لمن اليمن؟ لعبة العروش على اليمن

05.04.2016

اليمن صاحب التاريخ السياسي المعقد، تاريخ مليء بالفتوحات والصراعات القبلية وكذلك بالإصرار على نيل الاستقلال الوطني. إذا لم يستطع اليمن التخلص من نير القوى الاستعمارية فهذا ليس بسبب افتقاد شعبه للطموح. إن الحرب الدائرة في اليمن هي شهادة رائعة على رغبة اليمنيين في تقرير المصير، واستعادة السيطرة على أرضهم بل وعلى أنفسهم.
منذ عقود طويلة لم يسمح لليمن بوضع مسار سياسي مستقل وخاص به، على العكس من ذلك  تم العمل بالإكراه حينا  أو بالخيانة من خلال العطاءات الخاصة حينا آخر على استغلاله بل وإيصاله للجحيم. إنها لعبة العرش السعودي الخائف من الجمهورية الطموحة. إن وقوف السعودية ضد الحرية والسيادة في اليمن كفيروس قاتل خبيث يجد إلى جانبه الدعم الكبير من حلفائه الغربيين.
ويساعد إلقاء نظرة متفحصة على الحرب السعودية على اليمن على فهم القوى التي تخطط لزوال اليمن منذ البداية.
يقر الملك سلمان نفسه أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ساعدتا العدوان العسكري ضد اليمن من خلال  تقديم الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والخبرة لحليفهم السعودي. والسؤال الجوهري هنا لمصلحة من يقدمون هذه المساعدة؟ أعتقد أن الجواب على هذا السؤال ليس بهذه البساطة على الرغم من وجود الخبرة الكبيرة حول هذا الموضوع.
أتذكر كيف وصف السياسي المخضرم جورج غالوي القوى الغربية (في مقابلة أجريتها معه لموقع آية الله علي الخامنئي) بأنها تستخدم السعودية كأداة لتحقيق مصالحها بالسيطرة على العالم.
لقد اتسم سرده بالكمال في وصف الامبريالية العالمية أو كما أحب أن أسميها الرأسمالية المفرطة. أعتقد أن السعودية تعمل لتسبق صانعيها وبشكل خاص من خلال المال، وسأعود للحديث عن هذا لاحقا.
واسمحوا لي أن أبتعد عن اليمن مرة ثانية وأتحدث عن موضوع العولمة، لأنه المفتاح لفهم معظم الصراعات والتوترات التي يتم اللعب فيها اليوم. العولمة هي مجرد تعبير عن الرأسمالية المتوحشة  وهو شكل منحط من الإمبريالية ... والعكس بالعكس.
كان لينين بالفعل هو الذي وصف الامبريالية بأنها الحالة الأعلى للرأسمالية عام 1916. وأجرؤ على القول أن لينين كان على حق فاليمن اليوم يعطينا مثالا عن الرأسمالية الفاشلة.
كما أوضح فيل كاسبر في كتاباته " لينين لم يدع عدم وجود الإمبريالية قبل القرن التاسع عشر" كما أنه أشار بوضوح أن " الإمبريالية والاستعمار كانا موجودين وحتى قبل الرأسمالية". روما التي تأسست على العبودية واصلت سياسة استعمارية ومارست السيطرة الإمبريالية. لكن لينين أضاف " الحجج التي تتعلق بالامبريالية وتوضع في الخلفيات السياسية للنظم الاجتماعية والاقتصادية تتحول إلى تفاهات لا معنى لها مثل روما العظمى وبريطانيا الكبرى" وأضاف " حتى السياسة الاستعمارية للرأسمالية في مراحلها السابقة تختلف عن سياسة رأس المال. ما كان لينين يحاول شرحه هو الشكل الخبيث للغاية للإمبريالية التي بدأت في الظهور في أواخر القرن ال19، مما أدى للتدافع نحو أفريقيا منذ عام 1988، الأمر الذي أدى إلى تزايد التوترات بين القوى الرئيسية والتي أدت في النهاية إلى حرب عالمية، واصفا إياها بأنها مرحلة من مراحل الرأسمالية، كان لينين يقول إن الامبريالية الجديدة كانت في جوهرها ظاهرة اقتصادية ".
في الصميم حرب اليمن هي حرب الإمبريالية وهي ناتجة عن صراع القوى الاستعمارية الجديدة التي تسعى إلى استعباد أمة من أجل السيطرة. بالطبع هناك شريرون وهناك أجندة أكثر قتامة تعمل على تسعير هذه الحرب وهذا ما يعمل بعض الخبراء على رفضه منذ فترة طويلة  . وأنا لا أشير هنا إلى الفجوة الشائنة بين السنة والشيعة ... هذا الانقسام موجود فقط في عقل الرياض، افتراء يستخدمونه لحماية أنفسهم من التحرر السياسي والاجتماعي والديني الذي يقدمه الإسلام الشيعي بطبيعته، على عكس التطرف الذي تقدمه الوهابية.
دعونا نتذكر أنه إذا كان العالم يكره ويخشى الإسلام فذلك لأن الوهابية  قد صورت الإسلام  أنه" فكر التكفير الذي يقر أن جميع الكفار يجب أن يموتوا بالسيف". إن العقيدة الوهابية المروعة التي تقوم على أساس سفك الدماء  تدعو لقتل كل أولئك الذين لا ينحنون إجلالا وإكبارا لإرادتها.
