السر الخفي للحرب في اليمن - حرب من أجل إعادة التشكيل الإقليمي

10.05.2016

إذا كانت اليمن تعيش الحرب المنسية من قبلنا - القصة التي لم ترو عن الحرب العنيفة من الاحتلال الثيوقراطي، حيث عانت اليمن الكثير من تحيز وسائل الإعلام ومن التعصب السياسي. في هذا العالم المعاصر الذي تخاض فيه الصراعات العسكرية على الأرض كما تخاض عبر موجات الأثير - في هذا المجتمع العالمي الذي نعيش فيه جميعا يعتبر الإدراك هو الأهم على الإطلاق.
لنتصور هذه المعالجة للواقع التي تتم في اليمن، حيث سمح للقوى الغربية أن تلعب دورا إمبرياليا لأكثر من عقد من الزمن، في الوقت الذي يتلبسون فيه الكفن المقدس للديموقراطية. لنتصور اليوم   كيف يمكن أن يتحول مجرمو الحرب إلى أبطال، والمناضلون من أجل الحرية إلى معارضين خطرين. عندما تذكر هذه الكلمات مثل المنشقين، ومقاتلة المتمردين ... فغالبا ما يصور الحوثيين بهذه الصور.
منبوذون بين جميع المنبوذين، حيث تم إلصاق العديد من الأسماء بهم، واتهموا بالعديد من الأعمال ولكن أحدا لا يريد معرفة حقيقة الحوثيين. ونادرا ما يهتم أحد بهذا الفصيل القبلي لفهم تحرك قادته ولكن من أجل شعب يمثلون نضاله، وليس من أجل  أنفسهم.
ولكن دعونا أولا نعود إلى أكاذيب التيار المهيمن حول ما يجري في اليمن
ما الذي قيل لكم عن حرب اليمن؟ ما الذي تعتقده صحيحا في هذه الفوضى في جنوب الجزيرة العربية؟ لعلك مثل الملايين، وربما المليارات من الناس في جميع أنحاء العالم الذي يعتمدون على وسائل الإعلام الرئيسية للحصول على تخطيط الأرض. قد يكون مفاجئا تماما ... أنه قد تم الكذب عليك. لا، اسمحوا لي أن أعيد صياغة ما قلته – لقد تم التلاعب بالناس من قبل الخطاب السياسي في المملكة العربية السعودية، بحيث أن حكوماتكم (الحكومات الغربية) يمكن أن ترشد دعمهما الإمبريالي وتعلن  أنه لا يزال هناك متسع من الديمقراطية على قيد الحياة.
بكل إنصاف هذا التلاعب ليس مدروسا بشكل كاف
حتى الآن صورت حرب اليمن كحرب لاستعادة الديمقراطية ومحاولة لنكران الذات من قبل النظام السعودي من أجل إنقاذ اليمن من طغيان الحوثيين وتطرف تنظيم القاعدة. ونحن أيضا قيل لنا، ولو بشكل أقل، أن الحرب في اليمن كانت حربا للدفاع عن النفس. وأذكر كيف تم نقاش ما جرى مؤخرا في اليمن من قبل محللي السياسة الخارجية في  الولايات المتحدة والأمن القومي ، حيث أكد لورانس كورب أن المملكة العربية السعودية لها كل الحق في الدفاع عن سيادة وأمن أراضيها الوطنية.
بينما أملك الالتزام الشخصي والاعتقاد بأن كل دولة ذات سيادة تتمتع بحق طبيعي وغير قابل للتصرف في الدفاع عن النفس. ونعم هذا يتضمن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، لكني لست متفهما لكيفية تطبيق هذا المبدأ على المملكة العربية السعودية.
وعند هذه النقطة لم أفهم كيف تخشى المملكة العربية السعودية على سيادتها؟ ما لم نفترض بالطبع أن اليمن يملك أطماعا توسعية باتجاه للمملكة. في هذه الحالة أستطيع أن أفهم كيف يهدد الحوثيون الرياض. لا يوجد حكم ثيوقراطي جيد يحب أن يكون  مناضلا من أجل الحرية! فكيف ببلد لا يسمح للنساء بالحصول على رخصة قيادة السيارة، أستطيع أن أفهم إذا كيف  يشكل الحوثيين تحديا صعبا للملكة السعودية.
