طريقة جديدة للتفكير في الإرهاب في شمال القوقاز وما وراءه

21.07.2016

لمنع الإرهاب، فمن الضروري كسب قلوب وعقول أولئك الذين هم أكثر عرضة للأيديولوجية المتطرفة.
في 13 يوليو/تموز، ذكرت وسائل الإعلام مقتل أحد "قادة الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، طرخان باتيراشفيلي، المعروف أيضا بإسم عمر الشيشاني، ومع ذلك، بعد الأحداث المأساوية (الهجوم الإرهابي في 14 يوليو/تموز في نيس الفرنسية والانقلاب الفاشل في تركيا) طغى هذا الخبر وأصبح أهم عناوين الأخبار.
وبطبيعة الحال، ظهرت تقارير عن مقتل عمر الشيشاني في وسائل الإعلام من قبل. وورد أنه قتل بضربات للجيش العراقي، في مناوشات مع الميليشيات الكردية، وخلال الغارات الجوية الأمريكية. ولكن في يوليو 2016، أفيد عن مقتل باتيراشفيلي رسميا من قبل وكالة " أعماق"، والتي تغطي وجه التحديد نشاط "داعش". في الواقع، نشرت مقتطفات من التقرير على موقع "مجموعة الاستخبارات" المهتمة في تحليل ورصد المنظمات الجهادية.
ومع ذلك، أيا كان تاريخ مقتل القائد الشيشاني، فإن صعوده السريع في صفوف الجهاديين المتشددين يستحق النظر. الشاب ابن الأب الجورجي والأم الكيغالية (اسم مستخدم في جورجيا للشيشان والانغوشيين الذين يقطنون وادي بانكيسي في شمال جورجيا)، حارب في صفوف الجيش الجورجي خلال ما يسمى حرب "الخمس أيام ضد روسيا" ولكن بعد ذلك فشل في استيعاب في الخدمة العسكرية.
انتقل طرخان باتيراشفيلي إلى تركيا، ثم إلى الشرق الأوسط حيث انضم إلى صفوف "داعش". في المنظمة الإرهابية، تبوأ سلسلة من المناصب العليا بما في ذلك "وزير الحرب". وهكذا، أصبح "الشيشاني" واحدا من أبرز الإرهابيين في الشرق الأوسط الذين ذاع سيطهم في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في القوقاز. كما أشار الكاتب السياسي "أرسين إبراغيم"، في منطقة الشرق الأوسط اليوم، "الشيشاني" يبدو وكأنه الرمز الأكثر شهرة.
وفي الوقت نفسه، سيكون من الخطأ أن ننظر إلى باتيراشفيلي فقط في سياق مواجهة شبكته الإرهابية مع الولايات المتحدة الأهم من ذلك، في حين كان السياسيين الأمريكيين منشغلون بسياسة "التحريف الروسي" ومخاوف من "إعادة السوفيتية" من فضاء مابعد الاتحاد السوفياتي، كان الجهاديون غير مترددين باعتبار أميركا وروسيا كأعدائهم الوجوديين.
على الفور تقريبا بعد أن أعلن "داعش" عن تأسيس الخلافة العالمية، أعلنت روسيا ( والقوقاز الشمالية على وجه الخصوص) عن أهم أهدافها. ووفقا للباحث الإسلامي الروسي "أحمد يارليكاروف"، فإن البيان الأول لل"الخلافة" التي تم إنشاؤها حديثا يتضمن عمليا المطالبة بالأقاليم الروسية.

في الواقع،  تسرد الوثيقة أن المنظمة الإرهابية "إمارة القوقاز" تعمل في شمال القوقاز ضمن هيكل "داعش"، يوضح أحمد يارليكاروف. وفي الوقت نفسه، كانت  "إمارة القوقاز" مدرجة على القائمة السوداء من قبل وزارة الخارجية الامريكية، وقد أعلنت على الملأ تهديدا ليس فقط لروسيا، ولكن أيضا للمصالح الأمريكية.
في هذا الصدد، من المهم جدا تحديد القوة السياسية التي يمثلها "الشيشاني". هنا، الإسلام المتطرف والجهادي يعرض نفسه كحركة سياسية أيديولوجية منفصلة بدلا من أن يكون جزءا من الإسلام، الذي يعتبر من الديانات الرئيسية في العالم.
كما لاحظ الباحث الروسي ألكسندر إغناتنكو بشكل مبرر، أنه قد ضربت العالم الإسلامي مصيبة وبدأت معالمها بالظهور.  حيث ظهرت طائفة جديد تحاول برهنة مبادئها، ليس عن طريق المعرفة العميقة للقرآن الكريم والسنة أو بعض الأعمال الصالحة والتقوى والزهد، ولكن ببساطة تعلن أن كل الطوائف المسلمة الباقية هم كفار.
ويكفي أن نقول أنه على مدى سنوات، وضع الإسلاميون أهدافا لهم لتصفيتها ليس فقط من أتباع الديانات الأخرى، ولكن أيضا من المسلمين العاديين ورجال الدولة البارزين، والشخصيات الثقافية المعتنقة للإسلام (مثل الرئيس المصري أنور السادات أو  نجيب محفوظ الأديب العربي الكلاسيكي  الحائز على جائزة نوبل 1988).
في هذا المعنى، فإن مفهوم "صراع الحضارات" من الصعب أن يستخدم كأداة مناسبة لفهم مشكلة "الجهاد". وهذا حقيقي بشكل خاص لأن "طوابير" الإسلاميين المتنوعة لا تأتي في مواجهة مع بعضها البعض. على سبيل المثال، حركة طالبان وتنظيم جبهة النصرة الإرهابي يتصارعان بين الحين والآخر مع تنظيم "داعش".
تحدث الأنشطة الإرهابية المختلفة تحت شعارات إسلامية ليس فقط في المناطق التي تواجد فيها "الشيشاني" و "داعش". وسيكون من الخطأ القول إن التطرف الاسلامي يتلخص بداعش. إن أسباب شعبية الإسلام في شمال أفريقيا وأفغانستان، في البلقان والقوقاز الكبرى متنوعة ولا يمكن اختزالها بأسباب عامة مثل "الحرمان والفقر والبطالة".
وليس من النادر أن منظري ورعاة الإرهاب هم من ذوي التعليم الجيد والمكانة الاجتماعية العالية. والأمر مختلف بالنسبة  للمقاتلين الإرهابيين الذين كثيرا ما يسهل تجنيدهم بسهولة أكبر من تلك الشرائح من السكان الذين هم ضحايا الظلم الاجتماعي والفساد والتفاوت الاجتماعي، والتمييز العنصري والطبقي.

