هل تنتج الحرب السورية محورا جديدا في مواجهة حلف شمال الأطلسي

30.08.2016

لعل الحرب التي تحدث في سوريا اليوم هي نوع جديد من الحروب من حيث الوسائل المستخدمة فيها وشموليتها  ونوع وعدد المشاركين فيها، وكل طرف فيها يدعي الدفاع عن السوريين وحقوق السوريين، إلى درجة أن المراقب العادي قد لا يستطيع تمييز الحق من الباطل وتمييز الظالم من المظلوم إلا بالعودة إلى منظومة القيم وتطبيقها على السلوكيات التي يعتمدها كل طرف يشارك في هذه الحرب ليعرف من يدافع عن وطنه ومن جاء من الخارج لينفذ أجندات خارجية  في الميدان السوري.
الجيش السوري وحلفاؤه يقاتلون إرهابيين من جميع دول العالم، جاؤوا إلى سوريا بدعم من الحلف الأمريكي الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ليقاتلوا في سوريا "دفاعا" عن الشعب السوري، لقد تم إخراجهم من سجون كثيرة في العالم وجيء بهم إلى سوريا ليدافعوا عن "عدالة الثورة التي تقطع الرؤوس وتقتل الأبرياء"، ومنذ أكثر من خمس سنوات يستمر القتل والتدمير في سوريا، وما زال هنالك من يدعي وجود ثورة سورية بعد كل ما ظهر وبان للصغير والكبير من أن الحرب الثورية لم تعد حربا بين السوريين بل أصبحت حربا بين محورين، أحدهما هو المحور الأمريكي الغربي الذي يريد تدمير سوريا بشرا وشجرا وحجرا تحقيقا لأهدافه الجيوسياسية بالتخلص من سوريا برمزيتها وموقفها وانتمائها، فهي مركز إشعاع حضاري وتعايش وانسجام بين مختلف الأديان، وهي مقاومة للمشاريع الإسرائيلية الأمريكية الغربية. وهذا المحور  الأمريكي ما زال يدعي وجود "معارضة معتدلة" تقاتل من أجل حقوق الشعب السوري، على الرغم من أن جميع تلك المعارضات تقاد من دول خارجية وتدار من غرف عمليات تتبع لمخابرات الدول المنخرطة في الحرب ضد الشعب السوري.
معارك العام الفائت 2015 أظهرت لحلفاء سوريا مدى تكالب المحور الأمريكي مع وكلائه الإقليميين على دعم المجموعات الإرهابية وأظهرت أيضا قدرتهم العالية على الحشد والتسليح والدعم المادي، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن بقاء الجيش السوري وحيدا في المعركة قد يؤدي إلى خسارة كبيرة لمحور المقاومة في المنطقة وللمحور الأكبر الذي يرفض هيمنة القطب الواحد الذي تقوده الليبرالية الأمريكية الجديدة المتوحشة التي تريد ضرب كل من لا يسير في المخطط الأمريكي. لعل التدخل الأمريكي في سوريا وأوكرانيا كان من أكثر الأحداث إظهارا للمخطط الأمريكي في العقد الحالي، وكما أن الفشل الأمريكي في أوكرانيا سيؤسس لفشل الاتحاد الأوروبي، لأن الاتحاد الأوروبي وجد أساسا ليسد الفراغ الناتج عن تفكك الاتحاد السوفييتي ويسيطر على ما أمكن من الدول المحيطة بروسيا لكي يكون أداة أمريكية تستثمر ضد روسيا وقت الحاجة، فإن الفشل الأمريكي في سوريا قد قوض تشكيل الإمبراطورية العثمانية الجديدة التي أرادها المحور الأمريكي أن تكون المشروع الموازي للاتحاد الأوروبي في منطقتنا بزعامة الإخوان المسلمين ليكون أيضا أداة أمريكية أخرى تستخدم ضد روسيا ومحور المقاومة ويخدم المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية.