يمكنك أن تتخيل - المطالبة بالديمقراطية والشفافية السياسية، والمساءلة السياسية؟ يا لأعصاب هؤلاء الناس ... ألم يدركوا أنه لا يسمح في أرض آل سعود ولا حتى للرياح أن تتجول مجانا ... وعلى الجميع أن ينصاع لجبروت النظام الملكي السعودي - لبدو نجد، الطواغيت العرب.
ولكن بطبيعة الحال اليمن ليس ملكا للمملكة العربية السعودية - وحين حاولت الرياض تغيير هذا الواقع، بقي اليمن قائما كدولة قومية مستقلة في جنوب الجزيرة العربية ... هل نحتاج إلى التأكيد على أن اليمن هي الدولة المستقلة الأخيرة في الجزيرة العربية، وأن المملكة تعمل في نهاية المطاف لسحق هذا الاستقلال ووضعه في سلة النفايات.
الحوثيون لا يشكلون خطرا على المملكة العربية السعودية - على الأقل ليس بالطريقة التي تحاول وسائل الإعلام تسويقها. في حين أنني سأسلم بأن الحوثيين يمثلون تهديدا أيديولوجيا للمملكة العربية السعودية لأن هذا الفصيل القبلي اليمني يتحول الآن إلى حركة سياسية توفر الحرية التي يخافها رجال الدين في المملكة العربية السعودية. الحوثيون لم يخططوا لغزو المملكة ... حسنا هذا ليس صحيحا تماما!.
الحوثيون لم يخططوا للتعدي على سلامة  الحدود الإقليمية الحقيقية للمملكة. ولكن الصحيح أيضا، أن أرض المملكة العربية السعودية - كانت تلك المحافظات البعيدة عن اليمن قبل العام 1930 ... ولنعد إلى التاريخ مرة أخرى! وسوف أطلب منكم مرة أخرى النظر إلى الوراء، لفهم أفضل لما يجري اليوم.
كان هناك خلاف كبير على مدى العقود التسعة الماضية بين اليمن والمملكة العربية السعودية على الحدود. وعلى الرغم من عقود تسعة من الضغائن الإقليمية، اسأل نفسك فقط كم كنت ستكافح من أجل ما هو حق ثابت لك. دعونا لا نسمح لليمن  بالمطالبة بحقوقه الإقليمية، لمجرد أن ذلك من شأنه أن يجعل حياتنا أسهل. دعونا بدلا من ذلك نقدر حقيقة وضعهم.
توصلت اليمن والمملكة العربية السعودية إلى اتفاقية الحدود في عام 2000 (ما عرف باتفاق جدة، الذي ثم توقيعه من قبل الرئيس علي عبد الله صالح والذي تنازل فيه عن ثلاث محافظات يمنية  بجرة قلم،  وأنهى الرئيس صالح بذلك 65 عاما من التوترات القبلية والاشتباكات المتقطعة والكثير من الاضطرابات). المفاجأة هي نفسها المفاجأة، أن اليمن هبط على نهاية حصير من القش ... كما قال الرئيس صالح للبعض انه تلقى دفعة 20 مليون دولار لوضع اسمه على خط منقط. وقالت جماعات المعارضة للصحافة  في 2011 أنهم يعتقدون أن صالح تلقى دفعة من 18 مليار دولار في مقابل تعاونه في حل النزاع العربي على أرض اليمن والسعودية.
ولكن نظرا لعدم تسريب وثائق  في أي وقت مضى بهذا الشأن، فسوف أخفف هذه الادعاءات  وأقول.
الخلاف بين اليمن والمملكة العربية السعودية يمكن إرجاعه إلى اتفاق مكة المثير للجدل في عام 1926. الاتفاق قرر أن إمارة جنوب غرب الإدريسي، التي هي موطن لثلاث محافظات في نزاع حدودي طويل الأمد: عسير وجيزان ونجران، والتي تنتمي إلى المملكة المملكة العربية السعودية التي أنشأت حديثا.
