اليمن والسعودية ولعبة العروش

24.08.2016

عانت المملكة العربية السعودية من هزيمة ساحقة في اليمن. يبدو أن هذا الصراع كان محبطا بالنسبة إليهم. الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق عبد الله صالح سيطروا على شمال اليمن ويقومون بعمليات عسكرية في محافظة نجران على الأراضي السعودية. 
يشهد جنوب اليمن سيطرة قوات التحالف السعودي وتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" والانفصاليين في الجنوب اليمني. 
مؤخرا أعلن ممثلوا حركة الحوثيين تشكيل حكومة  تشمل أعضاء حزبهم "أنصار الله" وحزب "المؤتمر الشعبي العام" للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكذلك أعضاء من أحزاب ومنظمات أخرى. في نفس الوقت انهارت محاولات السعوديين لإقامة حكومة مؤقتة في عدن مماثلة لحكومة الحوثيين في الشمال. 
حكومة الرئيس هادي المدعومة من السعوديين وحلفائهم موجودة في الرياض،  في نجران في المنطقة الحدودية مع اليمن بدأت القبائل المحلية في المملكة العربية السعودية تمردا ضد السلطات الرسمية.
لنتذكر أنه في عام 2015 غزى التحالف العربي بقيادة السعودية اليمن، وقد شارك في الحرب ضد اليمن كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والمغرب والأردن والكويت وباكستان. باكستان انضمت رسميا للتحالف فقط ولكن لم يكن لديها مشاركة حقيقية في هذا الصراع.
الذي يتحمل وطأة الحرب الرئيسية هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
في الوقت نفسه هزمت السعودية في سوريا وفشلت بطرد بشار الأسد ومنذ إعادة توجه تركيا نحو روسيا وإيران  فإن الموقف السعودي أصبح أكثر حرجا. وكان تأثير ما يسمى جماعة المعارضة السورية في الرياض، التي يسيطر عليها الأتراك والسعوديون، يقل خلال تطور الحرب السورية. إجراء حملتين عسكريتين في آن واحد - الحرب المفتوحة في اليمن والحرب بالوكالة في سوريا-  أدى  لصعوبات متزايدة. وهذا مفهوم من قبل السعوديين والولايات المتحدة. وقد اعترفت الولايات المتحدة بعدم جدوى الحملة العسكرية في اليمن، وبالأمس فقط أفيد أن الولايات المتحدة سحبت مجموعة التخطيط من السعودية والتي وفرت المعلومات الإستخبارية اللازمة للسعوديين وتمركزت في البحرين.
التدخل في اليمن والحرب في سوريا هي مشاريع تنافسية (تحاول بعض المصادر أن تقدمها بهذه الطريقة). المملكة العربية السعودية تواجه الآن صراعا شرسا بين نخبها، الملك سلمان مصاب بمرض خطير وبعد وفاته ستنتقل السلطة إلى أفراد الجيل الثاني من السلالة السعودية. من الأرجح أن الأمير محمد بن سلمان (وزير الدفاع) وولي العهد الأمير محمد بن نايف آل سعود سيصطدمان في صراع على السلطة في المستقبل القريب.
ومن المعروف أن محمد بن نايف من النخبة السعودية المرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة. وهو يعتبر أن المغامرة السورية هي مشروع لمجموعته التي تنسق أنشطتها مع الولايات المتحدة. درس بن نايف في شبابه في الولايات المتحدة وكان من المدربين في مكتب التخقيقات الفيدرالي. وفقا لمذكرات الموظفين السابقين في وكالة المخابرات المركزية كان الأمير مواليا للولايات المتحدة بشكل دائم ومتعاونا مع وكالات الاستخبارات الأمريكية. لذلك ترى الولايات المتحدة أنه من أكثر المرشحين المرغوبين للعرش السعودي، على الرغم من قلقهم على صحته.
محمد بن سلمان، الذي يبلغ من العمر 31 عاما  طموح للغاية ويسعى بأي ثمن لأخذ العرش من والده. ويتوقع بعض المحللين انقلابا ناعما بعد وفاة الملك سلمان لأن محمد بن سلمان هو الثاني في ترتيب ولاية العرش بعد عمه محمد بن نايف. بالنسبة للولايات المتحدة، هو لاعب  جديد. كانت الحرب في اليمن مبادرة منه ليظهر منتصرا ومن أجل زيادة هيبته ومكانته الخاصة  ولكنه أخطأ في الحسابات.
وبالتالي، هناك مجموعتان متعارضتان في المملكة العربية السعودية: إحداها موالية تماما للولايات المتحدة. والأخرى عدوانية جدا وتوسعية ولكنها من دون دعم كاف من جانب الولايات المتحدة. لعل المشاريع والمبادرات السياسية الخارجية ستفشل إحداها لتصبح الأخرى هي التي تفوز في "لعبة العروش" هذه.
زار محمد بن سلمان روسيا بشكل دوري  للحصول على دعم من الجانب الروسي على ما يبدو. وقد التقى مؤخرا الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. هذه الاتصالات توضح الأهمية المتزايدة لروسيا في الشرق الأوسط على خلفية عملية ناجحة وثابتة في سوريا. ومن المنتظر أن يكون لها دور أيضا في اليمن. أعلن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح أمس أن روسيا مستعدة لتوفير موانئ  وقواعد لتمركز الجنود الروس. السيطرة على اليمن يعني السيطرة على شريان النقل الأهم: الطريق من المحيط الهندي والخليج العربي إلى البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
روسيا بطبيعة الحال غير مهتمة بفوز سعودي في اليمن، ومثل هذا الفوز يعتبر أمرا مستحيلا. ومع ذلك يوجد احتمال أن تساعد روسيا التحالف السعودي لتحقيق "هزيمة مشرفة"، والشروع في عملية السلام، وبالتالي تسمح لمحمد بن سلمان بالخروج من المغامرة اليمنية دون فقدان الحد الأدنى من ماء وجهه. في المقابل  يمكن لتصرفات روسيا في سوريا أن تقوض موقف المعارضين له. وخلال ذلك يمكن أن تكون اليمن خالية من النفوذ السعودي ومن قوات الاحتلال السعودي.