ومع ذلك،  الجوانب الأيديولوجية يجب أن لا تكون مهملة. ففي كثير من الأحيان انضم إلى صفوف الاسلاميين الكثير من المثقفين الذين ليهم عقدة الدونية في الشرق الإسلامي بالمقارنة مع "الغرب المنحل". وفي كثير من الأحيان أفكار " النضال الشرقي" يتم الاحتفاظ من قبل الناس الذين يشعرون بالقلق مع تآكل القيم التقليدية والعولمة .
في أي حال، فإن الظلم الاجتماعي القائم ، وعدم تكافؤ الفرص، و"الازدهار" الغربي لا يمكن اعتباره مبررا للقتل الجماعي للناس بما في ذلك، بالمناسبة، الأشقاء في الإيمان. من المستحيل للهجمات الإرهابية في باريس، نيس، بيروت، باكستان، أو جمهوريات القوقاز الروسية أن تجعل المسلمين المعوزين أكثر ثراءا أو لأن تجلب حلول لمشاكل فلسطين وكشمير وداغستان أو الشيشان.
في أي حال، فإن تحدي الاسلاميين ليس حربا بين "الأشرار" ضد "الأخيار". إنها ظاهرة اجتماعية وسياسية ونفسية وأيديولوجية وثقافية معقدة لا يمكن القضاء عليها بشكل مباشر. كما لوحظ من قبل رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز "جوست هلترمان لمجموعة الأزمات الدولية "، ما لم نتمكن من حل مشكلة الحكم في المناطق التي يسيطر عليها حاليا "داعش" والقاعدة، وحتى هزيمة كاملة لهؤلاء الجهاديين ستؤدي إلا إلى ظهور مجموعات جديدة مكانهم ولكنها ستكون أكثر تطرفا. نحن بحاجة إلى معالجة جذور المشكلة ".

يوجد دليل واضح على ذلك،  في شمال القوقاز. ففي أعوام 2013-2015، انخفض بشكل مطردعدد الهجمات الإرهابية في المنطقة ، وتمت تصفية قادة أخطر المجموعات المتشددة (دوكو عمروف، علي أبو محمد الداغستاني)، ودمر تنظيم إمارة القوقاز (أعلن في أكتوبر 2007) بشكل كلي تقريبا.ومع ذلك، فقد تم استبداله بهيكل آخر، "ولاية القوقاز"، الأمر الذي يعتبر بمثابة تقسيم "لداعش". في شهري نوفمبر وديسمبر عام 2014، بعض القادة الميدانيين شمال القوقاز بايع زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي. وقد أعلنت هذه المنظمة بالفعل مسؤوليتها عن الهجوم على مجموعة من السياح في داغستان في ديسمبر /كانون الاول عام 2015 وعن سلسلة من الأعمال الإرهابية في شمال القوقاز في عام 2016.
وبالتالي، بعض الإنجازات من قبل السلطات في محاربة الإرهابيين نت دون العمل في مجالات أخرى (العلاقات بين الدولة والمؤمنين، وقضايا حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية) لن تحقق انفراجة وحل لهذه المشكلة، والتعامل مع التهديدات الإرهابية لا يمكن أن يختزل بتصفية المنظمين للانفجارات والهجمات (على الرغم من ضرورة هذا الخط من العمل أيضا) بل يجب أن يكون معزز بمجموعة من التدابير تشمل التفاعل الدولي. وذلك لأن تحدي الإسلاميين يتضمن حرب هياكل شبكاتهم ومعالجة نقاط الضعف في الدولة التي تجعلها هدفا للإرهابيين. ولكن الأهم من ذلك، يجب أن يتضمن العمل على عقول الناس.