عودة الـ"كي جي بي".. روسيا توحد أجهزتها الأمنية
يبدو قرار جمع قوات الأمن الروسية في إطار وزارة جديدة لأمن الدولة، إما خطوة إدارية واقعية أم أنه تمهيد لعودة الـ"ك جي بي" بمستوى القوة التي كان عليها في الحقبة السوفيتية.
قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2018، سيكون الكرملين قد أعاد هيكلة قواته الأمنية مرة أخرى. في 19 سبتمبر/أيلول، تحدثت صحيفة "كوميرسانت" عن خطط لإصلاح واسع النطاق للخدمات الأمنية للحكومة: بدلا من خدمة الأمن الاتحادية الحالية (FSB)، هناك خطط لإنشاء وزارة جديدة لأمن الدولة، أو الـ"إ م جي بي".
وتشمل الإصلاحات عودة لجنة التحقيق النيابية العامة بعد توقف دام خمس سنوات، فضلا عن خطة لتقسيم واجبات وزارة الطوارئ بين وزارتي الدفاع والداخلية. هناك مخاوف حقيقية في وسائل الإعلام وبين الخبراء من أن هذا قد يعني عودة جميع قوى KGB إلى حياة المواطنين العاديين الروس.
مركزية جهاز المخابرات في البلاد
ووفقا لمصادر الصحيفة، هناك احتمال أن أنشطة المخابرات السوفيتية القديمة سيتم استعادتها من قبل الـMGB. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي تحولت مختلف إدارات الـKGB إلى قوات أمن منفصلة، مثل دائرة الحماية الاتحادية (FSO)، وجهاز الاستخبارات الخارجية (SVR) وFSB. لكن هذه الإدارات هي الآن على وشك التوحد مرة أخرى.
قال الكسندر بيريندزيف، خبير أمن الدولة والأستاذ المساعد في كلية العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة بليخانوف الروسية للاقتصادإن هذه الإدارة الموحدة الجديدة سوف يطلق عليها وزارة أمن الدولة (MGB). وأضافت الصحيفة أن إدارة واحدة فقط في خدمة الحماية الاتحادية ستبقى غير تابعة لوزارة أمن الدولة MGB: وهي جهاز الأمن الرئاسي، والذي سوف يقوم بمراقبة الاتصالات الخاصة وخدمات النقل لكبار المسؤولين.
لن تقوم فقط الوزارة الجديدة بإنفاذ القانون في روسيا، ولكنها سوف تؤمن أيضا وظائف جديدة. على وجه الخصوص، فإن MGB ستوفر الخدمات الأمنية لجميع الإدارات القانونية والأمنية.
ومن المفترض أيضا أن موظفي وزارة أمن الدولة MGB لن يقوموا فقط بإجراء تحقيقات في القضايا الجنائية التي رفعتها لجنة التحقيق في وزارة الداخلية، لكنهم سينفذون أيضا المراقبة الإجرائية على هذه الحالات. لذلك فإن وزارة أمن الدولة MGB لها الأولوية على لجنة التحقيق والشرطة الروسية، كما أنها ستعمل على تحمل المسؤولية في الحالات الهامة سياسيا.
أولئك الذين جاؤوا من الأجهزة الأمنية هم الذين سيقودون إدارة الدولة الحالية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو نفسه عضو سابق في الـ"كي جي بي" و جهاز أمن الدولة.
وكانت هناك علامات على المنافسة أو حتى المواجهة بين مختلف الدوائر القانونية. على سبيل المثال، استقال رئيس مصلحة الجمارك الاتحادية، اندريه بيليانينوف، في يوليو/تموز. في سبتمبر، اعتقل ديمتري زاخارشينكو، نائب رئيس وكالة مكافحة الفساد داخل وزارة الداخلية الروسية، بعد اختلاسه وتعاطيه روات بقيمة 8.5 مليار روبل (حوالي 131 مليون دولار) عثر عليها في منزله.
وذكرت وسائل الإعلام أيضا عن احتمال إقالة الكسندر باستريكين رئيس لجنة التحقيق. وفي فصل الربيع، تمت تصفية دائرة الهجرة الاتحادية ودائرة مكافحة المخدرات الاتحادية، وتم تسليم المسؤوليات التابعة لهما إلى قوات الشرطة.
وعلاوة على ذلك، في وقت مبكر من أبريل/نيسان، أعلن بوتين إنشاء الحرس الوطني الجديد، ووكالة الأمن الشخصي للرئيس الروسي، برئاسة فيكتور زولوتوف، وهو حارس شخصي لبوتين. ظاهريا، يفترض أن التركيز على محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، بما في ذلك الاتجار غير المشروع بالمخدرات من مهمات هذه الهيئة الأمنية. ومع ذلك، فإنه يمكن لذلك أن يشير أيضا إلى أن بوتين يهتم بمستقبله السياسي قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر إجراؤها في مارس/آذار 2018.
في أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والأخبار عن تشكيل وزارة أمن الدولة MGB فقد جاء في عناوين الصحف هذا الأسبوع أن البلاد تستعد للعديد من التغييرات: من المرجح حصول إصلاح جدي ضمن لجنة التحقيق. عام 2011 أحيلت إدارة هذه المؤسسة إلى النيابة العامة ولجنة التحقيق الروسية، والتي تم إنشاؤها مرة أخرى نتيجة لمجموعة من التناقضات بين قيادة هذه الإدارات. لكن الآن يتم تجميع هذه المؤسسات مرة أخرى.
أحد التطورات الهامة التي من المرجح أن تحدث هو حل وزارة الطوارئ. كما كان الأمر في عهد الاتحاد السوفييتي، بحيث تندرج قوات الدفاع المدني تحت إدارة وزارة الدفاع وخدمات المطافئ ستعود إلى وزارة الداخلية.
الاستعدادات للإصلاح بدأت في نفس الوقت الذي كان يجري فيه تعيين الحرس الوطني، وهذا يعني أن هذه الإصلاحات كانت مقررة في الأصل. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من العديد من الخدمات الأمنية والعسكرية التي تم دمجها في كيان واحد، يبقى الحرس الوطني منظمة مستقلة.
وقد نفذت كل هذه التغييرات قبل الانتخابات الرئاسية عام 2018، على الرغم من أنه يبقى أن نرى كيف سيتم تنفيذ هذا الإصلاح على نطاق واسع، ويقدر الخبراء أن التكاليف قد تصل الى عشرات المليارات من الروبلات.
رفض سكرتير الرئيس الصحفي، دميتري بيسكوف، وممثلون عن الأجهزة الأمنية التعليق على الشائعات التي تنتشر حول الإصلاح.
ماذا يعني هذا بالنسبة لروسيا؟
اختصار ال "إم جي بي" MGB ليس اختصارا جديدا. هذا هو بالضبط اسم المؤسسة التي أعقبت NKVD، والتي تحولت لاحقا إلى الـ"كي جي بي" [NKVD هو المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية.
مؤرخو الحقبة السوفيتية على دراية جيدة بوزارة أمن الدولة عندما كان يرأسها فيكتور أباموكوف، عندما تم إعدادها مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية من أجل تطهير صفوف النخبة في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت. حاربت الـ"إم مجي بي" MGB كل أنواع الخونة والمخربين - الحقيقيون والمتخيلون على حد سواء - وحددت الفاسدين الذين استفادوا من الحرب.
ومع ذلك، على الرغم من اسمها المخيف نوعا ما، وهدفها المتمثل في الجمع بين كل الأجهزة الأمنية تحت مؤسسة واحدة، فإن الفكرة الجديدة قد تكون في الواقع فكرة واقعية، وفقا لبعض الخبراء.
"أولا، هناك حاجة حقيقية لتقليل التنافس بين الأجهزة الأمنية"، كما قال بيرينزييف. "ثانيا، لا بد من خفض التكاليف للحفاظ على هذه الأجهزة الأمنية: لأن كل جهاز أمني مستقل سيحاول الحصول على المزيد من التمويل. ثالثا، من المهم تحسين إدارة شؤون الموظفين. والأهم من ذلك، فمن الأهمية بمكان أن هذه المؤسسة الجديدة وزارة أمن الدولة [MGB] ستتمكن من إدارة نظام الأمن القومي بطريقة أفضل. كل هذه الإدارات هي تحت سيطرة رئيس الجمهورية الذي هو القائد العام للقوات المسلحة. وكل هذا هو في الحقيقة مهمة هائلة: رئيس الجمهورية غير قادر على تنسيق كل هذه الهياكل باشراف يومي مباشر. لذلك، فهذه محاولة للتخفيف من حمل وظيفته".
وفي الوقت نفسه، لا يعتقد بيرينزييف أن إنشاء وزارة أمن الدولة MGB هو علامة على أن الحكومة تضيق الخناق. هذا الهيكل المركزي، كما يقول، سيجعل من الصعب على الأجهزة المختلفة التنافس مع بعضها البعض، لأن النظام اللامركزي يخلق بيئة مناسبة لعدم التنافس وراء الكواليس والمناورة من أجل السلطة.
وفي الوقت نفسه، يرى فاليري خومياكوف، مدير المجلس الاستراتيجي الوطني، أن الأجهزة الأمنية ستستفيد إذا أبلغت بعضها البعض بحثا عن الخونة أو الجواسيس. وقال انه لا يستبعد إمكانية إصلاح نظام الضمان كجزء من الاستعدادات لحملة الانتخابات الرئاسية عام 2018.