تدخل محور المقاومة أولا في المعركة لمعرفته أن الحرب هي حرب مباشرة عليه وخاصة بعد فشل حرب 2006 على جنوب لبنان وقدرة حزب الله على الصمود في مواقعه وتغيير قواعد اللعبة في المنطقة، ومعرفة إسرائيل وحليفتها الكبرى أمريكا بعدم وجود قدرة على الحسم العسكري  وأنه لا بد من وجود طرق أخرى لضرب محور المقاومة وتفتيته. ثم تدخل حلفاء المحور الكبار في المعركة بعد أن تبين لهم بالدليل القاطع أن خسارة الحرب السورية ستؤدي إلى تدفق عشرات الآلاف من الإرهابيين إلى دولهم وستكون سوريا بؤرة تصدر الإرهابيين  إلى جميع الدول حتى لتلك الدول التي دعمتهم. إضافة إلى تشكل صورة واضحة عن الهجمة الأمريكية في كل من سوريا وأوكرانيا وأن الخسارة في أي من هذين البلدين ستكون خسارة لمحور التعددية القطبية بكامله.  لذلك جاء التدخل الروسي في سبتمبر من العام 2015 ليغير نتائج المعارك في كثير من المناطق ويزيل الخطر عن الكثير من المواقع التي أعاد الجيش السوري وحلفاؤه السيطرة عليها. هذا التدخل الروسي حرم المحور المعادي لسوريا من الانتصار في الحرب ولكنه لم يستطع حسمها بسبب الدعم الهائل التي تتلقاه المنظمات الإرهابية من الإقليم بمساعدة من السعودية وتركيا وقطر ودعم عسكري غير محدود من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ولأن عديد الطائرات الروسية الباقية  في مطار حميميم قليل نسبيا وقدرتها محدودة على المشاركة على مستوى جميع المعارك الدائرة على الأرض السورية. 
لقد كانت معارك حلب الأخيرة إحدى أهم المؤشرات التي أظهرت استماتة المحور الأمريكي الإقليمي  لكسر الحصار الذي فرضه الجيش السوري وحلفاؤه على ما يقارب من عشرة آلاف مسلح في مدينة حلب، فقام هذا المحور بإرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين مدعومين بأحدث أنواع الأسلحة وبكل أنواع الدعم الأمني واللوجستي حتى استطاع تحقيق بعض الانجازات واحتلال بعض النقاط في جنوب وغرب حلب ولكنه لم يستطع تحقيق جميع أهدافه بسبب المقاومة الشرسة من الجيش السوري وحلفائه، ولكن هذه المعارك أظهرت أن الطائرات الروسية الموجودة في حميميم لا تستطيع تغطية الجغرافيا السورية ومنع تدفق الإرهابيين بكميات كبيرة وخاصة عندما يكون التدفق من إدلب إلى حلب (نتيجة لقرب المسافة بينهما)، لكنها أظهرت أيضا أن المحور المعادي لسوريا وحلفائها يستميت في الحفاظ على حلب وعلى وجوده على الأرض السورية، وأكدت أيضا أن المحور المعادي لسوريا يريد مجرد القتل والتدمير وأنه يعتبر أن المزيد من القتل والتدمير لدى محورنا كنتيجة طبيعية لإطالة الحرب هو مكسب من المكاسب التي يحققها. لقد كانت استجابة الاتحاد الروسي لمتطلبات المعركة سريعة وحاسمة فبدأت القاذفات الروسية الثقيلة بضرب مواقع مختلفة للإرهابيين وتفاجأ العالم وخاصة حلف الناتو بالاتفاق الروسي الإيراني بوضع مطار همدان في إيران تحت تصرف القاذفات الاستراتيجية الروسية وبدأ حقا عهد جديد من التعاون الروسي الإيراني.
في  16 أغسطس  زار وفد عسكري صيني برئاسة الأميرال غوان يوفي دمشق لدراسة تعميق التعاون العسكري بين البلدين، أهمية هذه الزيارة تكمن في توضح المعالم الجديدة لتشكل حلف جديد يعارض الهيمنة الأمريكية ويرفض الكذب الأمريكي الغربي، الذي يعمل على تصنيع الثورات الملونة في سوريا وغيرها. هذا المحور الجديد بدأ فعلا بالتشكل وهو يضم روسيا وإيران وسوريا والصين، وهو محور قد رسم لنفسه خطوطا حمراء لم يعد مسموحا الاقتراب منها لا من الولايات المتحدة ولا من غيرها، ولعل الأيام المتبقية من شهر آب وبعض الأيام من أيلول ستبين أن هذا الحلف الجديد هو حلف جدي في دفاعه عن منظومة القيم التي يعتمدها وأهمها التمسك بالقانون الدولي ورفضه للمعايير المزدوجة ورفضه المطلق لتصنيع الثورات الملونة من أجل تغيير الأنظمة وخدمة محور القطبية الواحدة. وسوريا ستكون الدولة التي  استطاعت بصمودها واعتمادها قيما مشتركة مع المحور الذي تنتمي إليه هي التي أظهرت حلف شمال الأطلسي بذلك الجشع وعدم العقلانية في السير وراء مصالحه فكانت السبب لتشكيل حلف جديد يعيد التوازن لهذا العالم من جديد.