وغني عن القول أن قبائل شمال اليمن لم تكن سعيدة بذلك لآن هذا الاتفاق يعني تقسيم الأرض والأقاليم والشعب. تتقدم النزاعات في اليمن حول الأراضي السعودية تصبح موضوع مناقشات سياسية وقبلية ساخنة – وستبقى جرحا مفتوحا في اليمن لن يغفر  من قبل اليمنيين. 
لكن السياسيين مخلوقات متقلبة ... ففي عام 1934 أعادت معاهدة الطائف صراحة أن كل من عسير  وجيزان، ونجران هي مناطق سعودية. وبموجب شروط الاتفاق بين اليمن والمملكة العربية السعودية أصبحت الحدود "نهائية ودائمة." هذا بالطبع كان دون إرادة الحوثيين وقبائل شمال اليمن.
لم يمض وقت طويل على التوقيع على المعاهدة، حتى طعن في شرعيتها ورفضتها جميع الحكومات اليمنية منذ عام 1932 علنا ​​ من خلال رفض بعض شروطها، بحجة أنها فرضت قسرا من المملكة العربية السعودية. ثم طالبت اليمن بصياغة اتفاق حدودي جديد.
في هذا الشأن، كان اليمن حليفا قويا للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي أعلن قوله الشهير "لا يمكن لأي قوة أن تهاجم الشعب اليمني ... الثورة اليمنية هي ثورتنا، وثورة كل العرب ... ويمكن ببساطة عزل السعودية عن اليمن تماما من خلال أخذ جيزان ونجران. محافظة جيزان تنتمي إلى اليمن واغتصبت من قبل السعوديين في غزو عام 1930.
اليمنيون لديهم الحق في المطالبة [عودة] بجيزان ونجران. وسوف يكون القتال في هذه الحرب هو الحكم. نحن المصريين سنكون جنبا إلى جنب مع اليمنيين ... لذلك لا قوة يمكن أن تهاجم ثورة الشعب اليمني ".
لكن الرئيس السابق صالح سحق أحلام اليمنيين عندما وافق في عام 2000 على التخلي عن جميع المطالبات السيادية على محافظات عسير وجيزان ونجران.
إذا كنتم من العارفين بالتطورات في اليمن فلا شك أنكم تذكرون أن منظمة عسير، وهي منظمة حقوقية، أعلنت في عام 2012 أنها بدأت حملة وطنية لإعادة ما يطلق عليه " الأراضي اليمنية المسروقة" من المحتلين السعوديين.
ورفض إعلان المنظمة غير الحكومية فورا باعتبارها موالية لإيران،  الشيعة بيدق من بيادق السعودية في لعبة الشطرنج الطائفية الكبرى. ومضحك كيف يتم تصديق ذلك من قبل الجماعات والأفراد  حول الصلة بطهران. في الواقع الصداقة مع إيران لا يسلب شرعية المطالبة بالحقوق من الرياض. 
في يونيو 2012 قال عبد الرحمن الأشول "المتحدث باسم الجماعة في مقابلة له أن الأهداف الرئيسية هي" خلق الوعي اليمني الداخلي وإنشاء وتعميق أهمية الوعي الشعبي الوطني للحقوق والأراضي التي تقع تحت الاحتلال السعودي. التحضيرات تجري حاليا لإنشاء حركة احتجاج شعبية ومدنية ضد اتفاقيات الحدود  في الطائف وجدة ".

وذكر أهمية "توحيد الجبهة اليمنية الداخلية من خلال رفض سيطرة السعودية على عمليات صنع القرار اليمني وتوجيه الاتهام للشخصيات العامة اللذين تلطخت أيديهم بالمال السعودي وكذلك اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم لتورطهم والمساهمة في التخلي عن  الحق التاريخي اليمني فوق أراضي اليمن التي تم احتلالها من قبل السعودية، وسيطرت على ثروتها وأراضيها ومواردها الطبيعية".
