الامبراطورية الأمريكية مقابل الروسية

27.10.2016

تزعم الاتهامات الغربية الحالية ضد روسيا، أن روسيا تسعى إلى "إعادة تأسيس إمبراطورتيها" التي انهارت مع زوال الاتحاد السوفياتي عام 1991. تتركز قضية الغرب الرئيسية على دول البلطيق وبولندا، والتي دخلت وخرجت مع أوكرانيا وروسيا البيضاء من المدار الروسي لعدة قرون. بالرغم من عدم وجود ولا حتى أي دليل صغير يشير إلى تصميم روسيا على تجاوز حدودها الغربية، هذه المزاعم الغربية توفر عذرا رائعا لحلف شمال الاطلسي لنقل جنوده ودباباته بما يشكل صفعة ضد جارهم العملاق روسيا. لكن هذه الدول لا يمكن أن تكون حقا جزء من "الإمبراطورية" الروسية لأنها  كانت في  الحقب الماضية تخدم حقيقة كطريق لغزوات الدول الغربية ضد روسيا. 
ما يعني الغربيون حقا عندما يتحدثون عن الإمبراطورية الروسية هي تلك الدول على طول الحدود الجنوبية الشاسعة لروسيا. وهي تمتد لآلاف الأميال ما وراء جبال الأورال والقارة الآسيوية إلى المحيط الهادئ.
و"الإمبراطورية" التي يحاول الرئيس بوتين إحياءها، لم تنشأ من الأراضي المحكومة بشكل مستقل بل هي: السهول التي لا نهاية لها التي تخترقها بعض الأنهار وتتركها إلى حد كبير "غير مأهولة" أو على شكل أرض مشاع، كما يطلق عليها في العصر الحديث.
وفقا لويكيبيديا: 
<< الأرض المشاع ... هو تعبير لاتيني مستمد من القانون الروماني ويعني "أرض لا يملكها أحد". وهو يستخدم في القانون الدولي لوصف الأراضي التي لم تكن تخضع لسيادة أية دولة، أو تلك التي لم تدع أية دولة صراحة أو ضمنا السيادة السابقة عليها. السيادة على الأراضي المشاع  قد يتم عن طريق الاحتلال، وإن كان القيام بذلك في بعض الحالات قد ينتهك القانون الدولي أو المعاهدات .. >>
سكنت جنوب آسيا الوسطى في الغالب من قبل القبائل الفارسية حتى القرن الخامس عندما بدأت الشعوب التركية في الانتشار في أنحاء المنطقة. في القرن الثاني عشر، اندفع المغول بقيادة جنكيز خان نحو السهل الأوراسي على طول الطريق حتى كييف ومسكوفي. وكانت هذه المنطقة التي تقع على الجانب الغربي من جبال الأورال تملك حضارة مزدهرة كبيرة ومعروفة باسم روس كييف. المغول حكموا لأربعة قرون من خلال نظام ملكية الدولة للأرض والناس. واستمر هذا النظام في ظل الحالة القيصرية وبعد الثورة البلشفية. 
من نهاية القرن الثالث عشر حتى الحرب العالمية الأولى، حكمت الإمبراطورية العثمانية معظم آسيا الوسطى، وكان ذلك من خلال الحروب التي خاضتها تركيا ضد روسيا حيث تشكلت العديد من الدول التي تنتهي أسماؤها اليوم باسم "ستان" (تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان)، وبعد الثورة الروسية  انضمت هذه الدول الوليدة في الاتحاد السوفياتي. المناطق الشرقية والمعروفة باسم تركستان الشرقية أو شينجيانغ انضمت إلى جمهورية الصين الشعبية.

من قبل العصر المسيحي وحتى العصور الوسطى، كان طريق الحرير الشهير بحكايات ماركو بولو يمر عبر آسيا الوسطى، وكان يتلاشى ويعود للظهور وفقا ل​​فرص التجارة. في القرن العشرين، والبلدان الواقعة على طول مساره أصبحت مع انهيار الاتحاد السوفيتي أعضاء مستقلين مع الاتحاد الروسي في رابطة الدول المستقلة.
كل هذا من أجل "إمبراطورية" فلاديمير بوتين الروسية. ماذا عن أميركا؟
منذ آلاف السنين، كان يسكن أمريكا الشمالية مجموعة من القبائل الهندية، وفقا للقانون الدولي المعاصر، كانت الأرض تعتبر أرضا مشاعا في وقت الغزو الأوروبي. عندما انتقل المستوطنون البيض غربا، وكانوا يطاردون السكان الأصليين، وكان يساق الناجون إلى "معسكرات"، حيث ظل معظمهم فيها حتى يومنا هذا.
في الولايات المتحدة لا توجد أية دولة "هندية" - علاوة على ذلك، فقد تدخلت الولايات المتحدة باستمرار في أمريكا الوسطى والمكسيك، حيث بقيت " التنمية " ربما نصف مثيلتها في الولايات المتحدة.
جيراننا إلى الجنوب، والذين أشرنا إليهم يعتبرون بأنهم "الحديقة الخلفية لنا" يتم تشغيلهم من قبل تجار المخدرات، حيث يضطر الشباب للانضمام إلى العصابات أو السفر فوق القطارات باتجاه الحدود مع الولايات المتحدة، حيث يواجه الأطفال الترحيل بدلا من الرعاية في ما يوصف بأنها أغنى دولة في العالم.
الولايات المتحدة لم تحصل على حدودها الحالية إلا بعد الحرب لمدة سنتين أعقبت حرب عام 1845. منذ عام 1945 قامت الولايات المتحدة بغزو 44 دولة، وفقا ل"تاريخ التدخلات العسكرية الأمريكية منذ عام 1890"  وهذا لا يتضمن التدريبات العسكرية في أراض أجنبية، وتمركز القوات الأمريكية في الخارج أو العمليات السرية وتدريب القوات الأجنبية والعديد من أشكال الاعتداء الأخرى.
سيكون من الصعب تكرار نفس النقطة: بينما فشلت الولايات المتحدة بدمج معظم الاراضي التي غزتها الولايات المتحدة، حيث استفادت الشركات الأمريكية، واصلت روسيا السوفياتية عملية التحديث التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. في اهانة للجمهور تتجنب الصحافة الأميركية الإبلاغ عن المشروع الأكبر للتنمية في العالم على الاطلاق: طريق الحرير الجديد الروسي الصيني المشترك، المعروف أيضا باسم حزام واحد، طريق واحد، والذي من شأنه أن يصل الصين بأوروبا عبر السكك الحديدية والطرق والموانئ الحديثة جدا.
وفي الوقت نفسه، كان الهنود الحمر عناوين للصحف عندما وضعوا أجسادهم أمام مستعمري الأرض وتحولوا  إلى مدافن قديمة خاصة بهم لتعبرها خطوط أنابيب النفط.