ترامب رئيسا.. الناتو إلى أين؟

14.11.2016

دونالد ترامب يمكن أن يعيد تقييم أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤدي بالتأكيد إلى دور استراتيجي جديد لمنظمة حلف شمال الأطلسي - بما في ذلك زيادة التركيز على مكافحة الارهاب في الخارج.

قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة، حين كان يتوقع معظم السياسيين الأوروبيين والأمريكيين فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، أعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خططه لزيادة الاستعداد القتالي لقوات الحلف في أوروبا.

وبالإضافة إلى ذلك، قال الأمين العام لحلف الناتو إن التكتل يجب أن يرد على سياسة الخصم اللدود روسيا. ولكن بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في السباق الرئاسي الأمريكي، غير ستولتنبرغ أولوياته ودعا حلف شمال الاطلسي لمكافحة الإرهاب أولا وقبل كل شيء، وإزاحة احتواء روسيا إلى جدول الأعمال الثانوي.

مع ترامب القادم إلى البيت الأبيض، من المرجح أن تعيد الولايات المتحدة تقييم أولويات سياستها الخارجية، والتي أيضا يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في الاستراتيجية العسكرية لحلف الناتو. هل تقوم واشنطن ومنظمة حلف شمال الأطلسي بنشر قوات الانتشار السريع؟ الأهم من ذلك، من الذي سيدفع ثمن هذا في ظل إدارة ترامب؟

على أية حال، هناك بعض الأفكار المثيرة للجدل في تصريحات الرئيس الأمريكي قبل انتخابه حول الأمن القومي للبلاد، بضرورة إعادة تقييم السياسة العسكرية للولايات المتحدة. على وجه التحديد، أقر الزعيم الأمريكي الجديد بإمكانية استخدام التعذيب في حالات أولئك الأشخاص المشتبه في صلتهم بالإرهاب. كما قال علاوة على ذلك، إن استخدام الأسلحة النووية ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" سيكون خيارا محتملا. وكذلك انتقد سياسة أوباما تجاه إيران وكوريا الشمالية، وهما الدولتان اللتان يمكن أن تشكلا تحديات نووية للعالم.

وسط هذا الخطاب تبدو تصريحات ترامب حول الأمن غير مترابطة. وفقا لمنطقه، الأمن ليس مجانيا أبدا وعلى كل بلد أن يدفع ثمن ذلك بنفسه. في الوقت نفسه، قال إنه يعتقد أن أمريكا لا ينبغي أن تفرض قيمها العالمية على أولئك الذين لا يتفقون معها.

لذلك، ترامب دخيل على النظام وشعبوي ومتناقض. هو غريب عن المؤسسة الأمريكية. هذا هو السبب في انه يستطيع أن ينتهك قواعد النظام السياسي الحالي - ولكن فقط إلى حد ما. وهذا النهج المتعجرف يصبح أكثر صعوبة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. ومع ذلك، وصف الرئيس الأمريكي المنتخب نفسه بأنه براغماتي. وقال انه لا يستبعد أن يندفع في حساباته الدفاعبة من منظور براغماتي وإقامة نظام الدفاع الأوروبي.

إذا طلب الأوروبيون مظلة دفاعية بقيادة الولايات المتحدة، فسيكون عليهم دفع ثمنها. إذا رأى الاتحاد الأوروبي أن موسكو تشكل تهديدا لأوروبا الشرقية، فعلى بروكسل إنشاء البنية التحتية اللازمة لنشر القوات الأمريكية. وفقا لمنطق ترامب، يجب على حلف الناتو نفسه أن يكون أكثر اعتمادا على الذات في تعزيز الأمن الأوروبي.

لذلك، ترامب يبدو النموذج الواقعي والساخر. انتقد مرارا سياسة إدارة أوباما في سوريا والعراق: فشل الحملة الأمريكية ضد داعش، والآن آفاق العملية العسكرية في الموصل ضد الإرهابيين أصبحت في طي النسيان. والأهم من ذلك أن القوات الأمريكية تقاتل في العراق.

ربما يتوقع ترامب من الاتحاد الأوروبي لعب دور أكبر في التحالف الدولي ضد "داعش" بطريقة تجعله يتحمل عبء الحرب في الشرق الأوسط. لا يستبعد أن الرئيس الأمريكي الجديد سوف يقاتل الإرهاب بمثابرة أكبر، وسيحاول إشراك أصحاب المصلحة الآخرين، بما في ذلك روسيا. مثل هذا النهج سيسمح له بتعزيز موقفه في ظل إخفاقات الإدارة السابقة في عملية التصدي للإرهاب. وقبل كل شيء، يمكن أن يفسر ذلك على أنه الحسم في الدفاع عن المصالح القومية الأمريكية.