وقد استندت عسير في مطالبها على التعليق الذي قاله الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي في عام 1977 خلال زيارة رسمية إلى الطائف في المملكة العربية السعودية. حين قال للملك: "ما زلت في الأراضي اليمنية. إذا كنت ترغب في مناقشة هذه المسألة، يمكننا أن نبدأ مع هذه النقطة ".
الحجة الرئيسية لعسير هي أن الحقوق الإقليمية لا تسقط بالتقادم. من الناحية القانونية المجموعة على حق - من الناحية السياسية عسير وقفت على أرض هشة جدا. لماذا قد تسأل؟ لأن لا أحد يقف في وجه المملكة العربية السعودية، ويعيش ليقول ما هي الحكاية.
إذا كلامي قد يبدو قاسيا، إلا أنه صحيح وواقعي. احتلت المملكة العربية السعودية مكانة أخلاقية وسياسية عالية على حساب المليارات من عائدات النفط وسيطرتها على خزان من الموارد الطبيعية.  المملكة لها وزنها في العواصم الغربية ... وزن ومكانة كبيرة في الحقيقة.
لكن الحوثيين لا يهتمون بالسياسة والدبلوماسية ... على الأقل عندما تكون سلامة أراضي اليمن على المحك، وبالتأكيد  عندما يقف مستقبل اليمن في الميزان.
دعك من ذلك ستقول؟ ذلك حدث قبل نحو 90 عاما يمكنك أن تجادل ؟ حسنا دعنا نرى كيف تشعر عندما سأخبرك أن هذه المحافظات الثلاث سوف تضع اليمن بمرتبة عالية في السلسة الغذائية من ناحية الزيت.عندما أقول مرتفعة ...أي أعني أعلى من المملكة العربية السعودية نفسها.
هل تمكنت من لفت انتباهكم كليا الآن إلى هذه الفكرة؟
إن استعادة الأراضي اليمنية المسروقة سوف تخرج اليمن من كونه الدولة الأكثر فقرا في جنوب الجزيرة العربية. فاليمن يجب أن يتموضع حيث كان من المفترض دائما أن يكون، على رأس دول جنوب الجزيرة العربية. ولكن المال والحصول على الموارد الطبيعية هي الأوراق الوحيدة التي يمكن لليمن أن يحصل عليها من هذا الترتيب.
اسمحوا لي أن أعرض لكم يمنا مختلفا جدا - اليمن الذي قد يكون فقط في حال انسحبت السعودية  إلى ما وراء حدودها الحقيقية.
اليمن اليوم لا يزال يعتبر البلد الأكثر سكانا في شبه الجزيرة العربية، مع ما يقدر بنحو 26 مليون شخص. ويتموضع اليمن أيضا في أعلى طريق النفط العالمية - أداة جيوسياسية قوية  التي يمكن أن تجعل اليمن كقوة إقليمية. والآن بحسب قوتها العسكرية، فاليمن يمكن أن يبني نفسه كقوة اقتصادية وسياسية جبارة.
هل فهمتم الآن لماذا يمثل اليمن مثل هذا التهديد؟ هل عرفتم لماذا كانت الرياض عازمة على تدمير وتشويه سمعة الحوثيين.
إذا كانت السعودية تستطيع أن تتحكم دون منازع ودون عائق في الملكيات الخليجية، مع العلم أن حجمها  من شأنه أن يردع أي قيام لجيرانها ضد آل سعود، اليمن هي المسألة الرئيسية كليا في صلب هذا الموضوع. حيث قد تفوق الموارد الطبيعية للبلاد ما هو موجود عند المملكة - وقد تشكل قوتها العسكرية تهديدات خارجية. أود أن أقول إن 2015 أثبتت مدى المرونة العسكرية لليمن في مواجهة الضغوط المتزايدة.
ووفقا لدراسات حديثة فإن احتياطي اليمن من النفط سوف يمثل 30٪ من الاحتياطي العالمي، أي أكثر من احتياطات المملكة العربية السعودية نفسها. وعلى الرغم من أن اليمن لم يكن  قادرا على استغلال موارد النفط والغاز، إلا أن إعطائه   الفرصة، قد يجعل من اليمن دولة عملاقة في المنطقة، وهذه الفكرة لن تنال إعجاب العائلة المالكة آل سعود.