العقوبات ضد روسيا تهدد بانقسامات داخل أوروبا
أظهر الاجتماع الأخير للمجلس الأوروبي مرة أخرى، أن العلاقات مع روسيا الاتحادية لا تزال عامل خلاف داخل الاتحاد الأوروبي. إذ أدى تقييم التهديدات المختلفة والمصالح بين الدول الأعضاء إلى إعاقة الجهود المبذولة لإيجاد نهج مشترك تجاه موسكو.
قرار عدم فرض "تدابير تقييدية" جديدة ضد روسيا كرد على الوضع الميداني في حلب، يلخص بشكل واضح هذا الانقسام الداخلي. وحصلت هذه الخطوة نتيجة لمعارضة قوية من عدة بلدان، بقيادة رئيس الوزراء الايطالي رينزي خلال مأدبة عشاء غير رسمية قبل يوم من الاجتماع، ورفض رينزي موقف بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا وبولندا والمملكة المتحدة.
وهكذا قاد المعارضة لإعادة صياغة الوثيقة، التي احتوت عبارة "مزيد من التدابير التقييدية" - والمقترحة من قبل مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي – حيث تم إزالة هذه الجملة من النسخة النهائية للمقترحات.
دبلوماسية المسار المزدوج لرينزي
النهج الإيطالي الحذر إلى حد كبير يتماشى مع دبلوماسية المسار المزدوج المتبعة تقليديا فيما يتعلق بالكرملين. من ناحية، روما تواصل إدانة ما حصل في شبه جزيرة القرم واستعادتها من قبل روسيا، وكذلك استخدام موسكو للقوة في سوريا، بدلا من "طرح حل سلمي تحت رعاية الأمم المتحدة". من ناحية أخرى، تدرك إيطاليا أن السبيل الوحيد للتوصل إلى سلام دائم في الشرق الأوسط هو الحفاظ على مشاركة موسكو بدلا من عزلها. لهذا السبب، رينزي يثق بأن فرض عقوبات جديدة من شأنه أن يجعل التوصل إلى تسوية سلمية في سوريا أصعب. على الرغم من أن العقوبات بسبب أوكرانيا كان لها تأثير على الاقتصاد الروسي، إلا إنها أظهرت أيضا أن استراتيجية بوتين لم تتغير. على العكس من ذلك، عزز الكرملين سياسته الخارجية القوية والمستقلة داخل البلاد وخارجها على حد سواء.
أسباب داخلية
من الواضح أن هناك أسباب داخلية وراء معارضة رينزي لتدابير تقييدية جديدة ضد الكرملين. أولا، لأن إيطاليا لديها تقليديا علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية قوية مع روسيا الاتحادية. وهذا يجعل من الصعب على الرأي العام الإيطالي التشارك في نفس الاهتمامات كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في الشرق والشمال.
ثانيا، الزعيم الايطالي كافح داخليا لإقناع الناخبين بدعم خطته حول الإصلاحات الدستورية في البلاد. وبطاقة "العداء للاتحاد الاوروبي" هي أداة دعاية جذابة جدا للرد على ما تدعيه الأحزاب اليمينية بخضوع إيطاليا إلى إملاءات بروكسل.
ثالثا، أرسل رينزي رسالة مهمة لتلك الفعاليات الاقتصادية المحلية (لا سيما قطاع الأغذية الزراعية) الذي شهد خسائر نتيجة العقوبات. رابعا، استغل رينزي الضعف السياسي لبعض الشركاء مثل فرنسا وألمانيا. رينزي كان ناجحا من وجهة النظر الدبلوماسية، وتمكن من وضع نفسه على رأس مجموعة من البلدان التي ليست راضية عن توسيع العقوبات ضد موسكو، وخصوصا قبرص واليونان واسبانيا وكذلك النمسا والمجر وسلوفاكيا أيضا.
وأخيرا وليس آخرا، فإن الخطوة الإيطالية هي جزء من جهد أوسع لبدء حوار استراتيجي حول الوضع العام للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
المشاركة الانتقائية ضد المتشددين
النقاش الدائر حاليا حول العقوبات يوضح الفجوة بين نهجين مختلفين. من جهة، يفضل أنصار التهدئة اختيار "التعامل الانتقائي الهادئ" مع روسيا بشأن مواضيع منفصلة حيث يكون الحوار بين بروكسل وموسكو أمر ضروري للحفاظ على السلام والأمن. هذا النهج يتماشى إلى حد كبير مع المبادئ التوجيهية الخمسة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع موسكو التي تم التوافق عليها في مارس/آذار.
ومن جهة ثانية، فإن مجموعة ثانية من الدول تفضل الحفاظ على ضغط قوي على بوتين كوسيلة لردع التصعيد في كل من الجوار الشرقي والجنوبي. في الوقت الحالي، يبدو أن الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا هي التي ترفض النهج الأول.
وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة لموسكو، فقد أظهر الاجتماع الأخير لـ"رباعية النورماندي" أن كل من باريس وبرلين تريد إبقاء الأبواب مفتوحة للتعاون مع روسيا. ومن المرجح أن ميركل وهولاند قد وافقا ضمنا على قرار عدم فرض عقوبات جديدة على الكرملين.