أحد الأسباب التي جعلت المملكة السعودية تكره اليمن كثيرا هو أن إسلام اليمن ليس ذلك الإسلام الذي بشرت به الرياض.
وبينما ترتكز طموحات الرياض في اليمن في الرأسمالية، اتبعت بعض الجهات الفاعلة في المملكة أجندة وهابية متطرفة، مضيفة مسحة طائفية شريرة للعمل العسكري السعودي.
وكشف تقرير في يناير 2016 من قبل "حملة مناهضة تجارة الأسلحة" (CAAT) أن المملكة المتحدة تلقت  5.6 مليار يورو من خلال صفقات أسلحة مع المملكة العربية السعودية، منذ تولي كاميرون رئاسة الوزراء.
أندرو سميث من "حملة مناهضة تجارة الأسلحة" (CAAT) يحذر من أن الأسلحة البريطانية هي أساس للحملة العسكرية التي " تقتل الآلاف من الناس، ودمرت البنية التحتية الحيوية ونشرت التوتر في المنطقة".
وأضاف أن " المملكة المتحدة متواطئة في التدمير من خلال الاستمرار في دعم الضربات الجوية وتوفير الأسلحة، رغم وجود أدلة قوية ومتزايدة على تنفيذ جرائم حرب".
"لم يكن ينبغي أبدا الموافقة على هذه المبيعات من الأسلحة في المقام الأول. والنظام السعودي لديه سجل مروع في مجال حقوق الإنسان".
وفي مقابلة مع معهد "شفقنا" لدراسات الشرق الأوسط، "، أشار "ديفيد ميفام" مدير هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة، : "أصدرت هيومن رايتس ووتش العديد من التقارير حول ما يقوم به السعوديون في اليمن، حيث تشترك بريطانيا مع السعودية وتساعدها، ونعمل على تعزيز قدرتها على متابعة هذه الحرب التي أدت إلى وفاة العديد من المدنيين. أعتقد أن هذا مؤسف للغاية وغير مقبول ".
مؤسف جدا أن نشاهد كل هذا الإنفاق العسكري من الدول الغنية من القوة النارية والجهود السياسية ضد دولة فقيرة وبعيدة مثل اليمن، وذلك من أجل تحقيق أجندة محددة سلفا. التفكير في الامر قليلا. سنرى أن المملكة العربية السعودية تستخدم هذه الطاقة ضد اليمن ليس في السعي لتحقيق مكاسب سياسية، وسيكون من الغباء أن نعتقد أن الرئيس السابق "هادي" يساوي مليارات الدولارات من الإنفاق العسكري.
بالعودة إلى  2012،  دعا اليمن المجتمع الدولي إلى معالجة النزيف المالي بملغ من 9 - 10 مليار دولار. "اليمن يحتاج الى الكثير من المال لإعادة الإعمار، ولتحقيق الرخاء والقضاء على الفقر، والبطالة، وبالتالي أيضا الإرهاب. يحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات"، قال رئيس الوزراء السابق محمد باسندوة للصحافة في يناير/كانون الثاني عام 2012 أمام اجتماع أصدقاء اليمن.
هل تمت مساعدة اليمن للخروج من الفقر وعدم الاستقرار؟، هل تم توفير وسيلة حقيقية لليمن للخروج من الفوضى التي زرعتها الدول الغنية بالنفط المجاورة له ؟. الجواب على هذا السؤال هو: بالطبع لا.
لم ينتقل اليمن يوما إلى أي شيء ديمقراطي. كان يشهد تغييرا في حراس السلطة. اللذين كانوا يتحصنون بأمان في أحضان الرياض، خاضعين للسخاء المالي الذي كانت المملكة دائما على استعداد لتقديمه مقابل توسيع العبودية السياسية لصالحها.
عندما لعب آل سعود دورا في إسقاط الإمبراطورية العثمانية، سمحوا بالتالي لبريطانيا في تحقيق أحلامها في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لذلك عملت بريطانياعلى جعل السعودية كرأس حربة في الخضوع لبريطانيا.
لم يسمح لليمن أبدا أن يكون حرا ... اليمن كان عليه فقط ودائما الخضوع لتلك القوى التي تسعى لاستغلال ثرواته، وتحويل أراضيه إلى مصدر للربح.
إذا كان عام 1962 قد شهد التحول السياسي والمؤسسي العميق في تاريخ اليمن، فإن عام 1994 ختم علاقة الخضوع مع المملكة العربية السعودية، حيث تمكن الرئيس السابق علي عبد الله صالح من تخليص السلطة من الاستعمار الديني من خلال انتصار عسكري ضد جنوب اليمن، وبذلك أثبت رئاسته على الإقطاع السياسي في اليمن.
ومن خلال لمحة تاريخية عن اليمن، تاريخ اليمن مليء بالأحداث السياسية المؤلمة. شهد الكثير من المؤامرات السياسية والخيانات، وأخيرا، فإن صعود الحوثيين المثير للاهتمام، اضطر فعلا اللاعبين الدوليين لإظهار تدخلهم ولكن هذه المرة بشكل أكثر مباشرة.