إعادة التفكير في تمحور روسيا مع الصين
في مؤتمر عقد في موسكو، اتفق الخبراء على أن العلاقات الحالية بين موسكو وبكين قد وصلت إلى مستوى "غير مسبوق"، لكنهم أشاروا إلى أن الكثير من الأسئلة لا تزال بحاجة إلى إجابات.
واجتمع ممثلون عن الحكومات والأوساط الأكاديمية ورجال الأعمال من روسيا والصين في موسكو في 30-31 مايو/أيار، لبحث حالة العلاقات الروسية-الصينية ومناقشة سبل تعزيز نوعية العلاقات الثنائية. تحضيرا للزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين في يونيو/حزيران، وتطرق النقاش لمجموعة من المواضيع، بما في ذلك التعاون الإقليمي الأمني بين روسيا والصين والتحديات الاقتصادية العالمية الناشئة نتيجة لمبادرات اتفاقيات الشراكة التجارية الأمريكية في آسيا والمحيط الهادئ (على سبيل المثال الشراكة عبر المحيط الهادئ).
"مستوى العلاقات بين بلدينا يمثل نموذجا للتعاون في القرن الـ21، والذي يمثل التعاون الأعلى في الواقع من المنظور التاريخي" كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي تحدث في هذا المؤتمر الذي نظمه مجلس الشؤون الدولية الروسي. "هذه العلاقة لا تعني التستر على الأسئلة التي لم نتوصل بعد إلى توافق حولها، بل مناقشتها بطريقة صادقة وودية ومحترمة للتوصل إلى اتفاقات مفيدة للطرفين".
من ناحية أخرى، فإن المؤتمر، الذي يحمل عنوان "روسيا والصين: نحو نوعية جديدة من العلاقات الثنائية"، أظهر أنه على الرغم من ارتفاع مستوى الدعم لمزيد من التكامل بين الاقتصادين الروسي والصيني، ماتزال المشاكل موجودة والامكانات الهائلة للتعاون بين القوتين لم تحقق إلى حد كبير، الأمر الذي يتطلب قدرا كبيرا من الوقت والموارد لتحقيق ذلك.
وقال داي بينغ قوه، رئيس الجانب الصيني من لجنة الصداقة والسلام والتنمية الصينية الروسية "إن العلاقات بين موسكو وبكين تقوم على أساس من الثقة المتبادلة والدعم والاحترام. ولكن من المهم جدا أن نبذل جهودا قوية لضمان أن يبقى المستوى الحالي للعلاقات الثنائية على نفس المستوى ومواصلة تطويره ليس فقط سياسيا، ولكن أيضا من الناحية الاقتصادية".
هل كان "التمحور شرقا" بالنسبة لروسيا ناجحا؟
لي فنغلين، مدير معهد التنمية الاجتماعية في أوروبا وآسيا في مركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني وسفير الصين فوق العادة لدى روسيا الاتحادية في الأعوام (1995-1998)، يعتقد أن التحدث بلغة "التمحور" ليس صحيحا تماما، حيث أن الشرق كان دائما جزءا لا يتجزأ من روسيا.
وكما يراه، فإن "التمحور" هو فقط يعني تغيير في سياسات الدولة باتجاه التركيز أكثر على التعاون مع الدول الشرقية، بما في ذلك الصين.
"إن الشراكة تتطور، ولكن لن أقول أن شيئا جديدا قد ظهر". وأضاف "بالطبع، هذه العملية قد بدأت تتطور بنشاط أكبر، لأن كلا من الصين وروسيا فهموا أهمية المضي قدما بالشراكة".
"ما يحدث هو عملية إعادة توازن روسيا من الغرب إلى الشرق"، وفقا لديمتري ترينين، مدير مركز "كارنيغي" في موسكو. والشيء المهم هنا، كما يقول، هو أن روسيا قد توقفت عن النظر لأوروبا على أنها نموذجا لتنميتها.
الحالة الراهنة للتعاون بين روسيا والصين تتميز بشكل أساسي بالمشاريع الطموحة التي تركز على المدى الطويل. ومن أهم هذه المشاريع هو توقيع اتفاق لمدة 30 عاما بقيمة 400 مليار دولار لشراء وبيع الغاز الطبيعي بين شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" وشركة النفط الوطنية الصينية (سي. ان. بي. سي) في مايو/أيار 2014.
