إنقلاب تركيا الفاشل عزز علاقات طهران وأنقرة

22.08.2016

كانت عودة العلاقات التركية الروسية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بؤرة الاهتمام لدى العديد من المحللين الشهر الماضي. ومع ذلك، ذهب طي النسيان تطور مماثل إن لم يكن أكثر أهمية، وهو تحسين علاقات تركيا مع إيران بعد الانقلاب، الذي مر دون أن يلحظه حتى البعض.

إن هذا التطور الأخير، لا بد من الاعتراف، كان في إطار التكوين لبعض الوقت، وليس حصرًا نتيجة لمحاولة الانقلاب الفاشلة. ومع ذلك، أعطت محاولة الانقلاب، وفشلها، دفعة قوية للعلاقات بين تركيا وإيران.

وتجدر الإشارة إلى أن التحسن في العلاقات حدث على الرغم من أن إيران، مثل روسيا، تؤيد نظام الأسد في سوريا. وقد ساهم عدد من العوامل في هذا التطور.

تهديد داعش
أولًا، أدركت الحكومة التركية في الأشهر القليلة الماضية أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وليس الأسد، ينبغي أن يكون الشغل الشاغل في سوريا. هذا الإدراك بزغ في أنقرة مع تصاعد هجمات التنظيم الإرهابية في البلاد، والتي تركت عشرات القتلى.

وأبرز العمليات الإرهابية، الهجوم على مطار اسطنبول في 28 يونيو/حزيران، الذي أسفر عن مقتل واحد وأربعين شخصًا، أوكان بمثابة الضربة القاضية التي دمرت أسطورة أن الأسد يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن التركي.

فقد أوضح الهجوم أن الدول المجاورة لسوريا، إيران والعراق وتركيا، تواجه تهديدًا وجوديًا يتمثل في تنظيم "داعش". كما أوضح أيضًا أن إيران وتركيا يجب أن تتحركا نحو وضع استراتيجية مشتركة من أجل القضاء على هذا التهديد. وهكذا، أصبح الأسد مشكلة ثانوية من وجهة نظر تركيا.

تغير الموقف التركي تجاه نظام الأسد، كان واضحًا من تصريح أدلى به رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في 13 يوليو/تموز الماضي، قال فيه "أنا واثق من أننا سوف نعيد العلاقات مع سوريا إلى وضعها الطبيعي… نحن في حاجة إليها. إننا نقوم بتطبيع علاقاتنا مع إسرائيل وروسيا. أنا متأكد من أننا سوف نعود إلى علاقات طبيعية مع سوريا أيضًا".

هذا التغيير في الموقف التركي مهد الطريق لتحسين العلاقات مع إيران التي تشارك بنشاط في الدفاع عن النظام السوري بشكل غير مباشر من خلال حليفها "حزب الله"، ومباشرة من خلال عناصر من الحرس الثوري الإيراني.

التهديد الكردي
ثانيًا، قاد التمرد السوري إلى حقيقة، وذلك على حد سواء لأنقرة وطهران، أن المستفيد الرئيس من تفكك سوريا، والذي من المرجح أن يحدث إذا سقط الأسد، سيكون الأكراد السوريين، وخصوصًا "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي لديه صلات قوية، ليس فقط بـ"حزب العمال الكردستاني" في تركيا، بل أيضًا بـ"حزب الحياة الحرة الكردستاني"، حركة التمرد الكردية التي تشارك في قتال طهران.

الاتفاق النووي
ثالثًا، بدء سريان الاتفاق النووي الإيراني في يناير/كانون الثاني الماضي، وما ترتب عليه من رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على طهران، وهو ما اعتبرته كل من أنقرة وطهران بمثابة دفعة قوية للعلاقات التجارية.

العلاقات التجارية بين البلدين كانت قد تعرقلت إثر فرض قيود مالية على إيران، وهو ما حال دون أن تقوم تركيا بدفع مقابل لموارد الطاقة التي تستوردها من إيران، وبالتالي الحد من تدفق الغاز والنفط.

تركيا تشتري تقليديًا نحو ربع احتياجاتها من النفط، ونحو خمس احتياجاتها من الغاز من إيران. رفع العقوبات، وفقًا للتوقعات في كلا البلدين، من المرجح أن يضاعف ثلاث مرات حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار في غضون عامين.

وفي حين أن هذه العوامل الكامنة كانت الدافع في عمل قيادة البلدين نحو علاقات أفضل، فقد منح الانقلاب الفاشل زخمًا إضافيًا لهذه الحركة.

مخاوف إيرانية من كولن
القيادة الإيرانية كانت قلقة بالفعل من أن انقلابًا ناجحًا سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ليس فقط في تركيا، بل في المنطقة برمتها، وسيكون له عواقب وخيمة على إيران نفسها. وقد تجلى ذلك بوضوح من حقيقة أن جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، كان على اتصال مع نظيره التركي طوال ليلة الانقلاب.

كما كان للتعاطف والدعم المقدم من قبل النخب الإيرانية للحكومة التركية، الأثر النفسي الكبير على الرئيس أردوغان وكبار صناع القرار في أنقرة.

بالإضافة إلى أن الموقف الإيراني جاء مغايرًا لمواقف الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، التي كانت في أحسن الأحوال فاترة في دعمها للحكومة التركية. في معظم الحالات، كانوا أكثر اهتمامًا بوعظ الحكومة التركية بعدم إساءة استخدام سلطات الطوارئ في أعقاب الانقلاب، وليس بحماس الترحيب في نجاحها في سحق الانقلاب.

لذلك، ارتفعت الأسهم الإيرانية بشكل حاد في تركيا. إضافة إلى ذلك، فإن حركة التطهير الضخمة التي طالت عناصر حركة كولن من مواقع السلطة والنفوذ بعد الانقلاب الفاشل، كان مرحبًا بها من وجهة النظر الإيرانية.

الإيرانيون لا يهمهم ما إذا كان أنصار كولنقد شاركوا في الانقلاب أم لا. ما يهم أكثر هو أن أنصار حركة كولن مناهضين لإيران، ومعادين للشيعة. لذلك، لابد من إزالة بقايا الحركة من دوائر صنع القرار في تركيا لجعل العلاقات بين تركيا وإيران أقل أيديولوجية، وأكثر واقعية، عن طريق إزالة قشرة التنافس بين السنة والشيعة.

استقرار الشرق الأوسط
ومن المرجح أن تكون هذه المرحلة الجديدة للعلاقات التركية الإيرانية حاسمة للشرق الأوسط بأكمله؛ والسبب في ذلك بسيط: ففي وقت يبحر فيه العرب في بحور من الدم؛ نتيجة أعمال الفوضى التي تشهدها المنطقة، تبقى إيران وتركيا هما القوتان المحوريتان في المنطقة.

ولن يكون من الخطأ القول، إن مستوى الاستقرار والنظام في الشرق الأوسط سيعتمد على علاقتهما مع بعضها البعض؛ إذا كان بإمكانهما زراعة علاقة مبنية على الثقة المتبادلة والقدرة على استيعاب المصالح الحيوية ـ ويبدو أنهما يتحركان في هذا الاتجاه، فلربما سيكون بإمكان الشرق الأوسط العودة من أعماق الفوضى التي سقط فيها.

على واشنطن أن ترحب بهذا التطور أيضًا؛ نظرا لأهميته في الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والقضاء على تهديد "داعش"، ودمج إيران اقتصاديًا وسياسيًا في المجتمع الدولي.

"ذا ناشيونال انترست"