة أنك تكفر كل آخر غيرك " هذا ما حث عليه الصوفي الكبير ابن العربي. "الله كلي العلم ومنتشر في كل مكان ولا يمكن أن يقتصر على أي عقيدة واحدة." وكان من الشائع لدى الصوفية أنهم يعتبرون أن التمييز بين اليهودية والمسيحية وحتى الإسلام هو من صنع أيدينا وليس من عند الله.