مشروع آخر تتم مناقشته على نطاق واسع هو إنشاء خط جديد فائق السرعة للسكك الحديدية من موسكو إلى بكين والذي من شأنه أن يساهم في خفض مدة الرحلة من ستة أيام عبر خط السكك الحديدية ( ترانس سيبيريا) إلى يومين فقط. وقد يكلف المشروع أكثر من 230 مليار دولار ويمتدد أكثر من 7000 كيلومتر. هذه المشاريع هي قيد التنفيذ، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم تنفيذها بنجاح في المستقبل.
ومن المرجح أن تؤدي الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين في يونيو حزيران إلى المزيد من المشاريع المشتركة في إطار للتعاون الحالي الثنائي . ووفقا لفيكتور فيكسلبرغ، رئيس الجانب الروسي من غرفة التجارة الروسية-الصينية للتجارة في الآلات والمنتجات العالية التكنولوجيا ، سوف يتم وضع 52 مقترحا على طاولة المباحثات.
من وجهة نظره، فإن الإمكانيات الفكرية الروسية والقدرات الصينية الصناعية يمكن أن تعمل بشكل جيد معا في مجموعة واسعة من المجالات، على سبيل المثال، بناء السكك الحديدية عالية السرعة، وتطوير مواد جديدة أو إنتاج الطائرات أو الروبوتات.
"ما هو ضروري هو إنشاء شركات مشتركة من شأنها أن تكون قادرة على المنافسة ليس فقط في الصين وروسيا فحسب، ولكن أيضا في السوق العالمية".
ما هي العقبات الموجودة؟
المشاكل، على كل حال، هي موجودة. ووفقا لإحصاءات مركز التجارة الدولية، فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين قد انخفض فعلا، من 88.8 مليار دولار في عام 2013 إلى 61.4 مليار عام 2015. وعلاوة على ذلك، فالمواد الخام لا تزال تمثل جزءا كبيرا من الصادرات الروسية. ففي عام 2015، استحوذت على أكثر من 65 في المئة من مجموع الصادرات. ولا تزال إمكانات ضخمة غير مستغلة، وبصرف النظر عن المواد الخام، لا تزال التجارة في السلع الأخرى في مستوى منخفض جدا.
بافل كادوتشنيكوف، نائب رئيس الأكاديمية الروسية للتجارة الخارجية، يعتقد أن الاتفاقات الروسية-الصينية يجب أن تعطي قطاع الأعمال اليقين أن مثل هذه المشاريع المشتركة سيكون مفيدا لهم. من وجهة نظره، يجب أن يكون لقطاع الأعمال صوت أكبر في تطوير المشاريع المشتركة.
يوافق فنغلين أن المبادرة في تحديد المشاريع المشتركة ينبغي أن تعطى للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بدون تضييع الكثير من التركيز على تخطيط الدولة. ويضيف أن معظم العقبات يتم إنشاؤها من قبل البيروقراطية الروسية وعدم التفكير في شروط السوق. وأضاف "انه من الضروري العمل وليس فقط انتظار جزء من الموازنة العامة للدولة". مباشرة.
ويبدو فيودور لوكيانوف، وهو رئيس تحرير مجلة الشؤون الروسية والعالمية ورئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية، أنه موافق على هذه النقطة. في الآونة الأخيرة، فقد أشار أن عاما واحدا ليس وقتا طويلا جدا لتقييم الإنجازات المتعلقة بموقف روسيا "التمحور مع الصين"، ولم تظهر أي دلائل على أن الوضع آخذ في التغير. والسبب في ذلك ليس عدم وجود الإرادة السياسية، ولكن الطريقة التي يعمل بها جهاز الدولة الروسية.
"ينظر الصينيون إلينا بمزيد من عدم التفاؤل. وهم يواجهون الكثير من المشاكل أيضا، ولكن إذا تم اتخاذ القرار، فإن الآلاف من المسؤولين والخبراء والمتخصصين في المجالات المختلفة سيبدأون في العمل على تنفيذ القرار.
العمل على تحسين الآليات التشريعية والإدارية التي عفا عليها الزمن، وضمان مصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وتشجيع الصادرات في السلع الجاهزة، بدلا من المواد الخام، هي بعض الخطوات اللازمة لضمان مواصلة تطوير العلاقات الروسية الصينية.