أنقرة وطهران.. هل تنجح موسكو في توحيد النقيضين؟

17.12.2016

قبيل لقاء منتظر بين تركيا وروسيا وإيران، في 27 ديسمبر/كانون الأول الجاري في موسكو، لبحث سبل التوصل إلى حل سياسي للنزاع في سوريا، تبرز التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين أنقرة وطهران، لا سيما بعد التجاذب الحاصل بينهما حول معركتي حلب والموصل.

ومن الواضح أن التوتر في العلاقات بين الدولتين الجارتين، في الفترة الأخيرة، لم يبلغ حد "القطيعة"، كما حصل بين السعودية وإيران على سبيل المثال، إلا أن تقريرا صدر في الأيام الأخيرة عن "مجموعة الأزمات الدولية"، يشير إلى أن طهران وأنقرة تقفان على مسار "التصادم"، بسبب الاختلاف العميق حول المصالح الأساسية في العراق وسوريا.

على هذا الصعيد، يبدو أن تركيا تريد الإستفادة من عودة الحرارة إلى علاقاتها مع روسيا لضمان مصالحها الخاصة في سوريا، وهي تدرك جيداً أن هذا الأمر يصطدم بالمصالح الإيرانية، بالرغم من علاقاتها مع طهران التي لم تكن سيئة في السنوات السابقة، لا بل أن هناك الكثير من المصالح الإقتصادية تجمع بينهما، وهي لذلك كانت أول من أعلن عن اللقاء الثلاثي، خلال الإتصالات مع موسكو، لتفادي إنهيار الإتفاق حول مدينة حلب، خصوصاً بعد أن ألمحت إلى أن طهران تقف وراء محاولات العرقلة.

من حيث المبدأ، تتفق أنقرة وطهران على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، نظراً إلى أن التقسيم سيعود بانعكاسات سلبية على أوضاعهما الداخلية، لكن من جهة ثانية يختلفان جذرياً حول مصير هذه الأزمة، فتركيا تشترط ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، في حين أن إيران ترفض هذا الأمر بشكل مطلق، وهي كانت أبرز داعمي الحكومة السورية مقابل تقديم أنقرة مختلف أشكال الدعم إلى فصائل المعارضة السياسية والعسكرية منها.

وعلى الصعيد العراقي، تعتبر تركيا أن إيران هي من تقف وراء موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي من مشاركتها في معركة تحرير الموصل، حيث رفض أن تلعب أي دور إنطلاقاً من تواجدها في معسكر بعشيقة، مقابل عدم ممانعته قيادة الولايات المتحدة العمليات العسكرية هناك، وهي كانت تطمح إلى حجز موقع لها، من خلال هذه المعركة في المشهد السياسي في بلاد الرافدين، إلا أن طهران، التي تعتبر اللاعب الأبرز على هذه الساحة، وقفت سداً منيعاً، لكنها اليوم تسعى إلى الدخول عبر نافذة مشروع "التسوية الوطنية".

في هذا السياق، عادت أنقرة في الفترة الأخيرة إلى عقلنة خياراتها السورية، بعد الصدام السابق مع موسكو، بعد أن أدركت أنها لا تستطيع الحصول على أي شيء من دون ضمان الضوء الأخضر الروسي، لكنها لا تجد في المقابل أي ليونة في الموقف الإيراني، فهي لم تعد تشترط رحيل الرئيس الأسد، ولعبت دوراً بارزاً في إنجاز الإتفاق حول حلب، أولاً من خلال صمتها عن العملية العسكرية التي قادتها موسكو، وثانياً عبر ضغطها على بعض المجموعات المسلحة للخروج من أحياء المدينة الشرقية، وهي كانت قد حصلت من روسيا سابقاً على غطاء لتدخلها في الشمال السوري مقابل ذلك، إلا أنها لم تنجح في تنفيذ رغبتها بالدخول إلى مدينة الباب حتى الآن.

وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، أدركت تركيا جيداً رسالة إستهداف جنودها قرب الباب، التي نفت موسكو أي علاقة لها بها وأكدت أن دمشق ليست مسؤولة عنها، في حين سربت أنقرة أن طائرة إيرانية قد تكون نفذت غارة جوية في المكان، لكنها لا تزال تطمح للحصول على الضوء الأخضر لإستكمال عملية درع الفرات، وتدرك أن طهران هي حائط السد الأول أمام هذا الطموح، بالإضافة إلى دمشق التي ترفض أي تعاون معها وتحملها مسؤولية الأزمة القائمة منذ أكثر من 5 سنوات، لكن هل سينجح اللقاء الثلاثي في معالجة هذه المعضلة؟

في بعض الأوساط، هناك حديث عن أن التلاقي بين المشروعين التركي والإيراني في المنطقة صعب جداً، بالرغم من أن الدولتين تحرصان على عدم الدخول في أي صدام مباشر بينهما، نظراً إلى إنعدام إحتمالات التوصل إلى قواسم مشتركة والتداخل في الساحات التي يسعيان إلى تطوير نفوذهما بها، إلا أن هناك من يرى إمكانية رعاية توازن قوى بينهما، ويعول على الدور الروسي في هذا المجال.

في المحصلة، تخفي العلاقات التركية الإيرانية الجيدة خلفها صراع على النفوذ والمصالح في أكثر من مكان، خصوصاً على الساحة السورية، لكن على تنجح روسيا في أن تكون حلقة الوصل بين النقيضين؟