من المحتمل جدا أن يوافق ترامب على التعاون البناء واسع النطاق مع الكرملين في سوريا وسوف يحاول جلب قوات حلف شمال الأطلسي إلى العملية. في هذا السياق، فإن التجهيز الفوري لقوات اضافية من قوات الانتشار السريع ستكون قادرة على المشاركة في معارك منطقة الشرق الأوسط بحلول ربيع عام 2017، وسوف يستفيد  ترامب بالتأكيد من هذا.

وعلى الرغم من التناقض، فهيكل القوة المقترحة من قبل ستولتنبرغ لا يمكن أن يشكل تهديدا خطيرا لروسيا. ومن المرجح أن كلا من الأمين العام لحلف الناتو ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، يفهمان هذا. في حين أن الأخير دعا مؤخرا ومرة أخرى لإنشاء جيش أوروبي، لكنه لن يكون قادرا على تغيير الوضع والتأثير على ميزان القوى في المنطقة.

في حالة تدخل روسيا في أوروبا الشرقية أو هجوم الناتو على روسيا، فالحرب ستكون سريعة ومتنقلة من خلال أسلحة الردع النووية التي ستلعب دورا رئيسيا. وفقا لتوقعات الخبراء العسكريين الغربيين، قد تسقط عواصم البلطيق في يومين أو ثلاثة بينما براغ ووارسو يمكن أن تسقط خلال 7-10 أيام بعد بداية الصراع.

لكنه أمر غير محتمل ان ينشر حلف شمال الاطلسي الآلاف من قواته على الحدود الروسية للضغط على الكرملين أو تهديده في حالة التصعيد في أوكرانيا أو دول البلطيق. بلدان أوروبا الشرقية ببساطة لا تملك البنية التحتية لاستيعاب هذا العدد الكبير من القوات. أكبر المناورات العسكرية التي شارك فيها 100 ألف شخص من حلف الناتو في أوروبا الشرقية على مدى السنوات الـ25 الماضية تمت في بلدان مختلفة.

خلق هذه البنية التحتية، والتي ستكون عرضة للأسلحة النووية التكتيكية نظرا لقربها من الحدود الروسية، قد يستغرق أكثر من عام. وعلى الرغم من أن  ليتوانيا واستونيا تمولان بالفعل قواعد في ساليالي، فعدد الطائرات الموجودة هناك ليس كبيرا.

وهكذا، فإن الزعيم الأمريكي الجديد قد ينفذ سياسة براغماتية جدا بغض النظر عن خطابه الشعبوي. ومن المرجح أن يحاول إعادة توجيه علاقات واشنطن مع موسكو، وربما تغيير السياسة الامريكية في أوكرانيا.

في الوقت نفسه فإنه ليس من الصحيح أن ينظر لترامب على أنه "صديق للكرملين" كما يفعل بعض السياسيين الروس. ترامب هو حامي المصالح الوطنية الأمريكية، وليس المصالح الروسية وفقا لمبادئ السياسة الواقعية.

وهو يسعى لتخليص بلاده من النفقات غير الضرورية، ومن مخاطر تهديد الإرهاب ويعمل على تعزيز الاقتصاد الأمريكي. إذا كان يمكن لروسيا أن تسهم جزئيا بهذه الجهود، فإن التعاون سيكون ممكنا. إذا تعارضت المصالح الوطنية الأمريكية مع المصالح الروسية، فلن يكون  التعاون ممكنا.

ترامب لا ينسى أوروبا، التي تتولى الولايات المتحدة حراستها منذ عام 1945. وسوف يتصرف بأسلوب عملي لأن التعاون مع بروكسل في الشرق الأوسط مهم لمحاربة الإرهاب. وبالإضافة إلى ذلك، فسوف تظل بروكسل شريكا لا غنى عنه للولايات المتحدة في حال تصاعدت التوترات مع روسيا بشأن أوكرانيا.

هذا هو السبب في إنشاء وحدات جديدة للانتشار السريع ونظام تنسيق القوات الأوروبية، فضلا عن زيادة القدرة على التعبئة، كل هذا سوف يكون مفيدا لترامب. ولكن بطبيعة الحال، سيكون على بروكسل أن تمول هذه المبادرات، وليس واشنطن.